“كل طفل يستحق” شعار يتحقق على أرض الواقع


“كل طفل يستحق”.. من هذا المبدأ انطلقت خدمة مركز كاريتاس مصر لرعاية الأطفال المعرضين للخطر، و بدأت مسيرة العمل لإعداد طفل واعي في مجتمع آمن، ولأن بناء النفس البشرية هو أعظم بناء فأخذ المركز على عاتقه بناء كل طفل تعرض للخطر وأصبح لا يوجد له مكان يحتمي فيه؛ فالمركز يبني الطفل نفسيًا واجتماعيًا وعلميًا ورياضيًا، بل ويسعى المركز الى دمج الأطفال مع أسرهم مرة أخرى إذا كانت الأسرة آمنة لهم ..

التقت “وطني” بالاستاذة آمال يوسف، مدير مركز رعاية أطفال بلا مأوى فرع القاهرة بمؤسسة كاريتاس مصر للتعرف على مسيرة بناء الطفل داخل المركز ..

نود التعرف على ماتقومون به من أنشطة وفعاليات

” البداية كانت في ٢٠٠٤ كمركز استضافة نهاري للأطفال العاملين سواء بتقديم الطعام لهم أو التعليم أو حتى اللعب، حتى وجدنا الحاجة بعد ذلك لوجود إقامة لهؤلاء الأطفال خاصة مع انجذابهم لنا وكرههم لحياة الشارع، وفعلا عام ٢٠٠٨ فتحنا الإقامة لحوالي ١٦ طفل بفرع الجيزة، ولنا فرع آخر أكبر سعة وهو فرع الإسكندرية، ونسعى بحلول عام ٢٠٢٤ لتوفير إقامة لضعف هذا العدد باذن الله”.

ولكن كيف يتم اختياركم للأطفال؟

“يتم ذلك من خلال عدة طرق أولهم خط نجدة الطفل ١٦٠٠٠، فهناك بروتوكول إشرافي مع المجلس القومي للطفولة والأمومة، وكذلك بعض الوحدات المتنقلة التابعة لوزارة التضامن والتي تقوم بتحويل الأطفال إلينا.

و النيابات أيضًا تقوم بتحويل الأطفال من غير المحكوم عليهم إلينا، الأطفال الذين هم طرف في نزاع ما أو شهود في قصة ما ويُخشى عليهم من التعنيف بدلاً من تأهيلهم نفسيًا، أما المحكوم عليهم فتقوم دور رعاية أخرى باستضافتهم، وأخيرًا الأطفال المحولين من دور رعاية أخرى تم غلقها مثلاً”.

هل يشمل ذلك المعرضين للتهديد وليس المعرضين للخطر فقط؟ وكيف تكون رحلة الطفل معكم من البداية حتي الدمج والمتابعة؟

“الطفل المعرض للخطر لديه أسرة ويُخشى عليه من تركها ونزوله للشارع خوفًا من تعنيف الأهل أو إجباره على العمل أو عدم رغبتهم في وجود الطفل ولهذا نحاول تقليل ذلك بادماجهم مع أسرهم أو الأسر الممتدة سواء الجد أو الخال أو العم، فمهما قدمت دار الرعاية للطفل لن يُعوض ذلك وجوده وسط أسرته والتي بدمجه معها تكون قصته معنا تُوٌجت بالنجاح”.

ورحلة الطفل تبدأ مع دخوله لدينا باستمارة تحمل بيانات أولية تساعدنا في بدء حوار معه بالإضافة إلى تقديم الخدمات كالطعام والنوم والملبس والخدمات الصحية حتى يعتاد على المكان، خاصة إذا كان قادمًا من خلفية عشوائية تستلزم بعض الجهد في تعويده على الإلتزام ببعض العادات والسلوكيات في التعامل مع زملائه والمشرفين، ثم يتولى حالته مسؤول خاص به وحده يعمل هذا الأخصائي على معرفة المشاكل القادم بها الطفل سواء عنف أو انطواء أو غيرها. ونبدأ بعدها عدة خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى بالتتابع، فقد تصادفنا حالة لطفل تنجح في الدمج بعد شهر أو ٣ أو حتى ٦ شهور بينما قد نضطر لخوض سنوات مع طفل آخر وهي خطط هدفها الأساسي عمومًا توجيه الطفل وتعديل سلوكياته؛ فالطفل العنيف مثلا يتم توجيهه لممارسة الرياضة بينما ندفع بالطفل الانطوائي في جلسات الجمعية والأنشطة الجماعية أو الاشغال اليدوية ، وبجانب الأخصائي النفسي هناك نظيره الاجتماعي الذي يقوم بدراسة بيئة الطفل القادم منها ومدرسته أو الشارع وهو ما يفيدنا في تسجيل الطفل بمدرسة مثلًا بعدما تسرب منها.. وهكذا”

هل هناك سن معين لاستقبال الأطفال وكذلك سن أقصى ؟

“ترخيص المركز لاستضافة أطفال بنين فقط أو بنات فقط ولا يسمح بالأثنين معًا، والسن يتراوح من ٧ سنوات وحتى ١٨ سنة وهو سن الطفولة المتعارف عليه، ولكن الأغلب لدينا هم أطفال تتراوح أعمارهم بين ٧ و١٢ عام، ولدينا حاليًا طفل ذو ١٧ عامًا ويعتبر الأكبر سنًا بين الأطفال، ونحاول بدايةً من سن الـ١٥ أن نقدم لهم التأهيل المهني وتعليم الحرف المختلفة حتى نؤهلهم للاستقلال وخوض الحياة العملية، ولدينا من تدربوا بالفعل في كارفور مصر الصيف الماضي بالتعاون بيننا وبين مؤسسة “ساموسوسيال” وتقاضوا رواتب فعلاً حتى لو رمزية ولكنها تعطيهم شئ من الاعتماد على النفس والاستقلالية وتكون بداية جديدة لهم حتى لا يشعرون أنه تم التخلي عنهم فجأة”.

هل هناك أطفال من طبقات اجتماعية مختلفة لديكم؟ وهل يصعب دمج هؤلاء المختلفين اجتماعيًا مع أقرانهم ؟

“الشريحة الأكبر طبعًا هى الأشد فقرًا أو من لديهم أطفال كثيرين ويتم إجبارهم على التسرب من التعليم والعمل في سن مبكر لزيادة الدخل، ولكن هناك أيضا أسر مقتدرة جدًا ماديًا ولكنها قررت ترك الطفل إما لخلافات زوجية وانفصال أو لمواريث أو غيرها. وبرغم قلة نسبتها إلا أنها موجودة بمشكلاتها، وبالنسبة لصعوبة دمجهم فكل طفل هو حالة خاصة بذاته ولكنهم غالبًا ما يدخلون في صدمة حقيقية من تعاملهم مع الأطفال الآخرين ممن لا يشبهونهم، فمثلًا حضر إلينا طفل من خلفية راقية اجتماعية جدًا معه جهاز الآى باد الخاص به في الوقت الذي لا يحمل أى طفل في الدار جهاز تليفون عادي حتى، ولكن مع الوقت نحاول تقليل صعوبة دمجهم مع أقرانهم في الأنشطة المختلفة لأنه يظل تحدي صعب فعلاً “.

في حالة وجود الأسرة وقدرتها على رعاية الطفل وتركه في المقابل، هل هناك رادع قانوني أو ماشابه تقومون به لتجنب تكرار حدوث ذلك؟

“للأسف دورنا مجرد توصية بعدم تكرار ذلك إلا في حالة الضرورة كتهديد الأسرة للطفل مثلًا أو كونهم مسجونين ونخشى على الطفل عند خروجهم من تكرار تعنيفه أو تعذيبه مثلًا، فنبدأ باتخاذ اللازم كأخذ تعهد مثلًا أو محضر باستلام الطفل”.

متى تنتهي متابعتكم للطفل المدمج؟

“إذا قمنا بالزيارة مثلًا لأكثر من ٤ مرات ووجدنا الوضع مستقر ويتحسن نبدأ في تقليل عدد المكالمات الهاتفية والزيارات المنزلية والمدرسية أو في مكان العمل ولكن قد تتباعد مرات المتابعة لكن لا تنقطع”.

ما هي نوعية الأنشطة التي يمارسها الأطفال هنا؟

“الطفل هو الطفل مهما كانت خلفيته يريد أن يلعب ويتحرك طوال الوقت واستغلال حواسه جميعها، ونحاول أن تكون الأنشطة المقدمة ترفيهية وتأهيلية بنفس الوقت فهناك الجانب التعليمي أثناء الدراسة ويسير بشكل طبيعي مع كل المنتسبين للمدارس أو ممن ألحقناهم بها وفي الإجازة الصيفية هناك الجزء الرياضي الذي يعمل كثيرًا على تقويم سلوكياتهم وترسيخ مبادئ القوة الصحيحة لديهم وتقنين استخدامها خاصة ممن كانت خلفيتهم تستخدم التعنيف والشرب طوال الوقت لفرض القوة والسيطرة، وهناك الأشغال اليدوية التي تحفز قدرات الطفل وتعزز ثقته بنفسه وبأنه طفل ناجح ومؤثر وليس فاشلًا كما رسخ بداخله من بيئته الأولى فكمية الإبداع التي نراها في الرسم على الخشب أو القماش أو باقي المشغولات رائعة وقيمة فعلًا “.

حدثينا عن أكثر القصص نجاحًا وتميزًا وكذلك أكثرها صعوبة ومشقة ؟

لقد تعلمنا كفريق مكون من حوالي ٨ أخصائيين ألا نحلم إلا بالمستطاع فكم من القصص التي توقعنا نهايتها بشكل مؤكد على نجاح محقق وحدث مالم يكن في الحسبان لتبوء توقعاتنا بالفشل والعكس صحيح، هناك مثلًا طفل تم تحويله إلينا كان معرضًا للكثير من التعذيب ورجله شبه مكسورة وأقل من الوزن الطبيعي بحوالي ١٠ كجم، ويعاني من انيميا حادة وكانت محاولة تناوله الطعام دون تعب هدف لم نصل إليه قبل شهرين من انضمامه لنا، وقد ساعدتنا في ذلك الوحدة الصحية بالهرم بشكل كبير ثم توصلنا من خلال شهادة ميلاده إلى المدرسة المقيد بها ومنها إلى أسرته وتحديدًا الجدة التي لم تتوقع كونه مازال على قيد الحياة واكتشفنا رواية أخرى غير التي سمعناها من الطفل وبعد محاولات استمرت لأكثر من ٣ شهور تم فيها تأهيل الطفل وجدته نفسيًا، هو الآن يقيم معها وانتظم في مدرسته واستقر في العيش معها جدًا”.

“هناك أيضا طفل لم نعرف منه إلا اسمه ثنائي وكذلك اسم والدته ثنائي وبعد عامان كاملان من البحث أصابنا فيها اليأس وقررنا اعتباره ساقط قيد وبدأنا في استخراج أوراق جديدة له، وصلنا إلى مكان عمل الأب بالصدفة وتواصلنا معه لنعرف منه ندمه الشديد وأنه السبب في كل ماحدث لابنه فقد كان طوال الوقت يقوم بتعنيفه ولاحظنا سوء الحالة الصحية لوالده الذي فرح وطلب رؤية ابنه، وعندما أخبرنا الطفل خاف أولًا ثم فرح بعودته لأبيه بعد تذكره كل مالاقاه في الشارع، ولكن الأب توفى سريعًا وكلها تطورات سريعة وكبيرة كنا فيها بجوار الطفل الذي واجه كل هذا بالعنف أحيانًا بالصمت وأحيانًا بالانعزال، ولكن زوجة الأب طلبت أن يعيش الطفل مع إخوته من أبيه واختبرنا صحة ذلك دون أغراض أخرى من خلال زيارات متقطعة بينهم وخاصة مع رفض أطراف أخرى بالعائلة استضافة الطفل، اخيرًا هو مع إخوته وانتظم بمدرسته وحاليًا يتدرب في كارفور مصر وقريبًا ابن ال١٤ عامًا سيخرج للحياة العملية ورغم كثرة المنحنيات في هذه القصة إلا أنها ستُغلق بنجاح باذن الله هى الأخرى “.

نود معرفة الجهات الداعمة والشريكة لكم؟

حالياً لا توجد جهة ممولة أو متبنية للمكان فهناك جزء تقدمه الإدارة المحلية بكاريتاس وهناك جهات بعينها تدعمنا من خلال تقديم رعاية للاطفال فنيًا أو رياضيًا، كما دعمتنا “ساموسوسيال” سابقًا ومازالت تقدم لنا الدعم، وهناك أفراد تدعم الأطفال بمصروفات دراسية أو طعام أو ملابس وغير ذلك”.

أخيرا.. بعد كل هذا الجهد المخلص والمدعوم بالمحبة، ماهي طموحاتكم المستقبلية؟

نحلم بتوسعة المكان لاستقبال ضعف العدد كما ذكرت لكم بحلول عام ٢٠٢٤ لأن الاحتياج مازال موجود وكذلك التفكك الأسري ولكن حلمنا بتوفير حياة كريمة وحماية دائمة لكل طفل هى هدفنا الأول وهو ما يجعلنا مثلًا نترك الباب مفتوح أمام كل طفل ولا نغلقه ابدًا حتى يشعر أنه ببيته، وهو ما يقوله الأطفال في المدرسة مثلًا أو الشارع، عند عودتهم لا يقولون الدار أو المؤسسة وإنما البيت، وهو ما يجعلنا نرى أين نحن من شعور الأطفال بالأمان في وسطنا. وهذا يشجعنا على الاستمرار ويلقي علينا المسؤولية في نفس الوقت ولكن شعارنا نؤمن فعلًا بتحقيقه وهو “كل طفل يستحق”.

في النهاية وبالنيابة عن الأطفال والأهل والقراء نود أن نشكركم لأنكم موجودون وسعدنا جدًا بلقاءنا معكِ ..وبالتوفيق فيما هو قادم بمعونة الله.

تاريخ الخبر: 2023-06-26 15:22:21
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 59%
الأهمية: 69%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية