انتصار السعادة
انتصار السعادة
السعادة هي أمل الإنسان في كل مكان ومنذ بداية الزمان, والسعادة شيء نسبي, البعض يعتبرها في المال والغني, وبعض آخر يعتبرها في الصحة والقوة, وبعض ثالث يعتقد أنها تأتي مع المركز والسلطة, وآخرون يشعرون بالسعادة في العبادة والروحانيات, وهذه تجربة شخصية للفيلسوف والعالم الإنجليزي المعروف: برتراند راسل 1872 ـ 1970 مع السعادة يقدمها لنا في كتابه The Conquest of Happiness أي انتصار السعادة..
يقدم لنا راسل خبرة سبعين سنة في كتابه عن حياته وكيف يمكن للإنسان أن يكون سعيدا؟ ويلخص هذه الخبرة في سبع نصائح أو عوامل هي:
أولا: لا تدع هذه النار تأكلك:
أما هذه النار فهي نار الحسد والحقد, فأنت تؤمن بنجاحك في العمل ولكنك تسمع عن زميل آخر, تعتقد أنه أقل منك خبرة ونجاحا, ومع ذلك يتقاضي راتبا ضعف ما تتقاضاه أنت, هنا تشعر أن مرتبك لا يكفي, مع أنه كان يكفي فعلا! ولكنك تتساءل لماذا يتقاضي زميلي راتبا أكثر مني مع أن عملنا واحد؟ وربما كنت أفضل منه, هذا التفكير نتيجة للحسد والحقد الذي يأكلك ويصيبك بالأمراض, والحل في أن تقاوم هذا الشعور وتعرف أن السعادة في القناعة والرضا.
ثانيا: لا تتوقع تنازل ابنتك عن الزواج
تخيل شخصا مقعدا ولديه ابنة, من الطبيعي أن يتوقع منها الاهتمام والرعاية له في شيخوخته, ولكن هل معني ذلك أن ترفض الزواج وتضحي بحياتها من أجله؟ بالطبع لن يحدث هذا إلا في حالات نادرة, من هنا يجب أن تعرف أن كل الناس مشغولة بنفسها, حتي ابنتك, فلا تطلب من الآخرين الكثير مهما كانوا قريبين منك حتي لا تصدم في النهاية.
ثالثا: لا تنس حكمة الكلب
من المعروف أنه كلما شعر الكلب بأن الناس من حوله يشعرون بذعر أو خوف منه, كلما اشتد نباحه وزاد خطره واستعداده للعقر, أما إذا تجاهله الناس فسيكون مطمئنا هادئا أقل خطرا. وهذا المعني يندرج علي الإنسان أيضا, فإذا أحس الناس أنك شديد الخوف منهم ومن انطباعاتهم عنك, فإنهم لا يتركونك في حالك وإنما سيخافون منك ويطلقون الشائعات عليك, أما إذا أظهرت لهم عدم الاهتمام واللا مبالاة فالأغلب أن يتركوك وشأنك, وإذا جاءت سيرتك علي لسانهم فستكون بالخير والكلمات الطيبة.
رابعا: لا تسجن روحك وراء هذه القضبان
كل إنسان لديه بعض المواهب والاستعدادات, وأنت كذلك أيضا, وربما تكون مواهبك أكثر من الآخرين, ولكن ليس معني ذلك أن تبالغ في مزاياك ومواهبك وتعتبر نفسك أفضل من الجميع وتصاب بعقدة العظمة أو الاضطهاد, وتسجن روحك وراء هذا الشعور المريض الذي يتحول إلي قضبان ما بينك وبين الناس, وتقلص فرصة نجاحك..
فإذا أصابك الفشل والإخفاق ابحث عن الأسباب الحقيقية وراء ذلك, ولا تتوقع أن العالم كله يملك من الوقت ما يتيح له فرصة التآمر علي مستقبلك وتقليل فرصة نجاحك.
خامسا: لا تستسلم لجنون منتصف الليل
خلق الله الليل للراحة والنوم وتجديد طاقة الإنسان, ولذلك يجب أن تمتنع فيه عن التفكير في الموضوعات المقلقة الصعبة, وبخاصة أنك لا تستطيع عمل أي شيء حيالها في الليل, وبدلا من أن تستغل ساعات الليل في الراحة وتجديد الطاقة فإنك تبدد الطاقة وتبعد عن الراحة, وبدلا من أن تعد طاقة جديدة تواجه بها هموم الغد تفكر في موضوعات ومشاكل نصف مجنونة تدفع إليك بالقلق والأرق الذي يستمر معك حتي الصباح بل وطوال اليوم, مما ينغص عليك حياتك ويفسك مزاجك ويضعف تقديرك للأمور.
سادسا: لا تنهزم أمام ضوضاء الغرباء
من الطبيعي أن تتواجد خلال اليوم أكثر من مرة مع بعض الغرباء سواء في المواصلات العامة, أو في العمل, أو في الحفلات وغير ذلك, فلا تجعل هذا اللقاء أو التجمع أحد الأسباب غير المباشرة للإعياء العصبي والقلق, وتستطيع أن تجعل من هذا التجمع مع الغرباء فرصة للتعرف علي الناس, وطباعهم المختلفة, وتزيد معلوماتك عن الإنسان, بل وتصادق بعضهم, فالناس والغرباء ليسوا ضدك أو أعداءك حتي تتجنبهم وتخاف منهم, بل يمكن أن يكون العكس تماما, فالناس مع الناس رحمة وسعادة.
سابعا: لا تغلق هذه النافذة
لا تدع الروتين يفقدك الإحساس بطعم الأشياء, وبقدرتك علي الاستمتاع بأقل التفاصيل شيئا في حياتك اليومية. إن الجلوس مع أفراد العائلة لتناول الشاي كل صباح ومساء, وتناول طعام الغداء الجماعي, أو الجلوس لمشاهدة التليفزيون بعد العشاء, أو حتي الخروج مع أفراد الأسرة للتنزه, يعطي للإنسان شعورا جميلا بالاستمتاع بالوقت, وما الوقت إلا نسيج حياتنا.
كذلك فإن الجلوس مع الزملاء والأصدقاء له أهميته, هذا غير الذهاب إلي حفلات العرس وأعياد الميلاد وغيرها, هذه نافذة جميلة لحياتنا نطل منها علي الأقارب والأحباء نطمئن عليهم ونبادلهم السعادة والحب, ونشعر بسعادة وفرحة لا حد لها, وهذا يوثر في شخصية كل منا, لتصبح شخصية سوية خالية من العيوب, اجتماعية رائعة.
هكذا يقدم لنا الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) فلسفة حياته, فعلي الرغم من أنه سئم الدنيا في طفولته, وحاول الانتحار في شبابه, إلا أنه عاش سعيدا جدا وهو في السبعين من عمره, وأراد أن يقدم لنا أسباب سعادته في كتابه (انتصار السعادة), حتي تستفيد منها كل الأجيال.
إنه العالم والفيلسوف الذي عارك الحياة وعاركته وانتصر عليها في النهاية وحقق سعادته.
من هنا تأتي أهمية قراءة هذا الكتاب وبخاصة بالنسبة للشباب.
وانتصار السعادة أو الانتصار علي الحياة يدفعنا لقراءة بعض أبيات قصيدة (فلسفة الحياة) لأمير شعراء بلاد المهجر إيليا أبو ماضي الشاعر الفيلسوف صاحب قصيدة الطلاسم الرائعة التي تغني بها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب, وأيضا العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ.
يقول شاعرنا إيليا أبو ماضي في رائعته فلسفة الحياة:
أيهذا الشاكي وما بك داء
إن شر الجناة في الأرض نفس
وتري الشوك في الورد وتعمي
هو عبء علي الحياة ثقيل
والذي نفسه بغير جمال
ليس أشقي ممن يري العيش مرا
أحكم الناس في الحياة أناس
فتمتع بالصبح مادمت فيه
وإذا ما أظل رأسك هم
كيف تغدو إذا غدوت عليلا؟
تتوقي قبل الرحيل, رحيلا
أن تري فوقها الندي إكليلا
من يظن الحياة عبئا ثقيلا
لا يري في الوجود شيئا جميلا
ويظن اللذات فيه فضولا
عللوها فأحسنوا التعليلا
لا تخف أن يزول حتي يزولا
قصر البحث فيه كيلا يطولا