«الدستور» تكشف: جمعيات وهمية تنصب على المصريين بـ«تبرعات الأضاحى فى إفريقيا»

فى كل عام مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، تظهر جمعيات ومؤسسات وأفراد يدعون المواطنين للتبرع لشراء أضاحى، بغرض ذبحها وتوزيع لحومها على المواطنين فى عدة دول إفريقية فقيرة.

ويستخدم هؤلاء وسائل مختلفة لإيهام الناس بصدق أهدافهم، وأنهم يجمعون هذه التبرعات لأغراض خيرية وإنسانية، ومن بين هذه الوسائل الإعلانات والصور والفيديوهات، إلى جانب انتحال أسماء مؤسسات خيرية شهيرة.

لكن فى الحقيقة، هؤلاء محتالون لا يهتمون بالخير أو الإنسانية، بل بالاستيلاء على أكبر قدر ممكن من أموال المتبرعين، وتحويلها إلى جيوبهم، وفق ما تكشفه «الدستور» فى السطور التالية.

ضحايا: استغلوا رغبتنا فى فعل الخير واختفوا بعد تحصيل الأموال

يحرص محمود الجناينى، مدير إحدى شركات الأثاث المنزلى، على التبرع للفقراء والمحتاجين بشكل متواصل، لذا عندما تلقى رسالة عبر بريده الإلكترونى، قبل أيام من عيد الأضحى، تدعوه إلى التبرع لجمعية خيرية تسمى «أضحية الأمل»، لم يمانع واستجاب لها على الفور.

الجمعية قالت فى الرسالة عبر البريد الإلكترونى، إنها تعمل على شراء وذبح وتوزيع أضاحى على «الأسر المستورة» فى دول إفريقية مثل الصومال وإثيوبيا وإريتريا، وبحسب «الجناينى»، كانت الرسالة «مؤثرة ومقنعة جدًا»، وتم إرفاق صور لأطفال جائعين ومنهكين بها.

وأضاف: «تأثرت جدًا بالرسالة، وقررت على الفور التبرع بـ٧ آلاف جنيه، واتصلت بالرقم المرفق، فأخبرنى صوت نسائى بطريقة تحويل المبلغ عبر خدمات الدفع السريع، وأننى سأتلقى شهادة شكر وتقدير من الجمعية».

وواصل: «انتظرت تسلم الشهادة والتأكد من وصول الأموال إلى مستحقيها، لكن لم يصلنى شىء، وعندما حاولت الاتصال بالرقم مرة أخرى، وجدته مغلقًا، فأرسلت لهم عبر البريد الإلكترونى، وانتظرت يومين دون أى رد». وأكمل: «ازداد الشك فى عقلى، وحينها بحثت عن أى موقع أو صفحة تحمل اسم (جمعية أضحية الأمل)، لأكتشف أنها غير موجودة نهائيًا، وأننى تعرضت للنصب».

واعتبر أن «الخطأ الحقيقى الذى ارتكبه هو عدم تأكده من حقيقة الجمعية التى تزعم جمع تبرعات الأضاحى فى دول إفريقية، لذا تعلمت من الدرس جيدًا، ولن أتعامل مع مؤسسات خيرية إلا بعد التأكد من تراخيصها الرسمية والاطلاع على أعمالها السابقة».

«سارة» هى الأخرى إحدى ضحايا النصب باسم تبرعات أضاحى العيد فى إفريقيا، كانت تؤدى صلاة الجماعة فى المسجد القريب من منزلها فى الجيزة، وتشارك فى دروس ودورات دينية، وحينها قابلت فى المسجد سيدة تدعى «نادية»، تزعم أنها مندوبة لجمعية خيرية تسمى «الإخاء»، وتطلب من «سارة» التبرع لشراء أضاحى للمسلمين فى السودان.

وروت الفتاة العشرينية أن «نادية» كانت لطيفة وودودة، وأظهرت لى بطاقة هوية تثبت صفتها كمندوبة للجمعية، وأخبرتنى أنها تجمع التبرعات من النساء فقط، وأنها تتسلمها نقدًا، كما تعطى لكل متبرعة إيصالًا يثبت تبرعها.

وأضافت: «كنت أثق فى حديثها للغاية، حتى إننى قررت الخروج من المسجد والذهاب إلى أقرب ماكينة نقد للتبرع، وبالفعل أخذت منها الإيصال، ووعدتنى بإرسال صور الأضاحى التى ستشتريها بهذه الأموال».

انتظرت «سارة» الصور وقتًا طويلًا، لكن لم تصلها، وعندما حاولت الاتصال بـ«نادية»، وجدت رقمها غير موجود بالخدمة، فشكت فى الإيصال، وقررت الذهاب إلى عنوان الجمعية المكتوب عليه، فوجدته محلًا تجاريًا مغلقًا.

وبسؤالها القاطنين فى المنطقة عن هذا المحل، أخبروها بأنه يعود إلى صاحب العقار، ولم يستخدم منذ أكثر من ٦ أشهر، كما أنه ليس له أى علاقة بالجمعية المذكورة.

كريم البيلى، مهندس فى العشرينيات من عمره، يحب التكنولوجيا والإنترنت، ويستخدمهما فى عمله وحياته، لم تختلف قصته كثيرًا.

فقبل قدوم عيد الأضحى، وجد «كريم» منشورًا على «فيسبوك» لصفحة تسمى «مؤسسة السلام»، تدعو المستخدمين إلى التبرع لشراء أضاحى للأسر المحتاجة فى دول إفريقية، مثل مالى وبوركينا فاسو والنيجر.

المنشور كان مزودًا برابط لموقع إلكترونى يحمل اسم المؤسسة المزعومة ويحتوى على معلومات عنها وعن أهدافها وأنشطتها، وشهادات من المستفيدين بتلك الأنشطة، لذا قرر التبرع بـ٤٠٠٠ جنيه.

ضغط «كريم» على الرابط، فانتقل إلى صفحة تطلب منه إدخال بياناته الشخصية وبطاقته الائتمانية، وبعدها انتظر لحين تأكيد التبرع، لكنه فوجئ بظهور رسالة تقول إن هناك مشكلة فى الاتصال، وإنه تجب المحاولة لاحقًا.

وتابع: «حاولت مرارًا، لكن دون جدوى، حتى انتابنى الشك فى الموضوع، فذهبت إلى صفحة الـ(فيسبوك) مرة أخرى، وأرسلت إليهم رسالة بما حدث، لكن لم يجب أحد، حتى هددتهم بتحرير شكوى ضدهم فى مباحث الإنترنت». واختتم «فوجئت فى اليوم التالى بأن الصفحة غير موجودة، وأدركت أننى لن أستطيع استعادة المال الخاص بى، واتصلت بالبنك الذى أتعامل معه، فأخبرونى بأن حسابى قد سُحب منه ٤٠٠٠ جنيه، وأن المستلم هو شخص غير معروف».

هشام الوكيل: يستخدمون حسابات مزيفة.. ويروجون صورًا مزيفة

كشف هشام الوكيل، الذى يملك خبرة طويلة تمتد لأكثر من ١٥ عامًا فى العمل الخيرى، عن كيفية استغلال حسن نية المتبرعين والتلاعب بمشاعرهم.

وقال «النصب باسم التبرعات وجه آخر من وجوه الفساد والاستغلال والجشع، الذى يستهدف الضعفاء والمحتاجين والمحسنين، ويسلبهم حقوقهم وأموالهم وآمالهم».

وأضاف: «السماسرة يستخدمون حسابات وهمية أو مزورة على منصات التواصل الاجتماعى مثل فيسبوك وتويتر وإنستجرام، وينشرون منشورات وصورًا وفيديوهات تظهر أطفالًا وأسرًا فقيرة فى دول إفريقية، تحتاج إلى تبرعات لشراء أضاحى العيد».

