تعيش العلاقات المغربية الإسبانية أزهى مراحلها منذ الموقف التاريخي الذي أعلنته مدريد في 14 مارس 2022 من نزاع الصحراء، بتأييدها في رسالة رئيس حكومتها بيدرو سانشيز إلى الملك محمد السادس، المقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء. وهو الموقف الذي جاء في أعقاب أزمة دبلوماسية طبعت علاقات البلدين لأشهر طويلة غداة استقبال زعيم جبهة البوليساريو بجواز سفر مزور في أحد المستشفيات الإسبانية.
وبقدر ما فتحت رسالة سانشيز باب الأمل لبدء صفحة جديدة في تاريخ البلدين الموسوم بغياب الثقة، فإن الحاجة اليوم تفرض تقليب النظر في كل صفحات العلاقات الممتدة بين البلدين إلى قرون، بحكم الجوار الجغرافي وما يترتب عنه من تشابك ثقافي لم يفرز دائما مشاعر إيجابية، وبفعل التاريخ المشترك الذي خيمت الحروب والصراعات على مراحل مهمة منه.
ورغم أن العلاقات بين الرباط ومدريد اليوم في أفضل أحوالها، تُذكر بالأجواء التي طبعت علاقات البلدين في الربع الأخير من القرن الثامن عشر حين وقعا اتفاقيتين فريدتين همتا تكريس “الصداقة والتجارة والتواصل الدبلوماسي”، فإن تقليب النظر في كُنَّاشِ الدولة العميقة في إسبانيا يُظهر تشكل صورة سلبية في المخيال الشعبي والرسمي الإسباني تحتاج مجهودا كبيرا لتغييرها، ومن مداخل ذلك فهمها واستيعابها، وهو ما ظهر في كتاب مثير جديد للكاتب والصحافي المختص في الشأن الإسباني حسين مجدوبي، المعنون بـ”المغرب في الفكر الإسباني”، والذي استثمر فيه كل إمكانياته المعرفية كونه حاصلا على شهادة الدراسات العليا في التاريخ من جامعة غرناطة وشهادة الدكتوراه من جامعة مالقا، لتوضيح كيف شكَّل الإسبان صورة المغرب في مخيالهم عبر التاريخ. وهذه عصارة منتقاة من أهم فقرات الكتاب الجدير بالقراءة.
الخطة السرية لإسبانيا ضد المهاجرين المغاربة
تبقى الأحزاب الإسبانية في علاقتها بالهجرة قاصرة عن فهم أكبر للظاهرة، إذ لم يشجع، سواء اليمين أو اليسار، المهاجرين على العمل السياسي، مثل ترشيح البعض منهم في لوائحه الانتخابية، وإن حدث فبشكل محدود. بدأت الأحزاب تقبل ترشيح بعض المهاجرين المغاربة في صفوفها باحتشام شديد عكس العديد من الأحزاب السياسية الأوروبية وخاصة من شمال القارة. ومن باب المقارنة، تعتبر الأحزاب القومية ومنها في كتالونيا مثل الحزب الجمهوري الكتلاني أكثر تقدمية من باقي الهيئات السياسية الأخرى، فقد كان سباقا إلى منح المهاجرين المغاربة فرصة للترشح والفعل السياسي. علما أن الهجرة تعد من المواضيع الطارئة أو الجديدة في العلاقات بين المغرب وإسبانيا، وتكتسب أهمية قصوى على نحو متزايد، لاسيما بعدما تحولت إلى موضوع شائك يفجر أزمات كبرى بين البلدين (…).
وفي ظل شيخوخة الساكنة الإسبانية وتزايد حاجة الاقتصاد الإسباني لليد العاملة، تبقى الهجرة ضرورية لهذا البلد مثل باقي الدول الأوروبية. ويرى الأديب والسياسي عبد الحميد بجوقي، أحد رواد العمل الجمعوي في مجال الهجرة في إسبانيا منذ الثمانينات في تصريح خاص للكتاب: «الهجرة ضرورية لإسبانيا، غير أنه توجد هجرتان أخذا بعين الاعتبار اللغة والدين، واحدة مرغوب فيها وهي القادمة من أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، وأخرى غير مرغوب فيها وهي القادمة من المغرب».
وهذا التفسير يلقي بالضوء على الرؤية السياسية للدولة العميقة بشأن الهجرة المغربية. وتمتلك إسبانيا تقييمها الخاص بالهجرة المغربية، فهي ضرورية للاقتصاد المغربي ولكنها في نفس الوقت تعتبرها سلاحا في يد المغرب للضغط في ملفات سياسية مثل الصحراء وسبتة ومليلية المحتلتين. وقد صاغت إسبانيا، بغض النظر عن لون الحزب السياسي الحاكم، استراتيجية لإبطال ما تعتبره «مخططا مغربيا»، ويتضمن ما يلي:
أولا، التحكم في إيقاع تطور الهجرة المغربية في إسبانيا عددا، وذلك من خلال الحرص على عدم تجاوز المغاربة نسبة مئوية معينة من الشعب الإسباني مستقبلا، وذلك بهدف الحفاظ على الطابع الأوروبي للمجتمع وأصوله المسيحية. ومن ضمن آليات التحكم في الهجرة ارتفاع عمليات الترحيل في صفوف المغاربة المقيمين بطريقة غير قانونية مقارنة مع باقي الجاليات الأخرى.
ثانيا، تهدف الدولة الإسبانية إلى التقليل من العلاقة بين الدولة المغربية وجاليتها في هذا البلد الأوروبي، إذ لا تريد أن تتحول هذه الجالية إلى طابور خامس وسط إسبانيا. ويعاني المغاربة من هذه الشبهات، حتى تفاقمت هذه التهمة سنة 2017، فإبان مطالب الحركة القومية في كتالونيا بالانفصال عن إسبانيا، جرى اتهام المغاربة المتجنسين بدعم الانفصال وبالتصويت على الأحزاب القومية في الانتخابات البلدية والإقليمية والوطنية.
