لم تهدأ الأحداث الدامية التي شهدتها محافظة دير الزور، بعد أسبوع من المعارك اشتبكت فيها قوات سوريا الديمقراطية مع من وصفتهم بالخارجين عن القانون من مجلسها العسكري في المدينة والمقاتلين المتسللين من غرب الفرات الذين يقودهم نواف البشير، شيخ عشيرة البكارة المدعوم من الحكومة السورية والموالين لإيران.
جاءت هذه الأحداث متزامنة مع مظاهرات اندلعت في السويداء، ردّا على سوء الأوضاع المعيشية في المدينة.
ما العامل المشترك؟
أمام هذه التطورات، كشفت مصادر إعلامية عن إعلان لما أسمتها بالقوى السياسية والوطنية في جبل العرب، التي تحضّر لإطلاق مؤتمر سياسي يبحث مستقبل البلاد خلال الأيام القليلة القادمة.
أفادت أن أهداف هذه القوى تكمن بتشكيل لجان محلية تدير ملفات خدمية واقتصادية وسياسية في السويداء، وسد الفراغ الذي أحدثه ما وصفته بفساد المؤسسات الحكومية، مشيرة إلى طرح القوى الوطنية لمفهوم اللامركزية والإدارة الذاتية خلال مؤتمرها.
بدوره، أوضح الصحافي سمير الناشط من السويداء، والذي فضّل عدم الكشف عن اسمه الكامل لـ"العربية.نت"، عن وجود جسور للتواصل بين المعنيين في الإدارة الذاتية شرق الفرات وآخرين في السويداء لاسيما خلال الأعوام الأخيرة الماضية، وكذلك عن حضور شخصيات درزية لمؤتمرات ودعوات شمال شرق سوريا.
بدوره، أعرب الكاتب الصحافي الكردي محمود بشار عن اعتقاده بأن البعض في السويداء متأثرون بتجربة الإدارة الذاتية ويعتبرونها النموذج الأقرب إليهم، كي يتمكن السكان المحليون هناك من إدارة منطقتهم وحمايتها من أي تهديد محتمل لاسيما بعد التجارب المريرة لهجمات داعش الدموية المتكررة عليهم.
دير الزور والسويداء
في المقابل، ربط مدير مكتب وكالة "نورث برس" الإخبارية في مدينة الرقة زانا العلي، أحداث دير الزور بتسريبات أميركية حول عزل الحدود السورية عن الأردن والعراق، قبل اعتقال المدعو أبو خولة الذي كان على خلاف واضح مع قوات سوريا الديمقراطية.
سبق ذلك كما أشار لـ"العربية.نت"، نية أميركية وغربية سربتها وكالة إعلام أجنبية بعزل الحدود العراقية، ووصل مدينة البوكمال التي تسيطر عليها إيران وعناصرها بالجنوب السوري، وهو ما بات يقلق طهران.
وبيّن العلي النوايا الحقيقية للموقف الأميركي وغرضه تشكيل جسم عسكري جديد مهمته عزل الحدود السورية مع العراق والأردن قوامه العشائر العربية والجهات التي تعادي إيران في سوريا بما فيها فصائل معارضة متطرفة، انطلاقاً من استثمار العداء بين المذاهب، وهو ما دفعها للتنسيق مع أبو خولة لضرب القواعد الأميركية، الأمر الذي دفع قوات سوريا الديمقراطية لاعتقاله برضى أميركي.
كما رأى أن ما شهدته دير الزور ما هو إلا إعادة لخلط الأوراق من جديد وترتيبها لوضع حجر الأساس لمخطط أميركي قادم لم تكتمل معالمه بعد لذا تسعى واشنطن لحماية قواعدها قبل كل شيء.
ونوه بأن إيران حاولت استثمار أحداث دير الزور لأجندتها التوسعية شرق الفرات عبر استقطاب العشائر العربية من حضن واشنطن إليها، وعملت على قلب الموازين، خاصة أن بوادر تلك التسريبات بدأت تتكشف لاسيما مع احتدام المظاهرات في السويداء، الأمر الذي أقلق إيران حين أرعبتها مطالب أهالي السويداء بإدارة ذاتية على غرار تجربة شمال وشرق سوريا.
وتابع قائلا إن إيران ومعها الحرس الجمهوري دفعا في مايو الفائت، تعزيزات عسكرية وأسلحة إلى دير الزور، تحضيراً لما حدث في شرق الفرات الآن، وإثارة الفوضى، حيث كانت مهمة الحرس الجمهوري إدارة وتوجيه الخلايا تحت مسمى المقاومة الشعبية، بالتنسيق مع المدعو أبو خولة، بهدف ضمان التوتر بالقرب من القواعد الأميركية.
