نظمت دار نشر “انسان” عودة أولى ندوات” صالون المحروسة” بعد توقف طويل، وحاضر فيها المؤرخ الكبير ورفيق العائلة الملكية الدكتور ماجد فرج، وحملت الندوة عنوان(أيام أفندينا) حيث دارت حول عصر الخديوي إسماعيل باشا ابن إبراهيم باشا وحفيد محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة، فبدأ حديثه عن الشعار الذي صممه بنفسه واستخدمه لموسوعته الشهيرة(مصر المحروسة) وتعبيره عن مصر القديمة بزهور اللوتس ومصر الحديثة بشعار علم مصر أيام الملكية أما الكلمة فهى المستخدمة حتى الآن في اوبرا عايدة عند دخول المارش المصري وهي الكلمة الإيطالية (جلوريا لا چيبتو) والتي تعني (المجد لمصر)، ثم استرسل في الحديث عن الخديوي اسماعيل فقال:” من المفارقات الغريبة في حياته هو رقم (١٦) ؛ فلقد تزوج الخديوي (١٦) مرة وحكم مصر (١٦) سنة وأنجب (١٦) ابن وبنت وكذلك نُفى خارج مصر (١٦) سنة”.

وأردف:” اختلف علم مصر من أيام محمد علي باشا حتى الخديوي إسماعيل أكثر من مرة من علم أحمر بهلال واحد وثلاث نجمات ثمانية ثم علم أحمر بثلاث هلالات تحمل كل منها ثلاث نجمات ثمانية ثم أخضر بهلال وثلاث نجوم ثمانية، ولعل السر في كونهم ثلاث نجمات فهي رمز لمصر العليا ومصر السفلى وبلاد السودان أما كون كل نجمة ثمانية فهو رمز الأقاليم الثمانية للدولة العثمانية، وارتدى حكام مصر (العمامة) ثم الطربوش بأشكاله ولكن لم يرتدي أى منهم التاج أبدا، وبالنسبة للألقاب الملكية فكان أقلها سلطة هو الوالي ثم الخديوي ثم السلطان ثم الملك وهو أعلاها شأنا وصلاحيات أيضا”.

وعودة إلى الحديث عن الخديوي اسماعيل قال الدكتور ماجد :”هو أول خديوي يحب السكن وسط شعبه وليس كمن سبقوه الذين فضلوا سكن القلعة بعيدا عن الشعب، وهو أول من أدخل الكهرباء لمصر فقد استخدم أول محول كهرباء في حفلات زفاف أبنائه وسميت المنطقة التي شغلها المحول فيما بعد(المنيرة) ثم تم إنشاء شركة الكهرباء أو (كوبانية الكهرباء) كما أسماها الشعب تحريفا لكلمة company وكان صاحب أول صنابير عمومية وفيما بعد تولتها أيضا أول شركة مياة للشرب، وهو أول من منع العبودية وتتبع تجار الرقيق سواء السود في أفريقيا أو البيض القوقاز من چورچيا ورومانيا، وهو صاحب أول كوبري على النيل من منبعه حتى مصبه وهو (كوبري قصر النيل) الأول وليس الحالي الذي بناه الملك فؤاد وكان برسوم يدفعها كل من يمر عليه، وأول من أدخل العربات الملكية مع افتتاح قناة السويس والتي عانت من الإهمال الجسيم قبل إعادة ترميمها بشكل فوق الرائع وهى موجودة جميعها في متحف العربات الملكية الذي أنصحكم بزيارته”.

أما التعليم فكان في عهده مجانيًا تماماً، فحتى عهد محمد علي باشا لم يكن هناك سوى تعليم أزهري فقط ولكن كان له الفضل في أول تعليم مدني ومدارس داخلية مجانية بالكامل وأول مدرسة للبنات(السيوفية) حتى أنشأ جيل كامل متعلم ومثقف بحق وبالمجان وأسند مهمة النهضة التعليمية هذه لرواد عديدين أمثال (علي مبارك)”.

وعن القصور الملكية ذكر أنهم ٤قصور ملكية رسمية فقط هى(قصر القبة، قصر عابدين، قصر الجزيرة، قصر المنتزه الذي بناه”فيلوتشي” على نفس طراز قصر (كاستيللو) الإيطالي)، أما الباقي فهى سرايات خاصة مثل (سرايا الجيزة) التي أصبحت حديقة الأورمان فيما بعد وبها سفارة التشيك حالياً وقد تم تفكيك السور المحيط بها ومن ضخامته استخدموه في تسوير كلام من (المتحف المصري، البرلمان المصري، قصر عابدين)، وكذلك (سرايا الإسماعيلية) التي تم هدمها بالكامل أيام افتتاح قناة السويس.
أما عن التماثيل الملكية خاصة الموجودة في الميادين الشهيرة فقال الدكتور ماجد :”أهمها ماكان منظور رفعه للميادين مثل تمثال الملك فؤاد وهو يمتطي جواده والذي كان مقررا رفع الستار عنه ووضعه في ميدان عابدين ولكن تم تحطيمه مع الثورة وأُعيد صبه في شكل (قروش صاغ) وأيضا تمثال الخديوي إسماعيل والذي كان سينتصف ميدان التحرير في يوليو ١٩٥٢ وبعد حدوث الثورة اختفى تماما حتى وجدته بنفسي في أحدي الصناديق المهملة ببدروم المتحف المصري وصعدت الموضوع لوزير الثقافة بنفسه وقتها ولكن قوبل مطلبي بالتخاذل والرفض الشديدين، وهناك تمثال للخديوي اسماعيل في اسكندرية كان هدية من الجالية الإيطالية وهو ينظر إلي البحر عينه على أوروربا كناية عن التحضر، كذا تمثال الملك فؤاد مع سيفه في القاهرة والإسكندرية في متحف الفنون الجميلة بمحرم بك حيث خدم الملك فؤاد سابقا في الجيش الإيطالي وكان الملحق العسكري للباب العالي الإيطالي، ولا ننسى طبعا (أسود قصر النيل الأربعة) والذي صممهم”هنري ألفريد” وظلوا شهراً كاملاً في متحف الشانزليزيه بفرنسا قبل أن يتحدد وضعهم حول تمثال محمد علي باشا في الإسكندرية ولكن بعد أن حدث جدلا كبيرا حول التمثال كونه أول تمثال مجسم لإنسان يُوضع في بلد مسلم استقروا بعدها في مكانهم أعلى كوبري قصر النيل حالياً، وكذلك شاهد (قبر الجندي المجهول) وهو التقليد المستخدم منذ الحرب العالمية الأولى، ولا ننسى طبعاً أن نذكر قصة (تمثال الحرية) المعروف حالياً ومكانه في أمريكا فلقد كان تمثالاً للفلاحة المصرية صممه منشئ برج ايڤل ولكن لم يستطع الخديوي سداد باقي مستحقات التمثال فأعاد المثٌال تصنيعه وأهداه إلى أمريكا نكاية في الخديوي ، ولعل ما غمرني سعادة هو (متحف عواصم مصر) المقام حديثاً في العاصمة الإدارية في ملحق الأوبرا والذي يعتبر أكبر استرداد لكرامة هذا العصر فعلا بعد عقود من الإهمال في التأريخ والتوثيق له”.

وأكمل:” كان الخديوي اسماعيل طموحا جدا وسعى لاستقلال مصر كاملاً عن الباب العالي وقد خطط لحدوث ذلك في حفل افتتاح قناة السويس ولذلك تعمد دعوة كل أمراء وملوك العالم بدعوات خاصة صُممت على رقاقات من جلد أذن الفيلة الإفريقية دون ارسال واحدة إلى سلطان الباب العالي، وهو ماأشعر الملوك والأمراء بالحرج من تعطيل مصالحهم مع السلطان حال ذهابهم واستقواء الخديوي بهم فلم يذهبوا للحفل ولكن أرسلوا أيضا وزراء ومندوبين عنهم كنوع من أنواع الإنصاف للخديوي حال نجاحه في الإنفصال”.

وبحديثه عن فكرة السلام الملكي قال:” فكرته جاءت من مارش جنائزي ل”شوبان” وتم تسريع إيقاعه حتى مال إعجاب الخديوي فاعتمده سلاما ملكيا رأس فرقة عزفه “بيومي حسب الله”صاحب فرقة(حسب الله) بشارع محمد علي الشهيرة بعد ذلك”.
وعن البريد يقول د. ماجد:” أنشأ الخديوي أول بريد جوي من خلال شبكة حمام زاجل كاملة أتى بعدها التلغراف، وأشهر من عمل (طواف) أو بوسطجي هو “عبد الله النديم”،”عبد الناصر”والد الرئيس السابق جمال عبد الناصر ، في متحف البريد نجمة مرسومة في منتصف أرضية المتحف هى عبارة عن نقطة الصفر لحساب أي مسافة في مصر”.

وعن رحيله ذكر الدكتور ماجد أن السبب كان خوف الدول العظمى وقتها من فكرة استقلاله بحكم مصر ولهذا أغرقوه في الديون حتى باعأغلب مجوهرات عائلته وحوالي ٧٥٪ من أسهم قناة السويس وكانت هي بداية نهايته قبل أن يتم نفيه خارج البلاد في قصره بالبوسفور ووفاته.

الندوة شهدت العديد من رموز التاريخ والأدب والباحثين وعلى رأسهم المؤرخ الكبير د. محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ الحديث والعميد السابق لكلية الآداب بجامعة دمنهور والذي أهدى الدكتور ماجد فرج نسخة كتابه (تاريخ الأرمن).

الندوة أتمنى أن تكون الأولى وليست الأخيرة في سلسلة ندوات تعرف من خلالها الأجيال الجديدة والقادمة تاريخ مصر الثري حقا.