نعوم يتحدث لـ”الأيام24″ عن التدخل الفرنسي بالغابون ومستقبل العلاقات المغربية الغابونية بعد الانقلاب


 

لازمت ظاهرة الانقلابات العسكرية القارة الافريقية، خاصة على مستوى جنوبها ووسطها، منذ ستينيات القرن الماضي، لتصل، إلى حدود اليوم، إلى أزيد من 188 انقلاب، بمعدل حوالي أربع محاولات سنويا.

 

ولم تتمكن الدول التي سعت إلى تلك الانقلابات العسكرية المتتالية، من النهوض بأوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، نظرا لتوغل الأيادي الأجنبية التي طالما سعت إلى زعزعة أمن واستقرار الدول الافريقية لتتمكن من نهب خيراتها والاغتناء بثرواتها الطبيعية.

 

في المقابل تنعكس هذه الانقلابات سلبا على شعوب القارة الإفريقية، والتي تظل قابعة في الفقر والمجاعات، وحبيسة لأنظمة استبدادية غير شرعية تتحكم فيها بطرق بشعة، وتستغل قلة حيلتها بالكثير من السلطوية الماكرة.

 

ولعل آخر هذه الانقلابات العسركية، ذلك الذي أعلن يوم الأربعاء المنصرم بجمهورية الغابون من طرف ضباط كبار في الجيش الغابوني، حيث أعلنوا استيلاءهم على السلطة في بيان متلفز من القصر الرئاسي، عقب إعلان لجنة الانتخابات فوز الرئيس علي بونغو بولاية ثالثة.

 

وقد اتسمت الأوضاع بالغابون بعد أحداث الانقلاب العسكري بالكثير من الترقب والحذر، وأعلنت العديد من الدول عن تتبعها للتطورات عن كثب، وعلى رأسها المملكة المغربية التي عبرت عن ثقتها في حكمة الأمة الغابونية وقواها الحية ومؤسساتها الوطنية، للسير قدما نحو أفق يتيح العمل من أجل المصلحة العليا للبلد، وصون المكتسبات التي تحققت والاستجابة لتطلعات الشعب الغابوني الشقيق.

 

ولمناقشة هذا الموضوع، استضافت “الأيام24″، عبد الفتاح نعوم، الخبير في العلاقات الدولية، للحديث عن الوضع القائم بالجمهورية الغابونية بعد إعلان الانقلاب، وعن الأيادي الأجنبية المتدخلة والمتداخلة في هذا الانقلاب، وكذلك للحديث عن مدى انعكاس الانقلاب العسكري بالغابون على  العلاقات والمصالح المشتركة بين ليبروفيل والرباط.

 

وفي ما يلي نص الحوار كاملا:

 

كيف تنظرون إلى الوضع القائم بدولة الغابون بعد الانقلاب العسكري الذي قاده ضباط كبار في الجيش؟

 

أعتقد أن الإنقلاب العسكري الذي شهدته الغابون يلتقي من ناحية مع موجة الإنقلابات التي شهدها غرب ووسط إفريقيا، وتحديدا كل من “النيجر، وغينيا، وبوركينا فاسو، ومالي. وذلك طيلة السنتين الماضيتين، وزادت حدتها خلال هذه الفترة، وهي الموجة التي تنذر أيضا بخطر تكرار حدوثها في دول أخرى، ولذلك نجد بعض قادة الدول كالكاميرون ورواندا قد سارعوا إلى إحداث تغييرات في التشكيلات والقيادات العسكرية بهذين البلدين.

 

غير أن الوضع في الغابون مختلف عن الوضع في النيجر ومالي ومنطقة الساحل والصحراء، باعتبار البنية الديمغرافية للبلد وطبيعة مؤهلاته الإقتصادية وبنيان الدولة وغيرها من الاعتبارات التي جعلت الحالة الانقلابية في الغابون أقل هدوءا من غيرها.

 

وذلك فمنحى الأحداث في الغابون أخذ ملمحا ربما ذا طبيعة سياسية أكثر، وكأنه تصريف لخلاف بين الجيش وبين الرئيس علي بونغو فيما يتعلق بالانتخابات وتفاصيلها.

 

هذا لا يعني أنه ليست هناك تدخلات أجنبية تتعلق بالحالة الغابونية أيضا، نتحدث هنا عن الأجندة الفرنسية والتي تتراوح بين دعم هذه الإنقلابات أو بإحداثها وتشجيعها، وبين الإصطفاف إلى جانب الرؤساء المعزولين كما حصل في النيجر، وهذا من شأنه أيضا تأجيج الأوضاع وتأزيمها، باعتباره تدخلا في شأن داخلي لبلد يعيش أزمة أو محطة انتقالية.

 

والأكيد أن فرنسا قد خسرت الكثير من مواقعها في القارة الإفريقية، وهي مرشحة للمزيد من الخسارة لأن الدولة الفرنسية بحد ذاتها في وضع إنكماش وتقهقر، وبالتالي فإن الوعي الذي انبثق في القارة الإفريقية مؤداه النهائي سيكون حتما هو لفظ فرنسا من القارة الإفريقية.

 

ما مصير المصالح المغربية بدولة الغابون؟ وهل سنشهد وساطة من طرف المملكة لتدبير مرحلة ما بعد الانقلاب؟

 

في تقديري المغرب يبني علاقاته سواء في الغابون أو على مستوى دول العالم على مبدأ الاستقرار والثبات، وتتسم علاقاته الدولية بالجدية والعمق، لأنه وإن كانت العلاقات مع الدول تمر إلزاما من ممر النخب التي تترأس الدول سواء تعلق الأمر بالرؤساء، وقادة الجيوش، والنخب اقتصادية والسياسية، إلا أن عمق العلاقات الدولية مبني أساسا على مد حبال الثقة والصدق مع الشعوب ومع النخب المثقفة، ولذلك فعلاقات المملكة المغربية الدولية عموما تتسم بالديمومة والاستقرار والثبات، وهذا ما لاحظناه أيضا على مستوى موقف الخارجية المغربية، التي قدمت موقفا هاما للغاية اتضح في كون المغرب وجه نداءا للأمة الغابونية بكل أطيافها، باعتبار أن المغرب في نهجه السياسي الخارجي لا يصطف أبدا مع أحد أطراف أزمة معينة في بلد معين، لأن هذا يعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية لدولة معينة، والمغرب يرفض بشدة هذا الأمر.

 

في المقابل تستغل المملكة مخزون الثقة والمصداقية الذي تتمتع بها لدى الدول والشعوب والمؤسسات من أجل رأب الصدع والوساطة وتقريب وجهات النظر، والمغرب يتصرف من منطلق دولة لها كل مقومات الزعامة والريادة ولا يتصرف بمنطق الدول التي لديها سلوك سياسي خارجي ذو طبيعة مرتبكة ومزاجية.

 

ومن هذا المنطلق فمصالح وعلاقات المغرب مع الغابون ستستمر، اعتبارا الى  أن المغرب في علاقاته مع الدول غالبا ما تلمسها الشعوب من خلال ما تقدمه المملكة من مشاريع مفيدة للشعوب سواء على مستوى البنيات التحتية، أو التعاون على مستوى اليد العاملة وسوق الشغل وغيرها من الخدمات الصحية والتعليم. فالمغرب يبني علاقته أولا وأخيرا مع الشعوب قبل الرؤساء والحكام. ومتى ما حصل خلاف في بلد معين حول السلطة، فالدبلوماسية المغرب تعتبر المسألة بمثابة مرحلة انتقالية وأزمة بحاجة إلى إدارة وساطة او إلى حياد على الأقل، وليس إلى اصطفافات قد تزيد الطين بلة.

 

باعتقادكم، هل الانقلاب بالغابون وقبله النيجر وغيره كان حتما قرارا داخليا أم أن هناك أيادي أجنبية خفية تريد زعزعة أمن وإستقرار الدول الافريقية واحدة تلو الأخرى؟

 

أستطيع القول إن القارة الافريقية أصبحت تعرف في الفترة الاخيرة الكثير من المتدخلين، ومن بين ما يثبت ذلك أننا على بعد أيام قليلة من انعقاد مؤتمر هام للأمن بين الصين والدول الافريقية، على إيقاع تزايد بناء القواعد العسكرية الصينية في القارة الافريقية، أيضا هناك روسيا ونشاطاتها التي باتت ملحوظة ومعروفة للجميع سواء من خلال غطاء فاغنر أو خارجه، فرنسا كذلك أصبحت أدوارها السلبية معروفة في القارة الافريقية، وهي أدوار في مجملها تستثمر في لا استقرار الشعوب الافريقية، وبالتالي هناك طبعا أيادي معلنة وليست خفية في انقلاب الغابون، والمتمثلة أساسا في التدخل لصالح الرئيس، ليس من باب إحقاق حق له، ولكن من باب توتير الأجواء فقط وتأزيمها، وهذا ليس بالأمر الجديد على فرنسا، اذ طالما دعمت منظمات متورطة في جرائم حرب، كما هو شأن حالة “رواندا” على سبيل المثال، إضافة إلى مسؤوليتها عن ظاهرة العسكريتارية في القارة السمراء، حيث ان فرنسا هي من صنعت معظم الأنظمة بهذه الطريقة في القارة الافريقية، وكثير من دول القارة التي كانت عبارة عن مستعمرات فرنسية سابقة صنعت هي ونخبها وحدودها ومشاكلها بأيادي فرنسية. بل حتى الدول التي كانت قائمة بأنظمتها الوطنية سعت فرنسا دائما الى الإضرار بسلامة أراضيها وزعزعة استقرارها.

 

في المقابل حينما يقع الانقلاب في بلد معين ترى فرنسا أن الانقلابيين لهم مزاج مختلف مثل حالة النيجر ومالي وبوركينافاسو ، حيث نجد أن فرنسا تأخذ منحى وأسلوب في غاية الخبث، كدعمها مثلا لمن تسميهم رؤساء شرعيين، والذي يكون فقط عبارة عن غطاء سياسي لإحداث المزيد من الزعزعة والصراعات وهذا موضوع في غاية الخطورة لأنه يزيد الطين بلة، وفرنسا واعية بذلك، خصوصا وأن بعض النخب والقيادات العسكرية في القارة الافريقية مدعومة من روسيا مباشرة. وبالتالي هناك تعقيدات أجنبية تفاقم الوضع الداخلي، لكن هذا لا ينفي وجود فوالق وعوامل داخلية تتمثل في العسكرتارية وظاهرة انقضاض الجيوش على السلطة في القارة السمراء وهي كما يعلم الجميع ظاهرة قديمة ولازمت دول هذه القارة.

 

 

تاريخ الخبر: 2023-09-02 00:10:01
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 68%
الأهمية: 73%

آخر الأخبار حول العالم

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:39
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:45
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية