تركيا محكوم عليها إما بالسير على طريق أردوغان أو بالفشل


من نواح عديدة، ليست الصفات الشخصية للرئيس رجب طيب أردوغان هي ما يفرض على تركيا سياستها الخارجية الاستفزازية والعدوانية والناجحة إلى حد كبير، بقدر ما هو الوضع الاقتصادي للبلاد.

فتركيا هي دولة نامية ناجحة إلى حد ما، إلا أنها محرومة من مواردها الطبيعية، ولا سيما الطاقة، وهو ما يزيد من اعتماد النمو الاقتصادي للبلاد على العوامل الخارجية أولا، وثانيا، يحدث فجوة هائلة في ميزان التجارة الخارجية للبلاد. وهو ما يحدد السياسة الخارجية لتركيا من نواح كثيرة، لحاجتها الحصول على مصادر طاقة مضمونة ورخيصة، وصفتها بالتفصيل في مقالة سابقة.

وبدون حرية الوصول إلى الموارد والقدرة على التحكم في الأسعار، اضطر الرئيس أردوغان إلى مبادلة دعمه العسكري والسياسي بموارد الطاقة، فيما كان هو نفسه في أغلب الأحيان من يخلق أو يشجع الصراعات، التي يعرض فيما بعد مساعدته من خلالها.

تلك السياسة المتطورة والمحفوفة بالمخاطر في آن تتطلب مهارة سياسة رفيعة، كان الرئيس أردوغان أهلا لها، فتسلل إلى كل شرخ، وحاول الاستفادة من كل فرصة. ونتيجة لذلك، تمكن من بناء نظام عملاق يستند إلى اتفاقيات معقدة، وتنازلات من جانبه مقابل تنازلات لصالحه، وفي كل حالة، كان كالنحلة، يرتشف قطرة من رحيق كل زهرة.

ولا أقول ذلك دعما لأردوغان، وإنما ببساطة للإشادة بخصم قوي.

يتطلب هذا النظام المعقد سياسة خارجية مستقلة، غالبا ما تصطدم بالقوى العظمى والجيران.

ومع ذلك، فإن أقصى ما تمكن أردوغان من تحقيقه في مثل هذه الظروف الصعبة هو الإبقاء على تركيا على حافة الهاوية الاقتصادية.

فهل يمكن لأي شخص آخر القيام بنفس العمل؟ حقيقة، أشك في ذلك. فحقيقة حدوث تغيير في اللاعبين ستكون بمثابة ضربة قوية للنظام المعقد الذي تم بناؤه، حتى لو تم الحفاظ على المسار السياسي السابق.

من المرجح أن يتكرر مثال الرئيس المصري محمد مرسي، متمثلا في سرعة زعزعة استقرار الاقتصاد بسبب عدم الكفاءة الشخصية وانعدام الخبرة للفريق الجديد.

ومع ذلك، فإن التهديد الأكثر خطورة والمحتمل هو تغيير المسار، أي الضربة المزدوجة للاقتصاد.

فتحويل تركيا إلى مركز للحبوب والغاز بمساعدة روسيا، وتدفق النفط الروسي الرخيص بخصم إضافي معتبر، والأرباح الضخمة من واردات البضائع الرمادية عبر تركيا، المتجاوزة للعقوبات الغربية ضد روسيا، والوصول إلى الأسواق الروسية والصينية، كل ذلك تحديدا هو ما يمنع الاقتصاد التركي من الانهيار، إلا أن ذلك، في الوقت نفسه، غير مقبول بالنسبة للغرب.

وتغيير المسار السياسي إلى نهج مؤيد للغرب سيكون بمثابة انتحار اقتصادي لتركيا، ستظهر نتيجته بسرعة كبيرة، في غضون بضعة أشهر.

تعتمد تركيا ماليا على الممالك العربية في الخليج، والتي ابتعدت مؤخرا عن الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الصين، واتخذت مسارا نحو تطبيع العلاقات مع دمشق، وتتعاون مع روسيا في الحفاظ على سعر عادل للنفط. وأعتقد أنه مع ترسيم حدود المعسكرين المتصارعين بشكل أكثر وضوحا خلال الحرب العالمية الثالثة التي بدأت بالفعل، فإن تركيا الموالية للغرب (إذا ما انتصرت المعارضة) ستجد نفسها في معسكر متعارض مع دول الخليج العربية نفسها، وهو ما سيؤثر كذلك على المساعدة المالية العربية للبلاد.

كذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في الوقت نفسه، يقفون أنفسهم على شفا الإفلاس، ويقومون بتشديد الأوضاع المالية حتى بالنسبة لاقتصاداتهم، وقدرتهم على مساعدة تركيا محدودة للغاية.

علاوة على ذلك، فلست متأكدا ما إذا كانت تركيا ستكون قادرة على تجنب الانهيار الاقتصادي حتى لو بقي رجب طيب أردوغان في السلطة.

في عام 2022، زاد العجز التجاري لتركيا بنسبة 138%، ونمت الصادرات بنسبة 12.9% إلى 254 مليار دولار، والواردات بنسبة 34.8% إلى 364.4 مليار دولار.

أي أن حاجة تركيا للمساعدات الخارجية تتزايد كل عام، فيما بلغ عجز الحساب الجاري التركي 48.7 مليار ولار العام الماضي، ومن المتوقع أن تكون أرقام هذا العام مماثلة. وذلك هو مقدار العملة الصعبة التي يتعين على تركيا توفيرها في شكل قروض أو إعانات لدفع ثمن وارداتها.

رأيي المتواضع، أنني كنت لأدرج تركيا كواحد من أوائل المرشحين للإفلاس خلال العامين المقبلين، أما إذا فازت المعارضة، فأعتقد أن هذا سيحدث على الأرجح في غضون الأشهر القليلة الأولى.

لهذا فإن تركيا سيكون محكوم عليها إما بالعودة إلى طريق الرئيس أردوغان به أو بدونه وإلا سينهار اقتصادها.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

تاريخ الخبر: 2023-05-16 12:17:14
المصدر: RT Arabic - روسيا
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 82%
الأهمية: 94%

آخر الأخبار حول العالم

نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:26:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 64%

وزير الخارجية الإماراتي يلتقي زعيم المعارضة الإسرائيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:27:10
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:26:30
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

وزير الخارجية الإماراتي يلتقي زعيم المعارضة الإسرائيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:27:12
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية