بقــلم: م. منــير وصــفي بطـــرس

باحث في موسيقى الألحان القبـطية

مـــدرس مــــادة اللــــحن الكنـــسي

بمعــــهـــد الرعـــــاية والتـــــربيــة

(الخَلفِيَّة التاريخيَّة التي مَهَّدَت لظُهُورِ اللَّحن)

الخَلفِيَّة التَّاريخِيَّة التي مَهَّدَت لِظُهُور لَحنِ”أبيكران”:

لكي نَفهَمَ الدَّوافِع التي أَدَّت لِظُهور لَحنٍ قَيِّم وهام من ألحان كنيستِنا القِبطية، أُحِبُّ أَن أَعيشَ مَعَكُم أعزائي القُّراء الأجواء المُختلفة الَّتي كانت تَعيشُها مِصرُ في الفترة السابقة لِوَضعِ هذا اللَّحن، وكما قلتُ في المَقالِالسَّابق حسبَ دِراساتِ عُلماءِ الكَنيسةِ أنَّ واضع لحن “أبيكران” هو الأسقف ميخائيل المعاريجي في القرن الخامس عشر، ومن المُؤَكَّد أنه هو الذي وَضَعَ كلماتِهِ، ولم يُذكَر بالتَّحديد هل هو واضع موسيقاه وكلماتِهِ معاً؟ولكنّي سَأَعتَبر أنَّ هذا صحيحاً إلى أن يُثبِت التاريخ عكسَ هذا.

لقد كانت الفترة التي وُضِعَ فيها اللَّحن والفترة السابِقة لهُهي فترة حُكم المَمَاليك في القرنَين الرابع عشر والخامس عشر، وقد كانت هذه الفَترة مليئةً بالتناقُضاتِ، فقد كانت مصرُ مُتَّحدةً مع الشَّام وكانت مُستَقِلَّةً بحُكمِها، كما كانت مصرُ في هذا العَصر منطقةً هامةً تُجارياً وصِناعياً، و كان السلاطينُ مُنعَزِلين عن الشعبِ المِصري المُكافِح، ولكن في نفس الوقت اهتمَّ بعضُ السلاطين بإنشاءِ العديد من المدارس والمستشفيات واهتموا بالعمارةِ والفنونِ، ولكن لم تَكُن الموسيقى لها اهتمام مثلما كان في العُصور السابقة مثل العَصر العَبَّاسي بل ظَهَرت مقالاتٍ لتَحريم الموسيقى.

وأغلب السَّلاطين كانوا عُتاه قُساه وظلَّ الشعبُ المِصري يُعاني مِنَ الفَقر والاضطهاد في ظِلِّ حُكمِهِم، وكان الحَظُّالأكبر من الاضطهاد هو للأقباطِ، فَحُرِقَت كنائس عَديدة وفُقِدَت العَديد من المَخطوطات الهامة الكَنَسِيَّة، وكان الشعبُ المِصري في هذا العَصر الحالِك يَنتَهِز فرصة الأعيادِ والمَواسمِ الزراعيةِ والمُناسبات الدِينيَّة والاجتماعية ليُغَنِّي أملاً في الخلاصِ من قبضة المُغتَصِبِين، أما الشعب القِبطي المَسيحي فقد وَجَدَ في التسابيحِ الكَنَسِيَّة مصدراً للقوةِ الرُّوحية والرجاءِ في خَلاصِ اللهِ والتَمَسُّك بشفاعةِ القديسين لتشديدِهِم وتَقوِيَة إيمانِهِم.

ونتيجةً لهذه الأحداث فقد قامَت الكَنيسَةُ بِنَهضَةٍ رُوحيَّةِوطَقسِيَّةٍ كَبيرَةٍ، ظَهَرَت في إنتاجِ عددٍ مِنَ الإبصاليات والمدائح العَرَبِيَّة وأُضِيفَت تفاسير للثيئوتوكيات، كما جَمَعَت الكنيسةُ في هذهِ الفَترة ما يُؤكِّد هويتَها من خلالِمجموعةٍ من العُلَمَاءِ والنُّساخِ بإعدادِ نِظامٍ طَقسي لتَوحِيدِالعادات والتَّقاليد والطُّقوس في مصر، ومن أهم الشخصيات التي أَثَّرَت في نهضة الكنيسة القمص إرميا الناسخ في عَصر البابا غبريال الخامس ال88 (1409- 1427م)، الذي وَضَعَ نِظاماً طَقسياً والذي سُمِّيَ بعد ذلك باسم (التَّرتيب الطقسي)