في ذات السياق، رأى محمود حبيب، الناطق الرسمي لقوات الشمال الديمقراطي المنضوي تحت مظلة قسد، أن أحد أهم الأسباب لاندلاع الأحداث في دير الزور التغطية على حراك الشعب السوري في السويداء، معتبرا أنها مناورة من النظام السوري وحلفائه لتخفيف الضغط الإعلامي.
وأشار إلى أن ريف دير الزور الغربي يتململ من التمدد الإيراني وتحكمه بكل مفاصل الحياة هناك، وأخذ كل مقدرات المنطقة البشرية والاقتصادية رهينة لمشروع طهران، ففي حال انزلق الوضع وخرج عن السيطرة وتأثر بمظاهرات السويداء وهذا أمر متوقع، فسيكون وضع الحكومة السورية وإيران حرجاً للغاية، ويكونان مضطرين للمواجهة على جبهتين.
تغيير خرائط النفوذ
كما أكد أن إيران ودمشق وبدعم روسي كانتا خلف إثارة البلبلة في محافظة دير الزور في محاولة لتغيير خريطة السيطرة وتنفيذ مخطط يهدف لنقل الصراع إلى المجال الحيوي لتواجد قوات التحالف الدولي، و ذلك استباقاً لما يعتقد أنها حرب قادمة على مواقع إيران وميليشياتها غرب الفرات، وكذلك للتغطية على ما يحدث في السويداء.
كذلك لفت إلى الدور التركي المعادي لقسد ولمشروع الإدارة الذاتية، حيث أشعلت بالتوازي مع هذه الأحداث جبهات القتال في مدينة منبج وعين عيسى وتل تمر.
وحول ما تم تداوله من لقاء نسب لأحد الصناديد (أحد ألوية قوات سوريا الديمقراطية) وتشكيل قوات عشائرية منفصلة عن قوات قسد في دير الزور على أنه طرح أميركي يهدف لمواجهة إيران.
إلى ذلك، وصف الصحافي محمود بشار، الحرب الإعلامية التي رافقت أحداث دير الزور الأخيرة بـ"القذرة"، وتحدث عن المنصات والمؤسسات الإعلامية المحسوبة على المعارضة السورية المرتبطة بتركيا والتي اعتمدت خطاب الكراهية والترويج لفكرة العنف وتصفية الآخر المختلف، وفق تعبيره .
اشتباكات بين "قسد" والعشائر العربية في دير الزور
اشتباكات بدير الزور ومظاهرات بالسويداء
يشار إلى أن اشتباكات اندلعت في بعض قرى ريف دير الزور الشرقي بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بعد عزل الأخيرة لقائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل.
وأعلنت بعدها قوات سوريا الديمقراطية شنّ "عملية لتعزيز الأمن" في مناطق سيطرتها ضدّ تنظيم داعش وما وصفتها بـ "عناصر إجرامية متورطة في الاتجار بالمخدرات ومستفيدة من أعمال تهريب الأسلحة".
وبعد سقوط عشرات القتلى، نفت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أن تكون الاشتباكات الدائرة في دير الزور حرباً بينها وبين العشائر العربية.
كذلك أكدت القيادة العامة لتلك القوات المدعومة من الولايات المتحدة، في بيان السبت الماضي، أن محاولات تصوير الأمر على أنه قتال مع العشائر لا يهدف إلا لخلق "الفتنة".
كما شددت على أن الاشتباكات الجارية هي مع مسلحين موالين لتركيا وعناصر تابعة لجهات أمنية للنظام، مضيفة "على عكس ما يقال ليس هناك أي خلاف بين قسد وعشائر المنطقة ونحن على تواصل دائم معهم".
تحول درامي في احتجاجات السويداء السورية
وأضافت أن "عملية تعزيز الأمن تمت بناء على طلب أبناء دير الزور وشيوخ ووجهاء العشائر وهم مطلعون على مجرياتها".
أما في السويداء، فقد دخلت الاحتجاجات في المحافظة جنوب سوريا، أسبوعها الثالث دون توقف، وذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
وتواجه سوريا منذ سنوات أسوأ أزمة اقتصادية تعرضت لها بتاريخها، أدت لانخفاض قيمة العملة إلى مستوى قياسي بلغ 15500 ليرة مقابل الدولار الشهر الماضي في تراجع متسارع بعد أن كانت 47 ليرة مقابل الدولار في بداية الصراع قبل 12 عاما.
