يفوق بعضها ما يتقضاه رئيس الحكومة والوزراء.. أضواء على تعويضات خيالية لأعضاء مجالس دستورية


 

الحسن أيت بيهي

 

ونحن نطالع التعويضات التي يتقاضها بعض أعضاء المجالس والهيئات والمؤسسات الدستورية الواردة في دستور 2011، تهنا في الأرقام المتعددة التي يتم تقاضيها من طرفهم داخل نفس الهيئة بحسب المهام التي يقومون بها، وكأن التعويض الجزافي الشهري لعدد منهم مجرد هبة أو منحة لا تدخل في صميم العمل الذي من المفروض أن يقوموا به. لسنا بصدد محاسبة هذه الهيئات أو المنتسبين إليها، لكنه بحث وتنقيب وتمحيص في القوانين والمراسيم التي نصت على هذه التعويضات وتقديم طبيعة المهام التي تقوم بها هذه المجالس والتعويضات المخولة للأعضاء. والقاسم المشترك هو غياب تعويضات الرؤساء باستثناء رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري التي كان الظهير الملكي واضحا في تحديدها، فيما تفضل مراسيم الحكومة إبقاء تعويضات البقية سرا من أسرار الدولة قد لا يعرفه حتى أعضاء هذه الهيئات أو المجالس نفسها، لكن في النهاية هي ملايير من المال العام لابد أن توضع تحت المجهر.

 

 

«هذه التعويضات مبالغ فيها، وبصراحة هي تبذير للمال العام وفي أبهى صوره، وريع وربما هي إسكات لأصوات مزعجة داخل تنظيمات بعض من يتم ترشيحهم للانتساب إليها». هكذا كان مواطن يتحدث مع أصدقائه في إحدى مقاهي مدينة سلا قبل أيام بعد أن وصلته رسالة على «الواتس أب» تشير إلى تعويضات أعضاء الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها التي صدرت يوم 20 أبريل الماضي بالجريدة الرسمية. يرد عليه صديقه الذي كان يحتسي معه كأس قهوة قائلا بأن «هاد الشي كيضر فالقلب»، فيما تدخل ثالث في النقاش ليؤكد أن هذه التعويضات ما هي إلا انعكاس للواقع المغربي حيث يسعى كل شخص إلى الاستناد على ما أسماه «ركيزة» صحيحة تضمن له مدخولا قارا لمدة معينة ووفق طموحاته الشخصية، فيما تساءل رابع عن دور الجمعيات التي تحارب الريع وتدعو إلى حماية المال العام. يمتد النقاش ويطول حول الموضوع، وتطفو على السطح ضرورة البحث فيه وتتبع مسار إنشاء عدد من المؤسسات التي نص عليها دستور 2011 والتي جاءت في إطار ما يسمى بمؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية كما تم التنصيص عليها ابتداء من الفصل 161 وما بعده، وأيضا في بعض المؤسسات التي أفردت لها أبوابا وفصولا خاصة قبل هذه الفصول، علما أننا لسنا بصدد الحديث عن مؤسسات دستورية تلعب أدوارها ويتم تعيين المنتمين إليها من طرف جلالة الملك مباشرة لأهميتها، مثل المجلس الدستوري أو المحكمة الدستورية أو المجلس الأعلى للسلطة القضائية. لكننا هنا بصدد الحديث حول مجالس ومؤسسات وهيئات تم التنصيص عليها، لكن مسار التعيينات التي عرفتها يبدو أنه يحيد عن الطريق المرسوم له والمحدد في إطار مشاريع قوانين ومراسيم تنفيذية تم نشرها في الجريدة الرسمية، بعد أن أصبحت مجرد مؤسسات تضمن التعويضات السمينة للمنتسبين إليها. تعويضات تصل أحيانا إلى رواتب الوزراء وتفوق ما يتقاضاه أعضاء البرلمان مثل تلك التي نص عليها مرسوم تعويضات الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها والهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، والتي تفوق 62 ألف درهم لكل عضو، أو تلك التي يتقاضاها أعضاء في بعض المجالس مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان ورؤساء اللجان الجهوية به وأعضاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بل وحتى بعض اللجان مثل لجنة الحق في المعلومات.

 

تعويضات ومصالح

 

النبش في المراسيم والقوانين المؤسسة لهذه الهيئات والمجالس والمؤسسات يقودنا إلى خلاصة واحدة تتمثل في أنه وبغض النظر عن رؤسائها الذين يتم تعيينهم من طرف جلالة الملك ولا تعلن هذه المراسيم عن طبيعة التعويضات التي يتقاضونها، إلا أن أغلب من يتم تعيينهم ومنحهم هذه التعويضات تجمعهم علاقات مع الجهات التي تقترحهم والتي لا تخرج في أغلبها عن رئيس الحكومة، ورئيسي البرلمان، فضلا عن تعدد تمثيليات بعض المجالس في مجالس وهيئات أخرى، بل أكثر من ذلك فإن مراسيم التعويضات تعدد طبيعة التعويضات التي يتم الحصول عليها من طرف هؤلاء الأعضاء والتي غالبا ما تكون موحدة وكأنها كتبت بقلم حبر واحد (تعويضات حضور الاجتماعات، تعويضات التنقل داخل وخارج أرض الوطن، تعويضات كتابة التقارير، تعويضات الدراسات…) وذلك في إطار زيادة تضخيمها، ما يجعل من الصعوبة معرفة حجم التعويضات التي يتم تلقيها شهريا من طرف كل عضو، لكن التعويضات الجزافية تكون موحدة ولو تم ربط بعضها بحضور اجتماعات الهيئات التي ينتسبون إليها، وهو ما يتم في غالب الأحيان رغبة في عدم تضييع فرصة الحصول عليها.

 

استثناء لا يلغي القاعدة

 

قد يكون الاستثناء الوحيد الذي توقفنا عنده ونحن نبحث في هذا الأمر، هو الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري التي نص ظهير تعيين أعضائها على تعويضاتهم التي توازي راتب الوزير بالنسبة للرئيس وراتب البرلماني بالنسبة لباقي الأعضاء مع ضرورة تصريحهم بممتلكاتهم قبل مباشرة مهامهم، وأيضا مؤسسة الوسيط التي يمكن اعتبارها امتدادا للإدارة المغربية بحكم أنها لا تضم أي أعضاء معينين باستثناء رئيسيها وأيضا مجلس الجالية المغربية بالخارج الذي له ميزانية خاصة لتدبير عمله الإداري بحكم أن أعضاء المجلس كلهم ممثلون لوزارات وهيئات عمومية.

 

طريق للتسلق الاجتماعي؟

 

من المؤكد أن حجم التعويضات التي يتم تقاضيها من طرف المئات من الأعضاء المنتسبين لهذه المؤسسات يغري بعض النخب للتنافس على الرغم من أن العديدين قد لا تتوفر لديهم المؤهلات والبروفايلات المناسبة. وفضلا عن التعويضات، فإن هذه المجالس تعتبر عند البعض فرصة لتوظيف الأقارب و»الحواريين» داخل دواليب مكاتبها، فغالبا ما لا يتم الإعلان عن بعض الوظائف وحتى إذا ما تم الإعلان عنها فإنها تكون على المقاس ورغبة فقط في احترام المقرر المنظم لبعض مباريات التوظيف. بل إن بعض المجالس أو المؤسسات عند تكوينها تنزع إلى تعيين فريقها الإداري حتى قبل الحصول على مقر، وهذا الأخير بدوره يتم اختياره في أرقى الأحياء، بدليل أن أغلب هذه المؤسسات توجد مقراتها في الرباط وأحيائه الراقية (أكدال، حي الرياض والسويسي) ما يكلف نفقات مالية إضافية من أجل كراء هذه المقرات أو بنائها (حالة مقر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي مثلا بحي الرياض) إلى جانب مصاريف التسيير الباذخة أحيانا. لتبقى التساؤلات حول ما حققته هذه المجالس التي خرجت إلى الوجود ـ بالمقارنة مع كلفتها ـ وما قد تحققه مجالس أخرى وردت في دستور 2011 ولم تر النور بعد وعلى رأسها هيئة المناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز التي تستند على المادة 19 و164 من الدستور في إنشائها، والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة المنصوص عليه في الفصل 169 والذي هو موضوع مشروع القانون رقم 78.14 المتعلق بالمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة والذي لا زال يراوح مكانه، وأيضا المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي حسب منطوق الفصل 170 من الدستور والذي تمت المصادقة على قانون إحداثه الذي يحمل رقم 89-15 محددا أدوار هذا المجلس ووظائفه، لكن التناحر القائم بين الجمعيات والمنظمات الشبابية حول التعيين أجل هذا الأمر إلى أجل غير مسمى. ما يعني الاستمرار في التعامل بالمنطق المصلحي وليس بمنطق فلسفة النشأة ومقاصد الدستور ومصلحة المواطنين، أو كحل للمشاكل المادية لبعض المنتسبين لهذه الهيئات.

 

تاريخ الخبر: 2023-05-28 21:19:31
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 65%
الأهمية: 85%

آخر الأخبار حول العالم

صباح الخير يا مصر..

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-04-27 09:21:41
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 63%

وطنى

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-04-27 09:21:40
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية