يعتبر منبع لمشاكي  أو عين لمشاكي كما يشتهر، منطقة فريدة الجمال ببلدية سلمى بن زيادة بأعالي جبال جيجل وهو من بين المزارات السياحية التي يقصدها الآلاف خلال موسم الاصطياف، للاستمتاع بجمال المنطقة و رصد  ظاهرة عجيبة تتكرر في المكان، فضلا عن قضاء وقت من الراحة بواد جن جن، عذب المياه، أين يحظى الزائر بسويعات من الراحة تحت ظلال الأشجار خاصة وأن أبناء المنطقة بمعية السلطات المحلية يستغلون المنبع سياحيا بشكل مقبول، عن طريق توفير جملة من الخدمات، الأمر الذي يستحسنه الزوار،  في  انتظار استغلال هذا الموقع بشكل أوسع وأفضل.

عين سحرية و واد جذاب
عين لمشاكي أو " أم الشاكي" أو العين العجيبة من بين الأماكن السياحية التي تشهد توافدا مستمرا و تعد مقصدا للزائرين طوال موسم الصيف و خلال أيام الربيع، حيث تستقطب الفضوليين و عشاق الاستكشاف و المنغمسين  في الخرافة، على اعتبار أن المكان عجيب و يتميز بظاهرة طبيعية فريدة تخص منبع المياه و مسارها، وهو ما يثير الاستغراب و يدفع البعض إلى تصديق كل ما يروج عن العين رغم دروس التوعية التي يقدمها رجال الدين و التفسيرات العلمية المحتملة.
تقع المنطقة ببلدية سلمى بن زيادة جنوب ولاية جيجل عبر محور الطريق الولائي رقم " 137أ" الرابط بين بلديتي سلمى بن زيادة و تاكسنة. لدى مرورك عبر الطريق تلمح لافتة تحدد اتجاه منبع لمشاكي على بعد 4 كلم، وهو مسلك منحدر تمت تهيئته نسبيا، تتواجد على طوله عشرات المركبات التي يقودها أصحابها باتجاه العين منذ ساعات الصباح الأولى، لتتوقف تباعا في حظيرة للركن أنشأتها مصالح البلدية و قامت بتوسعتها و كرائها للخواص.
أول ما يشد انتباهك عندما تبلغ المنطقة هو روعة المناظر الطبيعية، و صوت خرير مياه واد جن جن المتواري بين  الأشجار الكثيفة التي تملأ الفضاء الغابي ستشاهد أيضا، شبابا يقومون بتنظيف المكان و جمع القمامة في كل مكان، حرصا على المكان الذي يتوفر على مرحاض عمومي بجوار حظيرة المركبات.
 تتوزع الطاولات والكراسي على امتداد ضفة الوادي  كما توجد نقاط لبيع المنتجات الحرفية تنتشر عموما عبر الطريق نحو المنبع العجيب، وتفضل العائلات في العادة الجلوس قرب المياه العذبة قصد الراحة و الاستجمام و السباحة.
 قالت سيدة، بأنها زارت المكان من أجل اكتشاف المنبع العجيب، و قد أعجبها الموقع بكل تفاصيله خاصة وأنه بمحاذاة الوادي، معلقة: " في وقت سابق دفعني الفضول لزيارة عين المشاكي و عند قدومي رفقة زوجي و الأولاد أعجبت بالمكان كثيرا، الفضاء ملائم لقضاء ساعات من الراحة و الاستمتاع بالمياه العذبة، يمكنك أن تختار زاوية تحت الأشجار و تسبح بكل أريحية، أنا اليوم من الأوفياء للمنطقة أزورها مع عائلتي مرارا و لا أمل لأن جمالها خلاب". و ذكر آخرون بأن فضول اكتشاف العين السحرية هو ما قادهم إلى المنطقة التي تسحر        وتسر الناظرين، مثمنين مبادرات شبابها لتطوير  الخدمات الضرورية لضمان تجربة مريحة للزائرين    من خلال توفير أكشاك تقدم مختلف المأكولات في شكل مطاعم عائمة زينت الوادي، وهو ما لم يمن متوفرا قبل سنوات، إذ كانت زيارة المنطقة تستوجب تحضيرات كثيرة بداية بإحضار الطعام و الماء و الكراسي أو ما يقتضيه الجلوس غير أن الاستثمارات الشبانية البسيطة غيرت وجه المكان وحولته إلى محطة سياحية مريحة.
كثير من الخرافة و قليل من الخدمات
و أوضح، أحد الشباب، بأن فكرة تطوير المنطقة و توفير الخدمات لقيت استحسان الزائرين، خاصة ما تعلق بمحلات الإطعام التي تقدم مأكولات تقليدية و عصرية   بأسعار تنافسية، و هي فرصة حسبه، للشباب حتى يوفروا دخلا و يجيدوا استغلال الصيف.
أكثر ما يبحث عنه الزوار هو المنبع العجيب إذ يجولون في كل اتجاه لبلوغه، وهو مكان جميل وهادئ رغم  العدد الكبير للفضولين الذين يتجمعون حوله أو بمحاذاته يراقبون حركة المياه التي تتدفق في شكل شلال من فتحة بين الصخور أسفل الجبل تتميز بصفائها و عذوبتها، أما الغريب في الأمر فهو طريقة جريانها إذ تنزل بغزارة لمدة عشر دقائق تقريبا، ثم تتوقف فجأة لزمن غير محدد قد يتجاوز 40 دقيقة في بعض الأحيان.
وجدنا في المكان عائلة فتقربنا من أفرادها، قال الأب بأنهم مصطافون من تلمسان، يقضون العطلة بجيجل، وقد أرادوا كسر روتينهم اليومي و مغادرة الشاطئ للاستمتاع بصورة طبيعية مختلفة، حيث دلهم أحد أبناء المدينة على العين الفريدة و حدثهم عنها فحمسهم لزيارتها" ، وحسب مواطن من المنطقة، فإن العديد من الزوار يقصدون النبع بناء من باب الفضول، نظرا لما يسمعونه عنه من خرافات ومعتقدات، كالقول بأن مياهه علاجية و تشفي من مختلف الأمراض المزمنة، كما يشاع بأنها تزيل أثر السحر والعين وتشفي من العقم و معتقدات أخرى حول طرد النحس وتسهيل السبيل نحو الزواج و الإنجاب و كل ذلك من التصورات الخاطئة.
وأصل تسمية عين المشاكي، حسب محدثنا، هو            " أم الشاكي"، وقد شاع في سنوات غابرة عن شيوخ  المنطقة بأن المشاكي منبع ومكان صالح لا ينفع ماؤه إلا أبناء بني فوغال أو الأشخاص الصالحين            والطيبين وهي مجرد أقاويل لا أساس لها من الصحة.
في انتظار تفسير علمي يسقط الخرافة
منبع المشاكي، من بين المواقع التي ذكرت عبر التاريخ حيث سبق أن أكد الباحث في التاريخ سفيان عبد اللطيف في حديثه للنصر، بأن  الموقع يقع على الطريق الفينيقية القديمة بين الحاضرتين إيجيل وصيدا، على ضفتي وادي جندين المسمى (تابلوط)، وقد ورث الرومان هذا الممر وسلكوه إلى مدينة كويكول (جميلة)، وقال بأنه من غير المستبعد أن يكونوا بحثوا عن مياه صالحة للشرب.
 و أوضح محدثنا، بأن الخرافات حامت بالمكان مند القدم حيث أطلقت قبائل كتامة البربرية خرافة حول العين تقول بأنها عين الآلهة التي تشفي المرضى، وقد وجدهم الفاتحون المسلمون على هذا المعتقد عندما جاء الداعي أبو عبد الله إلى المنطقة، وذكر المراكشي صاحب كتاب (الاستبصار في عجائب الأمصار) الأمر في القرن 06 الهجري (الموافق لـ 12 الميلادي)، و نقله عنه الإدريسي صاحب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) في القرن  الثاني عشر ميلادي أيضا.
جاء في الكتاب مايلي " وبها العين المعروفة بعين الأوقات ومن غريب أمرها أنها تجري في أوقات الصلوات وتجف في غير ذلك)، و أوضح الباحث، بأن هذا التصور بقي سائدا لمدة طويلة، إذ ظلت العين ملاذا للشاكين و طالبي البركات و غيرهم، فأطلق عليها اسم (المشاكي) واستمر معها  هذا الاسم إلى اليوم، مضيفا بأنه في القرن الحادي عشر، تمت الإشارة إلى منبع المشاكي من طرف الجغرافي والرحالة الأندلسي أبو عبید البكري الذي تحدث عن وجود منبع في جبال كتامة یحمل اسم "عین الأوقات" قبل أن یصبح الاسم "عین أو منبع المشاكي "  وكشفت البحوث، بأن الموقع كان أيضا موضوع دراسة في عام 1941 م، من قبل المكتب الفرنسي للبحوث الجيولوجية و المنجمية.
ولا توجد حاليا دراسات ميدانية لفهم الظاهرة التي حيرت البشر، سوى بعض التفسيرات التي تربط حركة المياه بالتجاويف و الكهوف الموجودة على مستوى جبل المائدة، وهي كثيفة متعددة تسمح بالتحكم في جريان المياه الجوفية و إعطائها إيقاعا.
كـ. طويل