تزايدت حدة المواجهة بين دول حلف الناتو وغواصات توصف بأنها أجنبية وغريبة الأطوار بداية السبعينات، لتتحول في نوفمبر 1972 إلى عملية عسكرية كبيرة في مضيق سوجنيفجورد بالنرويج.

في ذلك الوقت أعلنت السلطات النرويجية أن غواصة أجنبية تسللت عبر مضيق بحري يبلغ عمقه حوالي 4000 قدم فيما يصل في المدخل إلى 400 قدم فقط، ورصدت آثارها لأول مرة في 12 نوفمبر 1972.

وأعلنت وزارة الدفاع النرويجية أنها أطلقت حملة جوية وبحرية للبحث عن الغواصة شمال مدينة بيرغن جنوب غرب البلاد، مشيرة إلى أن "ما لا يقل عن أربع سفن بحرية نرويجية وعددا من الطائرات النرويجية والبريطانية قد تم نقلها في مهمة للبحث عن الغواصة، التي يعتقد أنها من الاتحاد السوفيتي أو إحدى دول حلف وارسو الأخرى".

وأفيد في هذا السياق بأن الفرقاطة "نارفيك" أطلقت قنابل أعماق ناسفة في مياه المنطقة لإغراق ما يعتقد أنها غواصة سوفياتية، وان الحكومة النرويجية أعطت دعما غير مشروط لقرار وزير الدفاع يوهان كليبي بإغراق الغواصة إذا لم تطفو على السطح وتعرف بنفسها.

وزير الدفاع النرويجي في ذلك الوقت يوهان كليبي، صرّح بأنه لم يتم تحديد جنسية الغواصة ولا نوعيتها، وردا على سؤال بشأن الشائعات التي تقول إنها سوفيتية قال: "نحن بحاجة إلى حقائق، وليس إلى تخمينات".

توالت التصريحات الرسمية النرويجية التي تفاءل بعضها بأن الغواصة الأجنبية حوصرت وألقيت عليها قنابل الأعماق ومن المحتمل أن تكون قد دمرت أو أنها ستضطر لا محالة للطفو على السطح، لأن "مثل هذه الغواصة يجب أن تطفو على السطح من وقت لآخر لتجديد الهواء، لأن الهواء لا يتولد عندما تكون السفينة في قاع البحر ومحركاتها متوقفة"، إلا أن ذلك لم يحدث.

لم تخل تلك التصريحات من غرابة حيث أعلنت قيادة القوات البحرية النرويجية أن سفينة تابعة لها رصدت أضواء خضراء وصفراء على طول الساحل الجنوبي لمضيق "سوجنيفجورد"، فيما ذكرت شرطة هذه المنطقة الواقعة في غرب البلاد برؤية جسم معتم يطفو على السطح لمدة سبع دقائق.

 القوات البحرية والجوية النرويجية تعقبت "الجسم المجهول" لمدة 11 يوما، إلا أنه أفلت مرارا واختفى من شاشات الرادار والسونار، فينا تعرضت الأجهزة الإلكترونية على ظهر السفن الحربية للتشويش وتوقفت على العمل عدة مرات.

في المحصلة، جرى إطلاق طوربيد موجه مضاد للغواصات على الجسم المجهول، وانتظر النرويجيون ظهور بقعة زيت على سطح المياه علامة على إصابة الغواصة، إلا أن ذلك لم يحدث أيضا.

وسائل الإعلام النرويجية حينها ذكرت أنه تم الإبلاغ في السنوات الأخيرة عن عدد من الغواصات المجهولة الهوية في نقاط مختلفة على طول الساحل النرويجي الوعر البالغ طوله 1600 ميل، والمليء بالجزر الصغيرة.

لاحقا صدرت تصريحات من القيادات العسكرية النرويجية ترجح أن الجسم المجهول الذي رصد في مياه النرويج لم يكن غواصة، فيما ساندت البحرية النرويجية هذا الموقف مشيرة إلى أن أفرادها رصدوا أضواء خضراء وصفراء مجهولة فوق منحدر تل على طول المضيق البحري، والغواصات لا تطير!

موسكو في ذلك الوقت تفاجأت في البداية بالاتهامات التي صدرت عن الدول الاسكندنافية وخاصة من النرويج والسويد. وعلى الرغم من نفي الاتحاد السوفيتي القاطع لها، إلا أن مذكرات الاحتجاج توالت على وزارة الخارجية السوفيتية بشان مزاعم انتهاكات حدودية من قبل أسطول الغواصات السوفيتية.

قائد الأسطول الشمالي السوفيتي في ذلك الوقت، الأدميرال فلاديمير تشيرنافين، لفت إلى أن موسكو وحلف الناتو كانا في الطريق في ذلك الوقت إلى صراع خطير.

على خلفية ذلك، عقدت البحرية السوفيتية مؤتمر طارئا بموافقة القيادة السياسية العليا، جرى فيه الإدلاء ببيان صحفي مثير باسم القائد العام لبحرية اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية جاء فيه:

أتوجه إليكم وعبركم إلى حكومتكم، أن تصطادوا غواصتنا، وأن تدمروها وتظهروا بقاياها للمجتمع الدولي, إذا أنتم دمرتم في مياهكم حتى غواصة سوفياتية واحدة، أنا القائد العام للأسطول البحري الحربي السوفيتي، أقول لكم شكرا لما قمتم به، بل وأعلن شكري لبحارة الناتو على تدمير هذه الغواصة!

على الرغم من كل ذلك، لم تتوقف ظاهرة الغواصات الغامضة الخفية والسريعة في مختلف المحيطات، ولا يزال الناتو بين الحين والآخر يتحدث عن رصد مثل هذه الغواصات، وفي كل مرة يتجه بنظره حائرا نحو  موسكو.

المصدر: RT