ذكرى موكب 30 يونيو ووقف الحرب الكارثية


ذكرى موكب 30 يونيو ووقف الحرب الكارثية

تاج السر عثمان بابو

1

تمر الذكرى الرابعة لموكب 30 يونيو والبلاد تشهد الحرب الكارثية من أجل السلطة والثروة التي جاءت امتداداً لانقلاب 30 يونيو 1989، ومجزرة فض الاعتصام لتصفية الثورة، ومجازر دارفور وجنوبي النيل الأزرق وكردفان، ومجازر انقلاب 25 أكتوبر،

لقد كان موكب 30 يونيو 2019 سداً منيعاً ورداً حاسماً على المجزرة البشعة لفض الاعتصام، وكان من الممكن مواصلة الثورة حتى انتزاع الحكم المدني الديمقراطي، لكن التسوية التي فُرضت من المحاور الإقليمية والدولية على أساس الوثيقة الدستورية 2019، وتم التوقيع عليها بين العسكر وقوى الحرية والتغيير التي أفضت للإفلات من العقاب والشراكة مع العسكر، وتقنين الدعم السريع دستورياً قطعت الطريق أمام الثورة، وافضت الى الحرب الجارية حاليا، ومن المهم جدا عدم تكرار هذه التجربة، بعدم العودة للتسوية التي تتيح الافلات من العقاب، وإعادة الشراكة، كما في المحاولات حاليا في منبر جدة للعودة للاتفاق الإطارى الذي يعيد إنتاج الشراكة والحرب، ولا بديل للحكم المدني الديمقراطي.

2

يصادف ايضا ذكرى موكب 30 يونيو انقلاب الانقاذ المشؤوم في 30 يونيو 1989 الذي دبره الإسلامويون وجاء ضد نظام ديمقراطي منتخب، وبعد أن توصلت الحركة السياسية السودانية بعد حوار طويل وشاق مع الحركة الشعبية إلى اتفاق لحل مشكلة الجنوب “اتفاق الميرغني– قرنق” لوقف الحرب والسلام في إطار وحدة البلاد، وعقد المؤتمر الدستوري. لكن الانقلاب قطع الطريق أمام ذلك، واشعل نيران الحرب الجهادية في الجنوب التي أدت إلى استشهاد حوالي مليون ونزوح 4 مليون مواطن جنوبي، وكانت النتيجة النهائية كارثة فصل الجنوب. كما اتسعت الحرب لتشمل جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، ودارفور، مما أدى لأكبر مأساة انسانية. ومارس النظام أقصى درجات المراوغة في الحوار ونقض العهود والمواثيق، والاتفاقات مع الحركات والأحزاب، التي كانت يمكن أن تفضي لحلول لأزمة البلاد، مما أعاد إنتاج الحرب والأزمة بطريقة أعنف من السابق، وحتى الحرب الحالية بين الاسلامويين والدعم السريع الذي خرج من رحمهم.

كما صادر النظام الحقوق والحريات الأساسية، ومارس أبشع أساليب الاقصاء من تشريد حوالي 400 ألف من الخدمة المدنية والنظامية، واعتقال وتعذيب الالاف، وسار في سياسة التحرير الاقتصادي ورفع الدعم عن السلع الأساسية، والتعليم والصحة، والخصخصة وتشريد العاملين، مما أدى لافقار شعب السودان، ونهب ممتلكات الدولة: سكة حديد، نقل نهري، خطوط جوية وبحرية، ومؤسسات وشركات رابحة، وتم بيعها بأثمان بخسة لمحاسيب الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية. وتمت مصادرة حرية الأحزاب والعمل النقابي، وتزوير الانتخابات العامة والنقابية، وتكوين تنظيمات فوقية وقوات الجنجويد علي حساب الدولة، والتفريط في سيادة البلاد “احتلال حلايب– شلاتين– الفشقة. الخ”

وجد الانقلاب مقاومة كبيرة بدأت باضراب الأطباء في ديسمبر 1989، واضرابات العمال وانتفاضات الطلاب والمدن، والحركات المسلحة، ومقاومة المزارعين ومتضرري نهب الأراضي والسدود، وتأجير الموانئ، كما حدث في الميناء الجنوبي لبورتسودان، وتأجير ميناء سواكن، واستشهاد أبناء البجا وكجبار والطلاب في الهبات الجماهيرية ضد النظام، وارتكب النظام مجازر مثل: اعدام مجدي وجرجس بسبب حيازتهم دولارات!!، ومجزرة شهداء 28 رمضان، ومجزرة العيلفون، واستهداف طلاب دارفور.. الخ، وهبة سبتمبر 2013 التي هزت أركان النظام، ويناير 2018، حتى تم تتويج ذلك التراكم بثورة ديسمبر 2018 التي انفجرت في 13 ديسمبر من الدمازين، وبشكل أعمق في 19 ديسمبر في عطبرة، وارتفع سقف المطالب من استنكار للزيادات في الأسعار إلي اسقاط النظام، كما رفع تجمع المهنيين سقف مطالبه من زياد الأجور إلى اسقاط النظام في مذكرة 25 ديسمبر 2018 للقصر، وبعد ذلك تكونت “قوى الحرية والتغيير”، التي قادت المعركة والمظاهرات بجداول محددة، ورغم القمع الذي أدي لاستشهاد أكثر من 60 مواطنا وجرح أكثر من 500، واعتقال الالاف، الا أن المقاومة استمرت بقوة حتى موكب 6 أبريل الذي أفضي للاعتصام في محيط القيادة العامة في العاصمة والحاميات العسكرية في الأقاليم، وانحياز أقسام من الجيش للثورة، مما أدى لانقلاب “اللجنة الأمنية” للنظام في 11 أبريل الذي أزاح البشير، وجاء الفريق ابنعوف الذي رفضه الثوار، وبعده جاء المجلس العسكري بقيادة الفريق البرهان ونائبه قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”.

3

جاء الانقلاب ليقطع الطريق أمام وصول الثورة لأهدافها وامتدادا للنظام الفاسد، كما وضح من مجزرة فض الاعتصام في العاصمة والولايات، والانقلاب على الوثيقة الدستورية.. واختطاف ملف السلام من حمدوك والتوقيع على اتفاق جوبا لاستكمال تصفية الثورة وحتى انقلاب 25 أكتوبر الذي وجد مقاومة واسعة وفشل حتى في تكوين حكومة، حتى جاء الاتفاق الإطاري الذي فجر الخلاف حول مدة دمج الدعم السريع في الجيش بين حميدتي والبرهان، وأدى للحرب الكارثية الجارية حاليا، ويبقى ضرورة عدم إطالة أمدها حتى لا تشمل كل الأقاليم، بعد الابادة الجماعية التي تمت في مدن دارفور: نيالا، زالنجي، كتم، الجنينة، وحاليا في طويلة، وخطورة تحويلها لصراع اثني، فضلا عن امتدادها لتشمل دول الجوار، مع التدخل الدولي وصراع الضوارى الرأسمالية لنهب ثروات البلاد، وحتى لا تتحول الي حرب بالوكالة بين أمريكا وحلفائها، وروسيا وحلفائها لنهب موارد افريقيا والسودان، اضافة لموقع السودان المطل على البحر الأحمر والتنافس لقيام قواعد بحرية عليه بين أمريكا وروسيا..

4

وأخيراً، لا بديل غير مواصلة اوسع تحالف قاعدي بين قوى الثورة السياسية والنقابية ولجان المقاومة لوقف الحرب، والوقوف سدا منيعا كما حدث في موكب 30 يونيو لقطع الطريق أمام تصفية الثورة بالعودة للاتفاق الإطاري والشراكة مع العسكر والدعم السريع واتفاق جوبا، بعد تجربة الحرب المريرة التي أكدت ضروة التغيير الجذري وخروج البلاد من الحلقة الشريرة للانقلابات العسكرية، واستدامة الحكم المدني الديمقراطي، وتحقيق المهام العاجلة الآتية:

– ضرورة خروج المليشيات ومعسكرات الجيش من الأحياء والمدن، وعودة العسكر للثكنات وحل الجنجويد، وقيام الحكم المدني الديمقراطي ودرء آثار الحرب، وخروج مليشيات الدعم السريع من المنازل والمستشفيات، ومحطات المياه والكهرباء، والمؤسسات التعليمية والخدمية الأخرى، ومن الأحياء وعدم اتخاذ المواطنين دروعا بشرية، وققف قصف الجيش العشوائي للمنازل والأحياء مما أدي لخسائر في الأرواح والممتلكات، وبسط الأمن لوقف عمليات النهب الجارية لمنازل وعربات المواطنين من الدعم السريع، ومن بقية المؤسسات والسفارات، وتحقيق أهداف الثورة، وانجاز مهام الفترة الانتقالية كما في:

– مواصلة تفكيك التمكين واستعادة أموال الشعب المنهوبة، وعودة شركات الجيش والأمن والدعم السريع والشرطة لولاية وزارة المالية، وحل مليشيات الجنجويد والكيزان، وجيوش الحركات المسلحة، وقيام الجيش القومي المهني الموحد.

– تقديم مجرمي الحرب والجرائم ضد الانسانية الابادة الجماعية للمحاكمات.

– تحسين الاوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تدهورت بعد الحرب، وصرف مرتبات العاملين، وإعادة تأهيل المصانع التي تم حرقها وتدميرها، وتركيز الاسعار ومجانية التعليم والصحة ودعم السلع الاساسية من وقود وكهرباء ودواء. الخ، ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي، وتأمين الغذاء، لمواجهة شبح المجاعة..

– الغاء كل القوانين المقيدة للحريات، واصلاح النظام العدلي والقانوني، واجازة قانون النقابات الديمقراطي للنقابات يحقق ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، وارجاع كل المفصولين العسكريين والمدنيين، وترسيخ الديمقراطية والدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللغة أو الثقافة أو العرق، وتمكين الشباب والمرأة.

– الحل الشامل والعادل لتحقيق السلام المستدام بالغاء اتفاق جوبا والمسارات الذي فشل في وقف الحرب، بل زادها اشتعالا كما في جنوب النيل الآزرق حاليا، وعودة النازحين لقراهم واعمار مناطقهم وعودة المستوطنين لمناطقهم وحل المليشيات وتقديم البشير ومن معه، والمجرمين في جرائم الابادة الجماعية الجارية حاليا في دارفور كما في الجنينة للمحكمة الجنائية الدولية.

– وقف نهب ثروات البلاد، والسيادة الوطنية، واستعادة اراضي السودان المحتلة، واعادة النظر في اتفاقات التعدين والاراضي المجحفة، ووقف تدخل قوات مرتزقة “فاغنر” في السودان، ووقف قيام أي قواعد عسكرية، أو تأجير الميناء أو قيام ميناء جديد على حساب ميناء بورتسودان.

– قيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية والتوافق على دستور ديمقراطي وقانون انتخابات ديمقراطي يضمن قيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.

وغير ذلك من مهام الفترة الانتقالية التي أُضيف لها مهمة إعمار ما دمرته الحرب.

alsirbabo@yahoo.co.uk

تاريخ الخبر: 2023-06-22 15:23:56
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 62%

آخر الأخبار حول العالم

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:45
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:39
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية