هل تنجح محاولات الإطاحة بـ"ملك العملات"؟

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

حصة الدولار من احتياطي النقد الأجنبي لدى المصارف المركزية حول العالم تراجعت

  • Author, أمير رواش
  • Role, بي بي سي نيوز عربي - لندن

ظل الدولار الأمريكي متربعا على عرش العملات عالميا على مدار عقود، لكن محاولات إنهاء هيمنته على المعاملات التجارية الدولية تتصاعد وتيرتها من حين لآخر.

"هدف إنهاء الاعتماد على الدولار في علاقاتنا الاقتصادية لا رجعة فيه"، هكذا تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمة مسجلة شارك بها في قمة تكتل الاقتصادات الناشئة الرئيسية "بريكس"، التي استضافتها جوهانسبرغ الأسبوع الحالي وشارك فيها قادة الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.

لكن سقف طموحات الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا بدا أعلى، إذ حث قادة التكتل على إنشاء عملة مشتركة لتستخدم في التبادل التجاري في ما بينها.

ولا يمكن إغفال أهمية اقتصادات "بريكس"، فأعضاء التكتل حاليا يمثلون أكثر من 40 في المئة من سكان العالم ونحو 25 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي. كما وجهت الدعوة لست دول أخرى للانضمام إليه، ومن بينهم حلفاء للولايات المتحدة، مثل السعودية والإمارات.

ولكن الإطاحة بـ"ملك العملات"، الذي يحوز نصيب الأسد في الاحتياطي النقدي العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، يحتاج إلى إجراءات واسعة كي يصبح واقعا ملموسا، وإلا بقي مجرد أمنيات تراود أفكار أصحابها.

  • انضمام السعودية ومصر والإمارات لعضوية مجموعة بريكس
  • قمة بريكس: لماذا تطلب دول عربية الانضمام إلى المجموعة؟

ما أهمية الدولار في الاقتصاد العالمي؟

مع أن حصة الدولار من احتياطي النقد الأجنبي لدى المصارف المركزية حول العالم تراجعت، إذ أفادت تقارير دولية بأنه سجل نسبة 58 في المئة خلال الربع الأخير من العام الماضي، ليبلغ أدنى معدل له على مدار عقدين، يتوقع خبراء أن تظل اللاعب الرئيسي بين عملات الاحتياط النقدي عالميا خلال العقد المقبل.

وكما تبين منذ انحسار أزمة تفشي وباء كورونا، فإنه عندما يقرر المسؤولون في الولايات المتحدة رفع أسعار الفائدة، فإن صدى ذلك يتردد في دول أخرى.

وتحرص البنوك المركزية في أنحاء العالم على تعزيز احتياطي النقد الأجنبي لديها كي تستخدمها في معاملات تجارية دولية وللتعامل مع أي أزمات اقتصادية قد تواجه اقتصادات بلدانها.

ويستخدم الدولار الأمريكي لتسعير بعض السلع الأساسية في العالم، ومن بينها النفط. ولذا، فإنه إذا تراجعت قيمة العملة المحلية لدولة ما بنسبة كبيرة أمام الدولار، تصبح السلع التي تُسعر بالدولار أكثر تكلفة، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة ومعدلات التضخم.

كما يميل المستثمرون إلى شراء الدولار عندما يعاني الاقتصاد العالمي من ضغوط، فالعملة الأمريكية تعد "ملاذا آمنا" في أوقات الأزمات، لأن اقتصاد الولايات المتحدة هو الأكبر في العالم.

  • لماذا لا ينزعج الروس من هبوط الروبل إلى مستويات قياسية؟
  • هل تحاول الولايات المتحدة القضاء على العملات الرقمية؟

لماذا ترغب بعض الدول في تقليل الاعتماد على الدولار؟

بعض الدول النامية ترى أن هيمنة الدولار على المعاملات التجارية يضر باقتصاداتها، وتخشى أن يؤثر تقلب سعره على الاستقرار الاقتصادي لديها، ومن ثم فهي تعمل على تغيير الوضع القائم منذ عقود طويلة.

فروسيا، على سبيل المثال، واجهت صعوبات كبيرة بعد العقوبات الغربية عليها وإقصائها من المنظومة المالية العالمية العام الماضي إثر غزو أوكرانيا العام الماضي. ويقف ذلك وراء رغبة بوتين القوية في التخلص من الاعتماد على الدولار.

وقبل أشهر قليلة، حذرت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين من أن العقوبات الغربية على موسكو ربما تشكل خطرا على هيمنة الدولار.

أما الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فتعمل منذ أمد من أجل زيادة استخدام اليوان في المعاملات التجارية الخارجية، بهدف تعزيز أهمية عملتها دوليا.

صدر الصورة، Reuters

التعليق على الصورة،

الصين تريد زيادة استخدام عملتها في المعاملات التجارية مع الدول الأخرى

ويرى الرئيس البرازيلي أن الدول التي تستخدم الدولار لا يجب أن تجبر على اعتماده في المعاملات التجارية. وقال لولا دا سيلفا أثناء مشاركته في قمة بريكس إن اعتماد عملة مشتركة بديلة تستخدمها دول التكتل "تزيد من خيارات الدفع وتقلل المخاطر المحتملة".

ولا يقتصر الأمر على هذه الدول، فقد أبدت السعودية، الغنية بالنفط، أيضا انفتاحا على فكرة استخدام عملات أخرى إلى جانب الدولار.

كما أخذت بعض البلدان إجراءات من أجل تعزيز استخدام العملات المحلية. فعلى سبيل المثال، أعلنت الإمارات والهند في يوليو/تموز الماضي عن اتفاق بشأن استخدام الدرهم الإماراتي والروبية الهندية في المعاملات بين الجانبين.

ماذا نعرف عن اتفاق الصين والبرازيل بالتخلي عن التعامل بالدولار بينهما؟
كيف تؤثر حرب أمريكا التجارية مع الصين على الناس العاديين

هل يواجه الدولار خطرا؟

تخطى البودكاست وواصل القراءة

بودكاست أسبوعي يقدم قصصا إنسانية عن العالم العربي وشبابه.

الحلقات

البودكاست نهاية

في الواقع تواجه محاولات تقليل الاعتماد على الدولار في التعاملات التجارية بين الدول تواجه تحديات عدة. فما يعرف بـ"إلغاء الدولرة" في الاقتصاد العالمي يحتاج إلى توافق على نطاق واسع بين مصدرين ومستوردين ومؤسسات مالية حول العالم على استخدام العملات المحلية، أو عملة بديلة - وهي أمر مستبعد في المدى القريب.

ولا تزال فكرة عملة مشتركة لدول بريكس، مجرد اقتراح ولا يوجد توافق عليه أو آلية واضحة لتطبيقه. وربما يكون الرئيس البرازيلي وحده أبرز المتحمسين لها، فقبل قمة بريكس الأخيرة، قال المنظمون إن مقترح العملة المشتركة لم يدرج على أجندتها.

كما أن اقتصاد الولايات المتحدة هو الأكبر في العالم، ولذا فإن عملتها تعد ملاذا آمنا بالنسبة لكثير من المستثمرين.

لكن مسؤولين أمريكيين يدركون أن الدولار يواجه مستقبلا محفوفا بالمخاطر بسبب العقوبات المالية التي تفرضها واشنطن على دول أخرى، في بعض الأحيان، إذ توجد مخاوف من أن يعطي ذلك دفعة للبحث عن بديل، وهو ما يقوض هيمنة الدولار على المدى البعيد.

ويتوقع خبراء أن يظل الدولار يلعب دورا محوريا في الاقتصاد العالمي خلال الأعوام المقبلة، رغم التحديات الماثلة. وترى وكالة موديز أن هيمنة الدولار الأمريكي على التجارة الدولية والتمويل مستمرة لعقود، حتى لو ظهرت منظومة تعتمد على عملات متنوعة.

وعليه، فإنه في غياب بديل قوي للدولار، كما هو الحال في الوقت الراهن، سيظل "ملك العملات" في مأمن.