كيف يصبح أطفالنا قادرين علي مواجهة الحياة؟
كيف يصبح أطفالنا قادرين علي مواجهة الحياة؟
كيف ينعكس سلوكنا علي أطفالنا؟.. وكيف تؤثر مخاوفنا لتشكل شخصية الأبناء وسلوكهم وحياتهم؟
كثير من الأطفال يشبون منطوين علي أنفسهم, خجلين, يعتمدون اعتمادا كاملا علي والديهم, يلتصقون بهم, لا يعرفون كيف يواجهون الحياة منفردين, وتظهر كل هذه العيوب واضحة حينما يبلغ الطفل سن دخول المدرسة, السن التي يجب فيها أن يتصرف مستقلا, وأن يواجه الحياة خارج البيت والأشياء التي لم يتعودها, ومن المفروض عندما يصل إلي هذه السن, أن يكون قد تهيأ نفسيا لأن يكون مستقلا ومستعدا لمواجهة المواقف المختلفة.
ولكن الذي يحدث أن تجد الأم نفسها أمام طفل خجول, خائف متردد, ملتصق بها, ويتمسك بطرف ثوبها, ويعجز تماما عن أن يتخذ أي موقف إيجابي في حياته الجديدة.
ولنبحث معا عن الأسباب التي تؤدي بالأطفال إلي الانطواء والخجل والاعتماد علي الآخرين وعدم القدرة علي الإجابة عن الأسئلة أو الاستفسار من المدرسة عن الأشياء الغامضة.
إن الأب الذي يسلك سلوكا خشنا عدوانيا في البيت مع الزوجة والأولاد, يسبب مخاوف غامضة للطفل, ويشعره بأن من واجبه أن يكون مستعدا للدفاع عن نفسه ضد العنف والعدوان والخشونة, لأن العراك المستمر بين الأب والأم يشعر الطفل بعدم الأمان ويخيفه من العناصر العدوانية التي تكمن داخل طبيعته.
ويتأثر الطفل بمخاوف الأم وقلقها الزائدة, فيجعله يخشي أن يخوض التجارب الجديدة.. إن الأم تحب طفلها وهو أثمن ما لديها, ولذلك تشعر بأن عليها أن تحميه وتقلق عليه, ومن الطبيعي أن تفعل كل أم ذلك, ولكن الحماية والقلق الزائد يجعلانها تشعر بأن طفلها سوف يتعرض للأذي في كل لحظة, إذا ارتفعت درجة حرارته درجة واحدة أسرعت به إلي الطبيب, وإذا بدأت نسمات رطبة تظهر في الجو أثقلت الطفل بالملابس الثقيلة, وكل مرة تعبر به الطريق تشعره بأن عبور الطريق إلي الرصيف المقابل معجزة من المعجزات, وبدون أن تقصد تملأ الطفل بشعور أن هناك مئات الأشياء غير المرئية التي يمتلئ بها العالم والتي تشكل خطرا عليه.
إن الطفل الذي يتلقي حماية أكثر من اللازم, يشعر بتوتر داخلي مستمر لو فعلت كذا سوف يصيبك الصداع.. احذر لئلا تسقط فتصاب بالأذي.. إن مثل هذا الطفل يشعر بأن المكان الوحيد الذي يشعر فيه بالأمان هو إلي جوار أمه.. إن مثل هذا الطفل يشعر بالخوف ولا يستطيع أن يعبر الطريق بمفرده أو يستمتع بالسباحة في البحر أو الجري أو اللعب, إنه يتوقع في كل لحظة أن يصاب بأذي.
ولكن لا يتحول الطفل إلي الاعتماد علي والديه اعتمادا كليا, يجب أن تقوم الأم -قبل كل شيء- بإخفاء قلقها الزائد ولهفتها علي طفلها, فإذا وقع الطفل علي الأرض يمكنها أن تداري لهفتها لحظات فلا تسرع إلي الطفل إلا إذا كان قد أصيب أو جرح, وتعطيه الفرصة ليقف بنفسه وينظف ملابسه ويكمل لعبته.. إن الأم الحكيمة تسمح لطفلها بأن يلعب كرة القدم بالرغم من أنها تعرف أن ذلك يعرضه لبعض المتاعب, وتتركه يركب الدراجة, بالرغم من أنها تعرف أنه ربما يسقط وتجرح ركبتاه.. إنها بهدوئها وثقتها تنقل إلي الطفل الهدوء والثقة في النفس.
ومن الضروري ألا يسمح الآباء والأمهات للأطفال باتباع الطريق السهل أو الهروب من المشاكل والمواقف الصعبة.. تستطيع الأم أن توافق طفلها علي الهروب من موقف ما أو سلوك أسهل الطرق للوصول إلي الهدف, ولكنها بذلك تعوده علي الهروب وعدم القدرة علي تحدي الصعاب.
ويجب أن يعرف الآباء والأمهات أن لدي كل إنسان غريزة طبيعية يولد بها تدفعه إلي المحافظة علي نفسه وتجنب المخاطر.. إن الطفل يستطيع أن يحافظ علي نفسه أمام الخطر بغريزته الطبيعية التي تجعله يتمسك بالحياة.
إن الطفل الرضيع -وإلي سن ثلاث سنوات- يعتمد تماما علي أمه في حمايته والحفاظ علي حياته, وهو واجب علي الأم, ولكنه بعد هذه السن يمكن تعويده علي حماية نفسه دون أن تفرط الأم في إحاطته بحمايتها.. ويمكن تنمية اعتماد الطفل علي نفسه تدريجيا إذا لم تتبرع أمه بأن تقوم برعايته دائما وتؤدي عنه كل العمل.. إن الطفل في سن الخامسة أو السادسة يستطيع أن يسير وحده في الطريق, ويستطيع أن يعبر الشارع, ويحيي أصدقاءه في ثقة واعتزاز بنفسه, وكلها صفات تحتاج إليا الأم أشد الحاجة وطفلها يستعد لدخول المدرسة لأول مرة في حياته.