وتابع: «بعد ذلك يطلبون من المتابعين التواصل معهم عبر رسائل خاصة أو أرقام هاتفية، ويزودونهم بحسابات بنكية أو خدمات دفع إلكترونية لإرسال قيمة الأضحية، والتى تتراوح بين ١٠٠٠ و١٠ آلاف جنيه».

وأكمل: «يزعمون أيضًا أنهم يعملون مع مؤسسات خيرية معروفة أو محلية فى الدول المستهدفة، وأنهم سيذبحون الأضاحى وسيتم توزيع لحومها على المستفيدين».

وكشف عن أنهم يقدمون شهادات وإيصالات تثبت ذلك، من خلال استخدام صور وشعارات لجهات رسمية أو شهيرة لإضفاء مصداقية على نشاطهم، مثل «جمعية أوتاد» التى تقدم خدمات إغاثية فى ٢٣ دولة إفريقية، أو «العون المباشر»، التى تشارك فى شراء وذبح وتوزيع الأضاحى فى ٣٠ دولة إفريقية وآسيوية.

وأشار إلى أنه لا يوجد رقم دقيق لنسبة أو عدد حوادث انتشار النصب باسم التبرعات فى إفريقيا، لكنها تعتبر ظاهرة متزايدة ومنتشرة فى العديد من البلدان الإفريقية، خاصة فى مواسم العيد وشهر رمضان المبارك.

وبيّن أن المحتالين يستخدمون مواقع إلكترونية مزيفة، تشبه مواقع المؤسسات الخيرية الحقيقية، والتى تحتوى على شعارات وأسماء وأرقام تشابهها، ويتم طلب التبرعات عبر نماذج إلكترونية، والتى قد تحتوى على فيروسات أو برامج تجسس.

وذكر أن هذه الجمعيات الوهمية تستخدم مندوبين أو جامعيين مزورين، يزورون المنازل أو المحال التجارية أو المساجد، ويدعون تمثيل مؤسسات خيرية مشهورة أو محلية، ويطلبون التبرعات نقدًا أو عبر شيكات أو بطاقات هدايا، ويستخدمون إثباتات هوية أو شهادات أو إيصالات مزورة. وقال: «الجمعيات الوهمية تحاول دائمًا إثارة العاطفة والرحمة لدى المتبرعين، ويستغلون الأزمات الإنسانية والمجاعات والحروب التى يشهدها بعض الدول الإفريقية، ويدعون أنهم يسعون لإدخال الفرحة على قلوب المحتاجين فى يوم العيد».

خبير أمنى: يجب التحقق من تراخيص وشهادات الجمعيات قبل التبرع

أكد المهندس شاكر محمد الجمل، خبير أمن المعلومات، أهمية التأكد من هوية وسمعة المؤسسات الخيرية التى تنفذ مشروعات الأضاحى، مع البحث عن مواقعها الإلكترونية وحساباتها الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعى، والتحقق من رخصها وشهاداتها، فضلًا عن التواصل مع المؤسسات الخيرية مباشرة عبر قنواتها المعتمدة، والتبرع عبر حساباتها البنكية أو خدماتها الإلكترونية الموثقة.

ونصح بتجنب التعامل مع الأشخاص أو الجهات المجهولة أو المشبوهة، مع متابعة تقارير المؤسسات الخيرية عن تنفيذ مشروعات الأضاحى، والتحقق من الصور والفيديوهات التى تظهر ذبح وتوزيع الأضاحى على المستفيدين.

وقال: «قبل التبرع لأى مؤسسة يجب طلب إيصالات رسمية تثبت تسلم قيمة التبرع، ومن الضرورى الإبلاغ عن أى حالات نصب أو احتيال تتعلق بتبرعات أضاحى العيد، مع تقديم شكاوى للجهات المختصة، وتوعية المجتمع بخطورة هذه الظاهرة على المستفيدين والمتبرعين».

وعن المشروعات الخيرية خارج مصر، مثل المشروعات فى بعض دول القارة الإفريقية، أوضح «الجمل» أن التحقق من تلك المشروعات يمكن أن يتم عبر البحث عن معلومات عن المنظمة أو الجهة التى تقوم بالمشروع، والتأكد من هويتها وسمعتها ورخصتها وشركائها وأهدافها وتقاريرها، بالإضافة إلى الاطلاع على تفاصيل المشروع، والتحقق من مدى تناسبه مع احتياجات المستفيدين والمجتمعات المستهدفة، وكذلك مصادر التمويل والميزانية والجدول الزمنى، وآلية التنفيذ والمتابعة والتقييم.

وشدد فى ختام حديثه لـ«الدستور» على ضرورة مراجعة المتبرعين لآراء وتجارب الأشخاص أو الجهات الأخرى الذين سبق لهم التبرع أو المشاركة فى المشروعات، والتحقق من رضاهم أو شكاواهم، ناصحًا بالابتعاد عن المشروعات التى تبدو مشبوهة أو غير واضحة أو غير شفافة أو غير محترفة، أو التى تطلب تبرعات كبيرة أو سريعة أو نقدية، أو التى تستخدم صورًا أو شعارات مزورة أو مسروقة.

خبير قانونى: حبس 5 سنوات وغرامة 200 ألف جنيه على المحتال.. مع الإلزام بإعادة التبرعات وإغلاق المؤسسة

قال الخبير القانونى، مصطفى أيمن أبوالنصر، إن القوانين المصرية تجرم النصب باسم التبرعات، لافتًا إلى أن قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم ١٤٩ لسنة ٢٠١٩، الذى ينظم نشاط المجتمع المدنى، حدد الضوابط والشروط والإجراءات لجمع التبرعات النقدية والعينية من داخل أو خارج مصر.

وأوضح أن القانون يحظر جمع التبرعات دون ترخيص أو شفافية أو محاسبة، ويقرر عقوبة السجن لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات، وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائتى ألف جنيه، أو إحدى هاتين العقوبتين، لكل من انتهك هذا القانون.

وأضاف: «يعاقب على هذه الجريمة أيضًا، قانون العقوبات رقم ٥٨ لسنة ١٩٣٧، والذى يحدد الجرائم المتعلقة بالاختلاس والاحتيال والغش والكذب وانتحال الصفة أو الشهادة أو الوظيفة أو الرتبة أو اللقب، ويقرر عقوبة الحبس أو الغرامة أو كليهما، لكل من ارتكب هذه الجرائم».

وأشار إلى أن القانون يلزم المتهم بإعادة التبرعات المحصلة بطريقة غير شرعية أو غير مشروعة إلى المستحقين أو إلى جهات خيرية معتمدة، بجانب إغلاق أو حل أو حظر المؤسسات أو المنظمات غير الحكومية التى تقوم بجمع التبرعات دون ترخيص أو شفافية، فضلًا عن منع المتهم من جمع التبرعات مستقبلًا أو فرض قيود على ذلك.

وعن ظاهرة النصب عبر تبرعات الأضاحى لدول إفريقيا، والتى انتشرت بشكل كبير فى السنوات القليلة الماضية، خاصة وقت جائحة كورونا، قال الخبير القانونى إن تلك الطريقة تمثل تطورًا ملحوظًا فى أشكال النصب الإلكترونى، مؤكدًا أن مباحث الإنترنت فى مصر تسعى جاهدة لاحتواء ذلك، ومساعدة المواطنين المتعرضين للنصب عبر هذا الفخ الإلكترونى فور تقدمهم ببلاغات رسمية.

ولفت إلى أن العقوبات المترتبة على النصب باسم التبرعات فى دول إفريقيا، تختلف باختلاف القوانين الوطنية لكل بلد، لكنها تعتبر بشكل عام جرائم تستوجب العقاب الجنائى أو المدنى أو الإدارى، أو كلها معًا.

تاريخ الخبر: 2023-06-28 21:20:55
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 63%

آخر الأخبار حول العالم

حركة حماس تقول إنها تدرس "بروح إيجابية" مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:27:49
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 56%

حركة حماس تقول إنها تدرس "بروح إيجابية" مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:27:46
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 67%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية