ماذا بعد الزلزال السياسي في تايلاند؟


في منتصف مايو المنصرم كانت تايلاند على موعد مع انتخابات عامة طال انتظارها للتخلص من حكم العسكر بقيادة الجنرال «برايوت تشان أوتشا» الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري سنة 2014. لكن خلافًا لكل استطلاعات الرأي وتنبؤات المراقبين التي رجحت بقوة فوز حزب «بيوتاي» (تلفظ فيوتاي) المعارض ومرشحته لقيادة البلاد السيدة الكاريزمية «بايتونغتارن شيناواترا» ابنة رئيس الوزراء الأسبق المخلوع «تاكسين شيناواترا»، فإن الناخب التايلاندي، الذي خرج للتصويت بنسبة تجاوزت 75 %، وجه لطمة قوية لهذا الحزب المعارض وأيضًا لحزب «بالانغ براتشارات» وحزب «الأمة التايلاندية» اللذين يعتبران واجهة سياسية للسلطة العسكرية وانصارها، وذلك من خلال التصويت لحزب «إلى الأمام» الليبرالي الصغير بقيادة رجل الأعمال وخريج جامعة هارفارد العريقة «بيتا ليمجارونرات» (42 عامًا) المعروف بدعواته إلى أحداث إصلاحات سياسية جذرية في البلاد، بما في ذلك إلغاء قانون العيب في الذات الملكية المثير للجدل، وتقييد سلطات الملك وخصوصًا لجهة منعه من تأييد انقلابات المؤسسة العسكرية.

والمعروف أن تايلاند من الأنظمة الملكية الدستورية القليلة المتبقية في عالم اليوم، ناهيك عن أن ديمقراطيتها الدستورية شهدت منذ تدشينها عام 1932 تحديات كثيرة، إذ تعرّضت مرارًا وتكرارًا خلال العقود الماضية لانقلابات من المؤسسة العسكرية وأنصارها من القوى المحافظة، بل شاركت المؤسسة الملكية نفسها في أكثر من مرة في الترتيب لهذه الانقلابات أو دعمها.

مادة اعلانية

وهكذا، لا نبالغ لو وصفنا نتيجة انتخابات مايو 2023 بأنها زلزال سياسي كونها منحت التخويل الشعبي لحزب «إلى الأمام» الذي فاز بالمركز الأول بحصوله على 151 مقعدًا من أصل مقاعد مجلس النواب الخمسمائة، مقابل 141 مقعدًا لحزب فيوتاي، ناهيك عن كونها خذلت العسكر وأنصارهم فلم تمنح حزب «الأمة التايلاندية المدعوم من الجيش والقوى التقليدية المحافظة سوى 36 مقعدًا.

لكن هل تؤهل هذه النتيجة الفائز الأكبر لحكم البلاد والشروع في الإصلاحات المطلوبة؟

الإجابة الأولية «كلا». والسبب هو التعديلات الدستورية التي أحدثها العسكر في عام 2016، أي بعد وصولهم إلى الحكم بعامين، حيث نصت هذه التعديلات على أن المشاركين في الانتخابات العامة يسمح لهم بانتخاب 500 عضو لمجلس نواب مدته أربع سنوات (على أساس أن يصوتوا مرتين: مرة لاختبار ممثليهم المحليين المفضلين والأخرى لاختيار حزبهم السياسي المفضل). كما نصّت التعديلات على أن تكون 400 مقعد من مقاعد مجلس النواب محجوزة للفائزين من الدوائر الانتخابية، ومائة مقعد حزبي توزع عن طريق التمثيل النسبي. علاوة على ذلك، أنشأ العسكر مجلسًا للشيوخ من 250 مقعدًا تعيّن المؤسسة العسكرية أعضاءَه، وتكون لهم كلمة إلى جانب أعضاء مجلس النواب في اختيار رئيس الحكومة الجديد.

ومعنى هذا أنّ الأحزاب التي تفوز بأكثر من 25 مقعدًا يمكنها أن تقدّم مرشّحها لرئاسة الحكومة للتصويت على منحه الثقة في اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشيوخ بعد شهرين من ظهور النتائج. وعند تطبيق ما سبق على نتائج انتخابات الشهر الماضي، نجد أن حزب «إلى الأمام» يواجه وضعًا صعبًا ومعقدًا قد يبدّد أحلام زعيمه في استلام السلطة، بل قد يستغل الجيش هذا الوضع للاستمرار في الحكم. وبعبارة أخرى يحتاج حزب «إلى الأمام» لكي يحكم إلى ضمان تأييد أكثر من نصف أصوات مجلسي النواب والشيوخ في جلستهم المشتركة المقررة في الأسبوع الثاني من أغسطس القادم (أي 375 صوتًا). وهذا، بطبيعة الحال، صعب المنال حتى لو شكل «إلى الأمام» ائتلافًا مع أحزاب أخرى ممثلة في مجلس النواب مثل «فيو تاي»، الذي أبدى استعداده، هو وأربعة أحزاب أخرى صغيرة، لذلك بالفعل. فمثل هذا الائتلاف يمكن أن يمنحه تأييد نحو 60% من أصوات مجلس النواب، وهذا غير كافٍ لأنه بحاجة أيضًا للفوز بالكتلة التصويتية لمجلس الشيوخ المعين التي ستنضم إلى عملية التصويت في أغسطس القادم.

وبالرغم من وجود هذه العقبة الكأداء في طريق أحلامه، فإن «بيتا ليمجارونرات» يبدو متفائلاً بالزخم الشعبي الذي برز حوله وبيأس التايلانديين من حكم الجيش الذي لم يقمعهم في أكثر من مناسبة فحسب وإنما تسبب أيضًا في معاناتهم اقتصاديًا ومعيشيًا، بحسب أقولهم. ولعلّ أكثر ما يحبط الرجل هو فرضية أن يخذله شريكه الأقوى في الائتلاف ممثلا في حزب «فيوتاي» لاحقًا، إذا ما استلم رئاسة الحكومة المقبلة، خصوصًا في ظل وجود علاقات مضطربة سابقة وتباينات سياسية معروفة في الرؤى بين «فيوتاي» و«إلى الأمام». كما أنه يخشى من احتمال أن يدبّر له جنرالات الجيش مكيدة قضائية، بمعنى أن يطعنوا في أهليّته للحكم بقرار قضائي على خلفية مواقفه المعروفة من القوانين التي تحمي المؤسسة الملكية، خصوصًا وأن شيئًا من هذا القبيل حدث في عام 2020 لسلفه حزب «المستقبل إلى الأمام» الذي ولد حزب «إلى الأمام» من رحمه.

* نقلا عن "الأيام"

تاريخ الخبر: 2023-06-13 15:19:48
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 81%
الأهمية: 85%

آخر الأخبار حول العالم

طقس الخميس.. حرارة وهبوب رياح بهذه المناطق

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:09:08
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 74%

آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /16.05.2024/

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:06:55
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 89%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (١٦)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:21:33
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 59%

"رويترز": بريطانيا ستفرج عن بعض المجرمين بسبب اكتظاظ السجون

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:06:54
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 87%

10 دول أوروبية ترفض الحديث عن ضمانات أمنية لأوكرانيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:07:10
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 97%

روسيا.. الجندي الأمريكي المعتقل في فلاديفوستوك يعترف بجريمته

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:06:51
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 90%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية