مئوية الشاعر نزار قباني
مئوية الشاعر نزار قباني
في كتابه (نزار قباني شاعر الحب والثورة) يقسم المؤلف الدكتور عبدالرحمن محمد الوصيفي حياة نزار الشعرية إلي مرحلتين: الأولي مرحلة الشباب وهي التي تمتد منذ صدور ديوانه الأول [قالت لي السمراء] وهو طالب في كلية الحقوق السورية, ثم عمله ثم استقالته من وزارة الخارجية عام 1966, وقد أصدر عدة دواوين تتحدث كلها عن الغزل والحب, وقد لاقت قبولا ورواجا كبيرا لدي جمهور القراء.
ويهمنا في هذا اللقاء أن نتحدث عن مرحلة النضج الفني عند نزار قباني, وهي المرحلة الثانية التي أوضحها المؤلف في كتابه والتي تمتد منذ عام 1966 إلي آخر حياته 1998, وتمثل هذه الفترة شعر نزار السياسي, فقد تفرغ للشعر قبل الهزيمة 1967 مباشرة, واستقر في بيروت, وظل غزير الإنتاج في هذه الفترة أيضا, فأنتج خلالها عشرة دواوين شعرية غنائية, بالإضافة إلي شعره السياسي الذي ضمه في مجلد واحد عام 1983 إلي جانب ديوان بلقيس, وديوان أشهد أن لا امرأة إلا أنت, وديوان قصائد مغضوب عليها, وهو يتكون من أربع وعشرين قصيدة تتكون من 154 بيتا, مقسمة إلي سبعة مقاطع.
يعد شعر نزار السياسي وثيقة أدبية رفيعة المستوي, إذ واكب الصراع العربي الإسرائيلي بكل أبعاده, وظل يدق ناقوس الخطر, ويصرخ ما وسعه الصراخ, وكانت هزيمة يونيو 1967 نقطة تحول مهمة في حياة نزار الشعرية حولته من شاعر يكتب الغزل الرقيق إلي ثائر يحول القلم في يده إلي سلاح وبندقية.. يقول:
ياوطني الحزين!
حولتني بلحظة
من شاعر يكتب شعر الحب والحنين
لشاعر يكتب بالسكين!
تميز شعر نزار في هذه المرحلة بالجرأة والشجاعة, وقد ناقش قضايا ربما لم تكن مطروحة من قبل بهذه الصراحة, فهو يتحدث عن التمزق العربي آنذاك. كما ركز نزار في شعره السياسي علي الحرية, فالكلمة غير الحرة لا قيمة لها عنده, ولا عند أي فنان حقيقي صادق, ومعني أن تكون الكلمة مقيدة هو أن تموت الكلمة ويموت الفن, ففي ظل القهر والطغيان لا يوجد مكان للفن أو للفنان, وبخاصة ذلك الفن الذي يعتمد علي الكلمة في التعبير, هذا سبب رئيسي في أن ثورة نزار الشعرية تجعل الحرية محورا قبل أي قضية أخري من قضايا الإنسان العربي, وهناك أسباب أخري, منها عمله لفترة طويلة من حياته الدبلوماسية في بلاد أوروبية مختلفة, وكان يشعر في هذه البلاد بنعمة الحرية الإنسانية التي يتمتع بها الناس, والتي تمتع بها هو خلال تنقله بين دول أوروبا المختلفة, ولا شك في أن الفترات التي أقامها نزار في الدول الأوروبية المختلفة خلال عمله الدبلوماسي قد عمقت فيه إحساسه بقضية الحرية وقيمتها وأهميتها.
قضية الحرية عند نزار قباني هي أصل الأصول جميعا في ثورته الشعرية, وهو لا يري حلا للمجتمع العربي أو للإنسان العربي إلا في توفير الحرية, فالكلمة الحرة لابد وأن تخلق شعبا حرا يفهم دوره التاريخي والحضاري جيدا, أما الكلمة الذليلة فهي بمثابة خنجر مسموم في صدر الأمة, لأنها لا تعبر عن متطلبات الشعب. نزار قباني يتألم ويحزن من أجل قضية فلسطين وعن القدس يقول:
ياطفلة جميلة محروقة الأصابع
حزينة عيناك, يامدينة البتول
حزينة حجارة الشوارع
حزينة مآذن الجوامع
ياقدس.. يامدينة الأحزان..
لكن الشاعر لا يستسلم للوعة الحزن والألم, بل يبزغ الأمل من رحم الحزن والدموع فيقول نزار: ياقدس.. يامدينتي ياقدس ياحبيبتي
غدا.. غدا.. سيزهر الليمون
وتفرح السنابل الخضراء والغصون
وتضحك العيون وترجع الحمائم المهاجرة
إلي السقوف الطاهرة ويلتقي الآباء والبنون
علي رباك الزاهرة يابلدي.. يابلد السلام والزيتون.
يتعجب نزار قباني من اعتبار الثورة علي المحتلين عملا غير مشروع, فهو يعتبر الذين يطالبون بحقوقهم الضائعة بالسلاح هم أبطال حقيقيون.. يقول:
لقد ترقم وطنا
فصفق العالم للمغامرة
صادرتم الألوف من بيوتنا
وبعتم الألوف من أطفالنا
فصفق العالم للسماسرة
وتنصبون مأتما إذا خطفنا طائرة..
ويلقي الدكتور عبدالرحمن محمد الوصيفي في كتابه [نزار قباني شاعر الحب والثورة] الذي صدر ضمن سلسلة مشاهير الشعراء للشباب وللناشئين, يلقي الضوء علي جانب هام في نزار قباني وهو كتابة النثر أيضا بجانب الشعر, ففي عام 1973 عرف الناس أن نزارا يجيد كتابة النثر اجادته للشعر, عندما بدأ يكتب في مجلة الأسبوع العربي اللبنانية في السياسة بأسلوب رائع وفريد, وقد أقبل القراء علي كتابته النثرية كما أقبلوا علي أشعاره, وقد شجع هذا علي استمرار نزار في هذا النوع من الكتابة, بل أصدر عدة كتب بالنثر هي: الكتابة عمل انقلابي.., شيء من النثر.., قصتي مع الشعر.., المرأة في شعري وفي حياتي.., ما هو الشعر؟.. وأخيرا كتاب الكلمات تعرف الغضب جزءان.
خاض نزار قباني معارك العشق شابا, ومعارك النضال الوطني شيخا, حتي وهن القلب, ولم يعد يحتمل أحوال أمته وما آلت إليه, فتوقف قلبه الكبير عن الخفقان, وانتقلت روحه إلي السماء في الثلاثين من أبريل 1998, لتطوي صفحة مشرقة في تاريخ الشعر العربي.