حرب «السيليكون المجهري» واردة


"سنواصل العمل على استعادة الصدارة في صناعة أشباه الموصلات"

جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة

قبل أيام، حرص الرئيس الأمريكي جون بايدن، في أكثر من مناسبة على ترديد تصريحات هادئة حول الخلافات الراهنة بين بلاده والصين. بما في ذلك تلك التي أشار فيها إلى إمكانية التوصل إلى تفاهمات حول القضايا الخلافية. وقال حرفيا "إن الخلافات مع بكين قد تذوب قريبا. ويبدو واضحا أن البيت الأبيض ليس متعجلا لمواجهة واسعة مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم. لكن هناك مسائل تبقى ساخنة لا يمكن لتصريحات دبلوماسية تبريدها، أو التقليل من إمكانية تحولها إلى مواجهات حقيقية ترقى لتوصيف حرب. وفي مقدمتها ساحة أشباه الموصلات "أو الرقائق الإلكترونية" التي تشهد اليوم تأزما، في الوقت الذي يرتفع الطلب العالمي ككل عليها. فهذه القطع الصغيرة تمثل حجر الزاوية في أغلب الصناعات.

المسألة خطيرة وتدخل ضمن الأمن القومي لأي بلد يعتمد على التصنيع والتصدير، كما أنها ليست سهلة الحل، لتشابكها وتعقيداتها سواء من الجوانب التصنيعية أو اللوجستية أو من جهة المواد الأولية والساحات التي تنتجها. هذه المشكلة ليست جديدة، بل ظهرت قبل عقد من الزمن، إلا أنها تفاعلت في الأعوام القليلة الماضية، ودخلت ضمن إطار الحرب التجارية المستعرة منذ أعوام أيضا بين واشنطن وبكين. ففي عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، وصلت هذه الحرب إلى حدود القطيعة شبه الكاملة بين الطرفين، ولم تتوقف بعد خروج الأخير من البيت الأبيض، بل استمرت وإن بوتيرة أقل في عهد بايدن. هذا الاستمرار الذي صدم حقا حكومة الرئيس شي جين بينج، التي كانت تعول على إدارة الديمقراطيين في حل المشكلات العالقة، والتخفيف من آثارها، ليس فقط على الطرفين، بل على الاقتصاد العالمي ككل.

المواجهة الأمريكية - الصينية في ميدان "الرقائق" تعد الأكثر وضوحا، ولا سيما مع تراجع قدرة الولايات المتحدة في إنتاجها، بعد اعتماد مؤسسات البلاد المختلفة على الواردات منها، لسبب أساس واحد هو قلة تكاليفها. وبحسب الجهات المختصة، فإن قيمة هذه الصناعة تبلغ أكثر من 580 مليار دولار على المستوى العالمي. لكن في الواقع قيمتها الفعلية تتعدى حجم الأموال. فهي تدخل في كل شيء تقريبا، بما في ذلك المعدات العسكرية المختلفة، إلى درجة أنها تدعم البضائع والسلع والعمليات بعدة تريليونات من الدولارات. أي إنها محورية في الصناعة والإنتاج، ومن هنا ينظر إليها كأداة داعمة للأمن القومي هنا وهناك، خصوصا في بلدان تشكل الصناعات فيها الرافد الأهم لاقتصاداتها.

تأتي مجموعة جزر تايوان في قلب الحرب الممكنة على صعيد "الرقائق". لماذا؟ لأنها تستحوذ على ما يقرب من 90 في المائة من هذه الصناعة. وهي تتصدر المشهد منذ عقود، وكانت الأمور تمضي بسهولة وسلاسة، إلا أن تفاقم الخلاف حول هذه الجزر بين بكين وواشنطن، رفع من المخاطر حول الإمدادات الاستراتيجية هذه. فكثير من المراقبين يعتقدون أن هذه الجزر ربما ستكون الساحة الأوسع لصراع عالمي قد يحدث إذا لم يتوصل الطرفان الأهم فيها الصين والولايات المتحدة إلى تفاهمات ما. الخوف الأكبر أن تقوم بكين حقا بضم تايوان إليها، ولا يتردد بعض المسؤولين الأمريكيين في القول إن هذا ربما يحدث في العقد المقبل. وهذا يعني أنه يجب على الآلة التصنيعية الأمريكية ومعها الغربية أن تتحرك بسرعة أكبر لتأمين الإنتاج الملائم لها من "الرقائق".

الحكومة الصينية نفسها تعرف أن بلادها ليست مكتفية "ولن تكون على المدى المتوسط" بإمدادات "الرقائق"، وهذا ما يفسر ارتفاع عدد الشركات المصنعة في البر الصيني من 1300 عام 2011 إلى 22800 شركة عام 2020. غير أن هناك مشكلة تتعلق بأن الإنتاج الصيني لا يزال أقل جودة ودقة، لأنه يوفر رقائق أكبر حجما وأقل تطورا من الناحية الفنية. هذه الثغرة تسيطر عليها في الواقع الولايات المتحدة، ما يبرر قيادة إدارة جو بايدن أخيرا بفرض مجموعة من القيود بما في ذلك عدم وصول الجهات المصنعة الصينية إلى التكنولوجيا الأمريكية اللازمة في هذا المجال. وفي العام الماضي رفد البيت الأبيض هذه الصناعة على الساحة الأمريكية بنحو 50 مليار دولار، لتعزيز إنتاجها على المستوى المحلي.

من هنا يمكننا النظر إلى مؤشرات المواجهة على جبهة "السيليكون المجهري" أو الرقائق المتطورة بين أكبر اقتصادين في العالم. فرغم الجهود الصينية المتلاحقة، إلا أن بكين لا تستطيع تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي من الرقائق بحلول عام 2025 الذي وضعته كحد أقصى، كما أن الولايات المتحدة تحتاج إلى مزيد من الوقت كي تتمكن من تأمين إمدادات استراتيجية من هذه "الرقائق"، رغم أنها تمكنت من إقناع دول، مثل اليابان وهولندا وغيرهما، بتقييد تصدير التكنولوجيا اللازمة للصين في هذا المجال. الساحة باتت مفتوحة لحرب لا أحد يمكنه أن يتصور كيفية وقعها، خصوصا إذا ما خرجت الأمور عن السيطرة. فتايوان المورد الأهم لـ "الرقائق" تقبع في بؤرة مواجهة ستكون عالمية وليست أمريكية - صينية فقط.

* نقلاً عن صحيفة "الاقتصادية".

مادة اعلانية
تاريخ الخبر: 2023-06-13 12:19:04
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 91%
الأهمية: 86%

آخر الأخبار حول العالم

أول تعليق من نيشان بعد إعلان ياسمين عز حصولها على حكم ضده

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 09:21:57
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

مهمة غير مسبوقة.. الصين تغزو الجانب البعيد من القمر

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 09:21:54
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 53%

غادة عبد الرازق: ندمانة ولو رجع بيا الزمن مكنتش هخش التمثيل

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 09:21:59
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 67%

سعر صرف الدولار مقابل الجنيه اليوم

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 09:21:52
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 52%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية