تعد خاصية الحظر واحدة من أبرز وأقدم الخصائص التأسيسية في المنصات الرقمية. يصعب تحديد الوقت الذي بدأت فيه هذه الخاصية بالظهور أو أولى المنصات التي تبنتها، ولكن يمكن القول إنها أصبحت واسعة الانتشار في بدايات الألفية الثالثة.

في واحدة من خطواته التي تدل على معاداته للخصائص التأسيسية لمنصات التواصل الاجتماعي، أعلن إيلون ماسك أن شركة X (تويتر سابقاً) ستلغي خاصية الحظر Block من على المنصة مع إمكانية إبقائها متاحة فقط لخدمة الرسائل المباشرة DMs. وفي حين لم تصدر عن ماسك أي تبريرات جوهرية حول هذه الخطوة إلا قوله بأن هذه الخاصية لا "معنى لها"، إلا أنها تعبر عن توجه ماسك الساعي إلى خلق منصة تتمتع بحرية أكبر للتعبير وفق اعتقاده.

في الحقيقية لا تعد خطوة إزالة خاصية الحظر بالأمر الجديد، فقد تطرق ماسك إليها منذ عدة أشهر، إذ جاءت في سياق اعتراضه على قوائم الحظر الجماعية التي نالت من أصحاب العلامة الزرقاء. فمقابل تشجيعه على حذف خاصية الحظر، كان يرى ضرورة توسيع استعمال خاصية كتم الصوت Mute كإجراء احترازي ضد الحسابات غير المرغوب فيها. فبالنسبة إليه يعد جوهر منصات السوشيال ميديا التواصل المستمر.

بشكل عام تعد خاصية الكتم مفيدة إلى حد ما ولكن لا تصل في فوائدها إلى درجة خاصية الحظر، فمع خاصية الكتم بقيت حرية الوصول للحسابات والانخراط معها وإن كانت من غير إشعارات وهو ما يجعل من التعرض للمضايقات أمراً لا مفرّ منه. أما في حالة الحظر، فإن مثل هذه المضايقات يمكن التخلص منها بنقرة زر، الأمر الذي يعطي المستخدمين (خصوصاً من الشخصيات الاعتبارية) القدرة على التخلص من المضايقات ومن تقليل حجم الرسائل التي تصل إلى سلة البريد العشوائي.

تعد خاصية الحظر واحدة من أبرز وأقدم الخصائص التأسيسية في المنصات الرقمية. يصعب تحديد الوقت الذي بدأت فيه هذه الخاصية بالظهور أو أولى المنصات التي تبنتها، ولكن يمكن القول إنها أصبحت واسعة الانتشار في بدايات الألفية الثالثة وقد تبنتها منصات مثل MySpace و Friendster.

ولكن مع الوقت اكتسبت هذه الخاصية شهرة واسعة، فمع تطور منصات التواصل الاجتماعي وشيوع ظاهرة الانخراط الرقمي والتواصل عبر الواقع الافتراضي، وهي ظاهرة صاحبها تعرض المستخدمين للتعامل مع أفراد لا يعرفونهم بشكل حقيقي، أصبح هناك ازدياد ملحوظ في عدد المضايقات، والتحرشات، والاعتداءات الرقمية والتي كان الحظر أحد أبرز الأدوات للتخلص منها والتقليل من مضارّها. باختصار، كانت خاصية الحظر مهمة للغاية في حماية الخصوصية، ومنع المضايقات والرسائل الضارة، ومفيدة في التحكم بمستوى التفاعل ونوعه وطبيعته، وخلق بيئة مشجعة للانخراط الرقمي.

في ظل هذه الخصائص سيكون من الصعب تبرير إلغاء خاصية الحظر لصالح منصة تشجع على التواصل المستمر غير المحظور وهي الفكرة اليوتوبية التي يحاول ماسك تبنيها والترويج لها. بطبيعة الحال، فإن أي تغيير على مستوى الخصائص التأسيسية للمنصات الرقمية لا يمكن أن يطبق دون المرور عبر العديد من التحديدات الكبيرة سواء على مستوى التصميم أو التطبيق والممارسة.

من جهة التطبيق، قد يجلب حذف خاصية الحظر من شركة X صداماً مع كل من Apple Store و Google Pay إذ تشترط الشركتان على مطوّري البرامج إدراج خاصية الحظر في التصميم الأساسي لأي تطبيق تواصل رقمي كشرط لحضوره على متاجرهما الرقمية، وذلك بما يتلاءم مع سياساتهما فيما يتعلق بخصوصية المستخدمين وأمن بياناتهم. أما على الجانب التقني، فمن الصعب توقع ما التأثيرات الجانبية التي سوف تتولد عن هذه الإزالة لواحدة من الخصائص التأسيسية للمنصة. فمنذ استحواذ إيلون ماسك على شركة تويتر وهناك إشكاليات تقنية عديدة تتعلق بكودات الشبكة وهو ما أدى إلى تحذير العديد من الخبراء من أمن وسلامة البيانات. كذلك توجد إشكالية كبيرة تتعلق بالفريق التقني المسؤول عن تغييرات كهذه والذي غادر الشركة منه أعداد كبيرة بسبب سياسة ماسك غير الواضحة والتي تتعارض مع توجهاتهم العملية والأخلاقية.

بالحديث عن الجوانب الأخلاقية، فإن المستخدمين سوف يواجهون معضلة تتعلق بعودة الحسابات التي كانت تحت خانة الحظر للظهور مجدداً، تكتنف هذه العودة العديد من المخاطر التي قد يتعرض لها المستخدمون. فبعد أن كان التخلص من الحسابات الضارة أو المزعجة يجري عبر خاصية واحدة ورشيقة مثل خاصية الحظر، ربما يضطر المستخدمون إلى إلغاء حساباتهم تماماً كإجراء وقائي. عندها بدلاً من أن يوفر ماسك منصة للتواصل المستمر، فإنه سيحرم الملايين من التواصل الآمن أو حتى التواصل بشكل كامل.

في الخلفية يوجد مشروع إيلون ماسك الكبير المتعلق بالتطبيقات الخارقة، وهي التطبيقات الشاملة التي من خلالها يستطيع المستخدم عمل كل شيء تقريباً من التسوق أونلاين، وطلب سيارة أجرة، إلى التواصل والمدفوعات الرقمية وهي التطبيقات المشهورة جداً في الصين مثل WeChat. يريد إيلون ماسك تطبيق هذا النموذج في السوق الأمريكية، ويريد من شركة X أن تكون العمود الفقري لتطبيقه الخارق، ولذلك حرص على التخلص من تويتر وعلامتها الزرقاء في سبيل تحقيقه.

في جوهر هذا التطبيق الخارق، تعد خاصية الحظر إشكالية من حيث المبدأ، فمن أجل ضمان نجاح التطبيق يجب أن يكون هناك تواصل مستمر لا يخضع للحظر بأي شكل من الأشكال (ولكن للكتم في بعض الحالات الخاصة). ولذلك، قد يكون وراء المنطلقات الليبرالية لإيلون ماسك دوافع اقتصادية خالصة. في نهاية المطاف، لا يعد إيلون ماسك مصلحاً اجتماعياً، بل رجل أعمال وريادياً يهمه بشكل أساس تحقيق الربح والتوسع الاستثماري.

لا شك أن تويتر كمنصة تدوين للنصوص القصيرة قد باتت تختفي رويداً رويداً عن عالمنا. فروح تويتر تتلاشى مع كل مرة ينفذ فيها ماسك تحديثاً جديداً من تغيير اسم العلامة التجارية إلى حذف بعض الخصائص التأسيسية.

بالنهاية، هناك شيء آخر يلوح في الأفق ولا أحد يملك القول اليقين حول ماهيته، قد يكون تطبيقاً فائقاً كما صرح بذلك إيلون ماسك أكثر من مرة، ولكن لا أحد يملك الجواب اليقيني. توجد فقط تلميحات تصدر من هنا وهناك، آخرها ما صدر عن المدير التنفيذي ليندا ياكارينو بالقول "نحن نبني شيئاً أفضل من الوضع الحالي من الحظر وكتم الصوت" موضحة أن هناك المزيد في الأيام القادمة داعية المستخدمين إلى الترقب.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي