أسماء المدير تعود "بطريقة سلسة" لـ"ثورة الخبز" المغربية في "كذب أبيض"


إعلان

عُرض "كذب أبيض" الأربعاء للمخرجة المغربية أسماء المدير ضمن مسابقة "نظرة ما" في ، ليسدل الستار على المشاركة المغربية المهمة في مهرجان كان السينمائي، في انتظار ظهور نتائج المسابقات ومعرفة إن كان هذا الحضور المغربي المتميز، سيتوج بجوائز في هذه التظاهرة الفنية العالمية.

وعلى غرار "كذب أبيض"، تشارك المملكة في مسابقة "نظرة ما" أيضا بـ"العصابات" للمخرج كمال الأزرق، كما يمثلها في "نصف شهر المخرجين" فوزي بن السعيدي بفيلمه "الثلث الخالي"، وفي مدارس السينما تنافس المخرجة زينب واكريم بـ"أيور" أي القمر بالأمازيغية.

كما حصد "أزرق القفطان" ثلاث جوائز في مسابقة "جوائز النقاد" لمركز السينما العربية، المقامة على هامش المهرجان، وعادت لكل من مريم التوزاني ونبيل عيوش عن أحسن سيناريو، وللبولندي فيرجيني سورج عن أحسن تصوير، وللبنى أزابال عن أحسن ممثلة.

وإن اختلفا في قصصهما، تقاطع فوزي بن السعيدي وكمال الأزرق في نقطة الفقر والهشاشة في عمليهما. فالأول في "الثلث الخالي"، خرج إلى القرى لينقل بعين سينمائية، حضرت فيها شاعرية المخرج في عدة مشاهد، الأوضاع الصعبة التي يعيشها سكانها، والمحن المادية التي يمر بها البعض منهم مع الديون التي يعجزون عن تسديدها.

وفي "العصابات"، يقوم المخرج كمال الأزرق بعرض قصة والد وابنه في محاولاتهم المتكررة للتخلص من جثة، في محيط تغيب فيه القيم، وتطغى الحاجة إلى المال حتى أن هناك من هو مستعد لأن يقوم بأي شيء للحصول عليه، وهو وضع يستفيد منه مجرمون لهم سوابق وتاريخ في تجاوز القوانين، البعض منهم مطلوبون من القضاء. والفيلم مؤثث بالكثير من لحظات التشويق، تغري بالمتابعة حتى نهاية الفيلم.

 وانتظر جمهور كان كثيرا عرض "كذب أبيض" للمخرجة أسماء المدير، بحكم أن تجربتها تثير انتباه النقاد في السنوات الأخيرة. وتنبأ لها البعض بمستقبل واعد في سماء الفن السابع في المملكة وخارجها. ويبدو أنها لم تخيب الانتظارات. وحمل الفيلم، الذي عرض الأربعاء، مفاجآت على مستوى الشكل والمضمون أيضا.

 

حضور فريق "كذب أبيض" في مهرجان كان

 

انتفاضة 1981

يعود الفيلم إلى جزء مما يعرف في المغرب بـ"سنوات الجمر والرصاص"، وتحديدا إلى انتفاضة الدار البيضاء في 1981 أو "ثورة الخبز" ضد رفع أسعار المواد الأساسية وغلاء المعيشة، والتي قتل فيها مئات المغاربة سواء خنقا جراء الاكتظاظ في المعتقلات أو رميا بالرصاص إثر تدخل القوات المغربية ضد المتظاهرين.

"مرحلة مجهولة بالنسبة لي، وصراحة لا أعرف عنها أي شيء، اكتشفتها اليوم عن طريق الفيلم"، يقول باسكال الذي جاء لمشاهدة لفيلم بعد انتهاء العرض قبل أن يضيف: "هذه الأمور لم يُتحدث عنها في فرنسا. المغرب قدم عادة هنا بأنه بلد جميل وبلد الاستقرار، سأبحث أكثر للاطلاع على هذه الأحداث".

وأشاد باسكال بالطريقة التي اعتمدتها المخرجة في معالجة القضية. "كانت ذكية في الاختيار، ولربما هذا أعفاها من عيون الرقابة وأعفى المشاهد أيضا من رؤية مشاهد عنيفة كثيرا. فنحن أمام مرحلة كان فيها، حسب الفيلم، قمع كبير، كما قد يكون خفف عنها أعباء إنفاق أموال كبيرة في العمل، لأنها مشاهد تحتاج لإمكانيات مادية ضخمة".

"شهداء ثورة الخبز"

يبدأ الفيلم بالأجواء الاحتفالية التي تسود في ليلة القدر بالمغرب، وتخصص للأطفال  فيها طقوس من البهجة. فالبنات يركبن على ما يعرف بـ"العمارية" التي تحمل عليها العروس في حفلات الزفاف، والأولاد يركبون الخيول، لكن الفتيات اللواتي لا يملكن آباؤهن الإمكانيات لأجل ذلك، يكتفين بصنع العرائس والمجسمات في بيوتهن بمساعدة أسرهن.

وهذا كان حال بطلة الفيلم المخرجة نفسها أسماء المدير. لكنها تعود، في لحظة من اللحظات، لهذه المجسمات، لتحفر، بلمسة إبداعية، في الذاكرة الجماعية الأليمة للمغاربة، وتحكي للجمهور عبرها انتفاضة 1981 التي قتل فيها العشرات حسب السلطات والمئات حسب المعارضة، نعتهم وزير الداخلية، حينها، إدريس البصري الذي كان يعتبر "الرجل القوي" في عهد الراحل الحسن الثاني، بتهكم بـ"شهداء كوميرا". و"الكوميرة" تطلق على الخبز الفرنسي المعروف "لباكيط".

وبأسلوب متميز، رسمت سينمائيا مرحلة سوداء من تاريخ المغرب الحديث. وهذا النبش الطفولي في الذاكرة، ساهم فيه الوالد من البداية حتى النهاية، الذي كان حضوره يعني الشيء الكثير، ويجسد تلك الخصوصية الموجودة في علاقة الابنة مع الأب، إضافة إلى جدتها التي تراقب كل شيء كـ"المخزن"، المفهوم السلطوي والتقليدي للسلطة في المملكة.

 

الملصق الرسمي لفيلم "كذب أبيض" © ألوسيني

 

ويظهر الفيلم تعطش عائلات الضحايا لمعرفة مصير أبنائها. فـ"المقابر حفرت والحقيقة طمست" وغيرها من الشعارات التي كانت ترفع، للمطالبة بمعرفة ما حصل. كل ذلك على إيقاع "ناس الغيوان" إحدى المجموعات الغنائية الملتزمة التي كانت تعد وقتها لسان حال شعب مقهور، ودون أن يوجه الفيلم المسؤولية لهذه الجهة أو تلك، فيما كانت الجدة تحرص على بقاء صورة ملك البلاد حينها الحسن الثاني معلقة في البيت، وكثيرا ما تقوم بتقبيلها.

وكان المغرب فتح هذا الجرح العميق في الذاكرة الجماعية للبلاد في 2016 عبر "هيئة الإنصاف والمصالحة"، وخصص لضحايا هذه الأحداث مقبرة رسمية في إطار وصايا نفس الهيئة، التي شددت على حفظ ذاكرة الاعتقال والقمع والتضييق على الحريات لضمان عدم تكرارها.

المزيد حول هذا الفيلم في مقابلة مع المخرجة أسماء المدير:

كيف كان شعورك وأنت تتلقين خبر اختيار فيلمك للمشاركة في مهرجان كان؟

صراحة، هو خبر ينتظره أي مخرج في العالم. الخبر الذي يجعلك تقفز فرحا في البيت. كان أحسن خبر سمعته في حياتي.

كان نجاح بالنسبة إليك؟

نعم...معركة السينما شرسة. كل المخرجين ينتظرون أن يكونوا ممثلين بأفلامهم في إحدى المهرجانات العالمية سواء هنا في كان أو غيرها، بحكم أنها تفتح أمامهم أبوابا كبيرة. لكن أنا كمغربية مهرجان كان هو الأقرب إلي.

كيف جاء اختيارك موضوع أحداث 1981 التي تعرف بـ"ثورة الخبز"؟

أنا لم أختر الموضوع. أنا اخترت شخصيات وهي التي تحدثت عن نفسها.

هل هناك علاقة شخصية بين أسماء المدير وأسرتها بهذا الموضوع؟ وهل فقدت أحد أفراد عائلتك في هذه الأحداث؟

لا...لم أفقد أي أحد من أسرتي في هذه الأحداث، لكن والدتي كانت في ذلك اليوم خارج البيت. وعلاقتي بهذه الأحداث هي علاقة هوية، علاقة حي، جيران...نحن تصالحنا مع ماضينا كجيل جديد. جيل محمد السادس نصره الله. جيل آخر له حرية التعبير في حدود الفن.

أردت أن توثقي هذه الأحداث سينمائيا؟

نعم، وهذا العمل أخذ مني عشر سنوات لأخلق أرشيفي الخاص. لأستخدمه في ما أسميه بمختبري الخاص. سردت فيه الأحداث بطريقة مختلفة، وفق رؤيتي أنا. هو عمل يمكن أن نسميه وثائقي أو خيالي، يمكن أن نجمع بين الاثنين. لكن في الأخير هو فيلم.

هل لم تواجهك أي رقابة في إخراج الفيلم؟

صراحة، لم أجد أي عرقلة، لأننا نحن جيل جديد، جيل التسعينات. أثق أن المغرب تصالح مع ماضيه كيفما كان نوعه. نحن لا نخفي أنه لدينا ماض. من ليس له ذاكرة لا يتحدث عن المستقبل. نحن كجيل علينا ترميم ما تم مسحه في هذه الذاكرة. ونحن لدينا هذه القوة الآن. هناك مجال من الحرية والديمقراطية وحرية التعبير. نحن لسنا إيران.

بمعنى أن المخرج بإمكانه أن يخوض في أي موضوع دون خوف من الرقابة؟

يجب أن يكون قويا بأدواته ليصل إلى أن يجد لنفسه فسحة فنية، يضع فيها شخصياته. يأخذ المشاهد من البداية حتى النهاية في قصة سلسة. بصراحة، كل الطرق المباشرة لا تعني لي شيء.

يمكن أن يقرأ استخدامك للمجسمات الخشبية والعرائس على أنه محاولة لتجاوز الرقابة وعدم صدمها وصدم الجمهور معها؟

أنا أعتقد أن السلطات الوصية غير مصدومة. وأمس الجهة الوصية على القطاع ممثلة في المركز السينمائي المغربي كانت حاضرة، بممثلة بالخزانة السينمائية ولجنة الدعم والمخرج الكبير نبيل عيوش، الكل صفق مع الجمهور. وأحسوا بأننا بصدد بناء مغرب جديد. مغرب يقول: نحن لا نخجل من ماضينا، كما جميع الدول، نحن كما الشيلي، والكامبودج، وفرنسا وبريطاينا...نحن لدينا ماضي وكل هذه البلدان الأوروبية وغير الأوروبية كان لها ماضي. أبيض أم أسود، يبقى ماضيها. نحن نعود إلى هذا الماضي بطريقة سلسة، نحكي عنه، ونقول إننا تصالحنا معه. عندما نخفي الأشياء يعني أن هناك مشكلة...من الأحسن قول الحقيقة. الحقيقة تصدم، لكن لما نعرفها نقبلها ونعيش معها ونمر إلى أشياء جديدة. وهذا ما حصل في الفيلم.

هل ستواصلين الخوض في القضايا السياسية سينمائيا؟

أنا لا أختار أفكاري وإنما أختار شخصياتي...ما يعنيني هو أن أتوافق معها. أعتقد أن أجمل طريقة للخوض في السياسة هو الحفر في ذواتنا. لأفهم ما يدور حولي. أنا لم أعايش أحداث ثورة الخبز. كنت أريد أن أشاهد شيئا حتى أطفئ هذه الرغبة بداخلي. أمي كانت تحكي أن رصاصة مرت أمامها في ذلك اليوم. أنا علمت بوجود هذه الأحداث بعد أن شاهدت ريبورتاجا على القناة الثانية في 2016 حول إحداث مقبرة لشهداء ثورة الخبز. في تلك اللحظة، فهمت أنه وقعت أحداث في ذلك المكان الذي كنت ألعب فيه كل اليوم. والملك محمد السادس نصره كان وقتها خلق هيئة الإنصاف والمصالحة للتصالح مع الماضي.

يحضر المغرب بقوة في المهرجان. هل برأيك السينما المغربية بخير؟

تبتسم...نحن بخير. وإذا كان المخرجون المغاربة بخير يعني أن السينما المغربية هي كذلك. لأنهم يمثلون السينما المغربية. حققنا نجاحا هذا العام. ثلاثة أفلام في مسابقات كبرى وفيلم قصير، ومخرجة مغربية في لجنة تحكيم المسابقة الرسمية. لقد حققنا رقما قياسيا في مشاركتنا بمهرجان كان. هذه السنة هي سنة "سير...سير...سير" في كل شيء، في الكرة، في السينما، ونواصل متابعة الركراكي.

المخرج والممثل والممثلة الذين تتمنين العمل معهم يوما في عمل مشترك؟

صراحة يعجبني أداء الممثلة الفلسطينية هيام عباس، وأتمنى أن أشتغل يوما مع الممثلة المغربية راوية، وبالنسبة للمخرجين أفضلهم لي هو المخرج التركي نوري.

إشارة: "سير سير...هو شعار انتشر خلال المونديال كان الجمهور المغربي يردده لتشجيع فريقه"

© استوديو غرافيك فرانس ميديا موند

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

تاريخ الخبر: 2023-05-25 21:16:17
المصدر: فرانس 24 - فرنسا
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 93%
الأهمية: 95%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية