لقيت نازحة عشرينية مصرعها الأسبوع الحالي، غرقا في مدينة مدني بولاية الجزيرة وسط السودان، أثناء غسل ملابسها في مياه النيل الأزرق الذي يشق المدينة.
التغيير: ود مدني: عبدالله برير
تعود تفاصيل الحادثة إلى خروج النازحة من مركز إيواء مدرسة الحي الغربي بمنطقة عووضة إلى نهر النيل الأزرق لغسل ملابسها نسبة لعدم توفر الماء في الدار.
وخرجت الفتاة رفقة اثنتين أخريات من أقربائها ليجرفها تيار الماء القوي، فيما لم يتمكن الموجودون في الشاطيء وقتذاك من إنقاذها.
في وقت استطاعوا إخراج الشابتين اللتان كانتا ترافقانها بعد أن شارفتا على الغرق، حيث تم انتشالهما ونقلها لليابسة بواسطة مركبين بعد تقديم الاسعافات اللازمة.
وابتلعت المياه الشابة العشرينية وظل ذووها في انتظار جثمانها الذي لم يطف إلا عصر الإثنين، قبالة شارع النيل بود مدني.
وهرعت الشرطة لانتشال الجثمان وإيصاله للمشرحة لمعرفة أسباب الوفاة والتي تبين أنها حدثت في ظروف طبيعية، ليُسلم الجثمان إلى اهل الغريقة.
وبحسب حديث أهل المتوفاة للمشرفين تبين أنها قدمت لمدني من الخرطوم بعد تعرض شقيقاتها للاغتصاب، لتلجأ لهذه الدار التي لقيت فيه حتفها باحثة عن الماء.
معسكر كارثي
وفي جولة لـ (التغيير) بمركز الإيواء يلاحظ التواجد الكبير للنازحين الذين يصل عددهم إلى 1003 فردا بينهم 85 طفلا من عمر 6 أشهر إلى 5 سنوات، حسب إحصائيات المشرفين.
ويضم الدار نازحين سودانيين تنحدر أصولهم من منطقة أبيي وكانوا يقطنون في مناطق متفرقة من العاصمة الخرطوم.
ولا يحتوي المركز علي أية أسِرة ويقضي الجميع ساعات الليل والنهار تحت الأشجار على المفارش قليلة العدد والبعض الآخر على الأرض.
وحال هطول الامطار يهرع الجميع الي الفصول الدراسية التي لا تكفي العدد الكبير مما يضطرهم للنوم واقفين حتى نهاية الأمطار في وقت تحمل فيه السيدات والصبية الأطفال في ايديهم وقوفا لساعات.
وبحسب حديث المشرفين فإن الدعم المقدم لهم شحيح ولا يكفي العدد الهائل حيث تقدم وجبة واحدة فقط خلال اليوم.
معاناة وانتظار
وفي حديثها لـ (التغيير) كشفت النازحة جادينق ميوم (نانا) أنها قدمت لمدني من منطقة الأزهري جنوب الخرطوم بعد 10 أيام من بدء الاشتباكات.
وقالت إنها شاهدت الموت رفقة أسرتها وأطفالها مع أصوات الطائرات والمدافع ومناظر الجثث المتناثرة.
وأضافت: “عشنا في رعب شديد ورفض أطفالنا الطعام وكنا نقضي معظم أوقات اليوم تحت الأسرِّة”.
وتابعت: “في بداية الأمر كان ثمن تذكرة المواصلات لمدني باهظا واضطررنا للانتظار حتى تنخفض الأسعار لأننا لا نملك المال الكافي خاصة وأننا أسرة كبيرة ممتدة وتركنا بعض الافراد هناك وفقدنا الاتصال بآخرين”.
ظروف قاسية
ونبهت” نانا” إلى أنها مكثت مع شقيقتها في ود مدني بعد وصولوها ووجدت أن ظروفها لا تسمح ببقاءها معها لتنضم لدار الإيواء.
وأردفت مضيفة أن الدار ظروفها سيئة لكنها ليست بأسوأ من مكان الحرب، وقالت:” لا نجد أماكن للنوم وأحيانا ننام واقفين ليلا وخلال النهار نفترش ملاءة مع شح الظل المتوفر بسبب الازدحام وتسابق الجميع”.
وفيما يخص الوجبات قالت: “تقدم وجبة واحدة خلال اليوم ولا تكفي العدد الكبير واحيانا لا يجد البعض طعاما ومن يحصل عليه فإنه لا يسد رمقه”.
