لم تستسغ جبهة “البوليساريو”، موقف الولايات المتحدة الأمريكية الداعم لـ”الواقعية” في اتجاه تسوية النزاع الإقليمي القائم حول الصحراء، وهو ما ظهر في تصريح لزعيم الجبهة وبيان صدر عنها غداة لقاء جمع إبراهيم غالي بنائب مساعد وزير الخارجية والمكلف بشمال إفريقيا بوزارة الخارجية الأمريكية، جوشوا هاريس، نهاية الأسبوع الفارط.
الخارجية الأمريكية، أفادت في منشور لها حول اللقاء المذكور، بأن هاريس عبر عن أهمية “الدعم الكامل والمشاركة مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا، بروح الواقعية والتسوية، بينما يكثف الجهود لتحقيق حل سياسي دائم وكريم للصحراويين”، ليعقب ذلك تصريح لزعيم “البوليساريو”، انبرى فيه إلى إعلان التشبث “بتنظيم الاستفتاء”، إضافة إلى إصداره بيانا جاء فيه أن “الدخول في متاهة المصطلحات الفضفاضة من قبيل “الواقعية” وغيرها، لن يقود إلا إلى تعميق حالة الجمود وبالتالي تقليص فرص التوصل للحل السلمي الدائم وزيادة حدة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة”.
ويحيل موقف مبعوث إدارة الرئيس الأمريكي إلى شمال إفريقيا، على مواصلة واشنطن دعمها لمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحتها الرباط عام 2007 لإنهاء نزاع الصحراء الذي يمتد لأكثر من 47 سنة، لاقتناعها بكون مقترح المغرب الذي يحظى بإجماع أممي واسع، يبقى هو “الحل الأكثر مصداقية وواقعية وقابلية للتحقيق”، بعيدا عن أطروحة الانفصال التي تنادي بها جبهة “البوليساريو”، التي بات مصيرها معلقا بين خيارين اثنين، خصوصا بعد الدعم الدولي المتواصل لمغربية الصحراء.
خلفيات انزعاج “البوليساريو”
وفي تفسيره لخلفيات رد فعل جبهة “البوليساريو” المنزعج من موقف الولايات المتحدة الأمريكية الداعم لمغربية الصحراء، قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، محمد أشلواح، إن “الواقعية” التي تدعو إليها واشنطن “لا تعني شيئا آخر غير الموقف الأمريكي الصريح بمغربية الصحراء؛ فالولايات المتحدة الأمريكية لم يعد في تصوراتها لحل ملف الصحراء سوى تصور واحد وأوحد؛ وهو الحكم الذاتي الذي قدمته المملكة المغربية والذي يصفه مجلس الأمن بالجدي والواقعي”.
وأكد أشلواح في تصريح لـ”الأيام24″، أن “الولايات المتحدة الأمريكية تؤكد موقف مجلس الأمن”، مبرزا أن “معظم القرارات التي أصدرها هذا الأخير في العقد الأخير بعد تخليها وإيمانها باستبعاد ما يسمى “الاستفتاء”،خاصة بعد خلاصة “فان والسوم” وتأكيده أن هذا المقترح لم يعد له مكان من الناحية الواقعية، أصبح مجلس الأمن يؤكد على ضرورة تفعيل الأطراف المعنية بالنزاع للحل الواقعي والجدي المتمثل في مقترح الحكم الذاتي”.
وسجل المصرح أن الجبهة “لا تملك أي طرح آخر غير الالتصاق بأطروحة الانفصال المشروخة”، مشددا على أنها “عاجزة عن بلورة بدائل الحل السلمي للنزاع، ولذلك فطبيعي أن ترفض كل المقترحات الدبلوماسية التي تسعى إلى حل هذا النزاع الإقليمي بشكل نهائي”.
الواقعية بعيون أمريكية
تعني الواقعية من الناحية القانونية، يوضح أستاذ العلاقات الدولية محمد أشلواح، أحقية المغرب وسيادته على صحرائه، فيما يقصد بها بالنسبة لأمريكا أن “المغرب عمليا في صحرائه والصحراء واقعيا في مغربها”. وفق تعبير المتحدث، الذي زاد أن “الواقعية الأمريكية تفيد بأن المغرب بنى صحراءه تنمويا واقتصاديا واجتماعيا..، كما تعني أن في الأقاليم الجنوبية للمملكة هناك بعثات دبلوماسية موجودة فعلا في الداخلة والعيون، وأن هناك استثمارات أجنبية في المنطقة”.
وتابع أشلواح مفككا كيف تنظر واشنطن إلى واقعية مقترح الحكم الذاتي، بأن “التمثيلية الحقيقية لساكنة الصحراء هم المنتخبون بشكل ديمقراطي الذين استقبلوا مبعوث الأمين العام الأممي ستافان دي ميستورا مؤخرا في العيون”، ليخلص إلى أن هذه الحقائق “تضرب “البوليساريو” في الصميم وتجعلها تتفاعل سلبيا مع الموقف الأمريكي كما جاء في بيانها”.
وانتهى المحلل عينه إلى أن “الولايات المتحدة الأمريكية حسمت موقفها بخصوص ملف الصحراء”، وشرح قائلا: يعتبر “تقرير المصير” حسب منظور البوليساريو/الجزائر مجرد وَهم بالنسبة إلى واشنطن، لذلك أفهَم ممثل وزير الخارجية الأمريكي زعيم الجبهة في لقائه معه السبت الماضي، بشكل غير مباشر، بأنه لم يعد أمامه سوى القبول بالأمر الواقع أو الزوال”. بحسب محمد أشلواح.
المغرب والجزائر.. أخوة مع وقف التنفيذ بسبب “البوليساريو”
لا يكاد يُذكر اسم “البوليساريو” إلى مقرونا بجمهورية الجزائر، التي تدعمها. فتنظيم “البوليساريو” يؤكد أشلواح “تابع “للنظام” القائم في الجزائر”، لافتا إلى أن “مسألة اتخاذ أي قرار كيفما كانت طبيعته سواء فيما يتعلق بهذا الكيان أو أي أمر آخر يرجع بالضرورة أمر التقرير فيه إلى الثكنة في الجزائر، التي يبقى عسكرها بقيادة السعيد شنقريحة ومن معه أصحاب القرار في مصيرها.
ويرى المتحدث أن “بقاء النظام الجزائري”، في جزء كبير منه، يرتبط ببقاء “البوليساريو” لكونه لا بد له أن يروج أن المغرب “خطر” داهم وباستمرار، كما أن اعتقاد ذات النظام أن تحقيق ذاته “كقوة” إقليمية يستدعي إضعاف المغرب”، مؤكدا أن “الجزائر لن تقبل أبدا بحل قضية الصحراء مهما كان الأمر، لذلك دائما ما تعمد إلى إطالة النزاع ما أمكن، وترفض الانخراط في حل النزاع كطرف رئيسي فيه كما تؤكد ذلك قرارات الأمم المتحدة وآخرها القرار 2654”.
“الجزائر طرف مباشر في نزاع الصحراء”، يجزم أشلواح، مشيرا إلى أنها “في ظل “النظام الحاكم” في البلاد تعيش أسوء أيامها، خاصة بعد الفشل في تدبير الأزمات الداخلية وتفاقمها، والفشل أيضا في سياستها الخارجية وتدبير مختلف الملفات، بما فيها الدعاية لـ”البوليساريو”، إلى جانب السقطة الكبيرة في “البريكس” التي عرت سوأتها”.
وأورد أشلواح أن “الجزائر محاصرة ومعزولة إقليميا ودوليا، مما يجعلها في موقف حرج”، وهو الوضع الذ سيدفع حكامها، يضيف المتحدث، إلى “القيام بردات فعل غير محسوبة وغير متزنة، بما فيها عدم الاستجابة لمطلب الأمم المتحدة الداعي إلى الدخول في إطار الموائد المستديرة لحل قضية الصحراء، ورفض مبادرات القوى الدولية الفاعلة ومنها الواقعية الأمريكية في ملف الصحراء المغربية”.
