فصل الاختلاط... شبح الكويت الشرير


إذا ما غضضنا الطرف عن السؤال المفصلي حول أسباب احتياج دولة مدنية حديثة للجنة تعزيز قيم في برلمانها، دعونا نتناول السؤال الأكثر إلحاحاً حول استشعار هذه اللجنة الحاجة للنفخ في قربة فصل الدراسة المشتركة المثقوبة في هذه اللحظة التاريخية.

في 13 سبتمبر 2023، أربعة أيام قبل بدء الدراسة في جامعة الكويت، اجتمعت لجنة تعزيز القيم في مجلس الأمة بمدير جامعة الكويت بالإنابة، وذلك بحضور وزير التربية والتعليم العالي، وتمخض اللقاء عن قرار بإلغاء الشعب المختلطة في كلية الحقوق بجامعة الكويت، وأتى ذلك على الرغم من حقيقة أن تطبيق الفصل يأتي متعارضاً مع قرار سنة 2015 لمحكمة الدولة الدستورية، التي أوضحت أن قانون فصل الدراسة المشتركة لسنة 1996 يقتضي فصل الشباب عن الشابات داخل الفصل الدراسي، وهو لا يستلزم فصل الشعب الدراسية للجنسين. كأستاذة في جامعة الكويت على مدار العشرين سنة الماضية، كنت أنا شاهدة على حقيقة أن العديد من الشعب الدراسية هي في الواقع مفصولة تماماً، وحتى تلك التي ليست مفصولة رسمياً، هي مفصولة تنفيذياً: فبلا أي استثناء، الشباب لا يجلسون جانب الشابات مطلقاً، ونادراً حتى ما يتحدث الشباب والشابات مع بعضهم داخل الفصول الدراسية، فهذا الجيل من الطلبة يفصل نفسه بنفسه في الصفوف الدراسية وكذلك في الحرم الجامعي، حيث- كما يدركون تماماً- هم مراقبون بشكل كامل عن طريق الكاميرات المثبتة في كل زاوية من زوايا مباني الجامعة، فلا يحتاج طلبتنا للمراقبة البوليسية من قِبل أي لجنة: هم يراقبون أنفسهم بأنفسهم. فإذا ما غضضنا الطرف عن السؤال المفصلي حول أسباب احتياج دولة مدنية حديثة للجنة تعزيز قيم في برلمانها، دعونا نتناول السؤال الأكثر إلحاحاً حول استشعار هذه اللجنة الحاجة للنفخ في قربة فصل الدراسة المشتركة المثقوبة في هذه اللحظة التاريخية. أي مشكلة بالتحديد يحلها فصل الاختلاط في الجامعات والمدارس؟ الجواب هو ولا أي مشكلة على ما يبدو، ذلك أن الحياة خارج الفصل الدراسي مشتركة تماماً في الممرات، الكافتيريات، الاجتماعات، المؤتمرات، مواقف السيارات، المولات، الوزارات، دون حتى ذكر سوق العمل الذي سينضم له الطلبة بعد التخرج. إلا أننا لا بد أن نفترض أن لجنة تعزيز القيم، إلى جانب مدير جامعة الكويت بالإنابة ووزيرالتربية والتعليم العالي، قد اتخذوا قرارهم بناءً على سبب منطقي ومن أجل مخرجات استراتيجية هي نصب أعينهم، إلا أن الواضح أن تشتيت الانتباه هو الهدف الأكثر بدهية. مرة أخرى، انطلاقاً من تجربتي، تحتاج جامعة الكويت للكثير من العمل الجاد باتجاه رفع المستويات الأكاديمية والبحثية، وكذلك باتجاه حماية الاستقلال والكفاءة المؤسسيين، وعليه فإن الإذعان للسياسيين لا يخدم مصالح طلبتنا أو مؤسستنا الأكاديمية، فبدلاً من جعل فصل الدراسة في صفوف دراسية مفصولة عملياً أولوية، يفترض بجامعة الكويت أن تركز جهودها على موضوع تحسين جودة التعليم، والبحث العلمي، والتطوير المؤسسي. أما بالنسبة للسياسيين المتطفلين، فإن هذا الاستعراض الراقص قد أولاهم فيضاً من الاهتمام في مجتمعنا الساعي لجذب الانتباه، لربما يبدو موقفهم محصناً، ولكن إذا ذهبنا لدرجة أعمق، فإن هذا الشر المتخفي بالانتصار إنما هو وحش متعدد الرؤوس، يهدد سلامة وبقاء الدولة بأكملها، تلك هي بعض القضايا التي تحاول ضجة فصل الاختلاط تحويل الانتباه عنها: الكارثة المناخية التي تهدد مستقبل صلاحية الكويت للحياة، المستويات الأكاديمية المنخفضة بشكل مأساوي في المراحل الدراسية الابتدائية، والمتوسطة والجامعية كما هو مؤكد من خلال العديد من التقارير المحلية والعالمية والمنشورة على مدى سنوات العقد الماضي، النظام الصحي المثقل الميزانية والشديد الحاجة إلى التطوير والمساندة، الاقتصاد المعزول المحروم من التنوع والمتأخر عن ذلك الذي لدى جيراننا الإقليميين، افتقار حكومتنا للتخطيط لمستقبل مستدام في مواجهة التهديدات المناخية واقتصاد ما بعد مرحلة النفط، العنصرية ورهاب الأجانب المتصاعدين عندنا، المؤثرين في تسخير الغضب وتضليل وجهته والعديمي القيمة في حل أي مشاكل حقيقية، وذلك على سبيل الأمثلة لا الحصر. تود لجنة تعزيز القيم إيقاف الزمن تركيزاً على مواضيع لا دور لها في حاضرنا، كما لا دور لها في إعداد الظروف الموائمة لمستقبل صالح قابل للاستمرار، لكن الزمن لا يتوقف لا للجنة ولا لدولة كذلك، فلم يعد القرار بيد ساسة عفى عليهم الزمن كما هو ليس بيد الإدارات الضعيفة لأي مؤسسة. القرار بيد الشابات والشباب ليقرروا لأنفسهم الكيفية التي يودون بها التعامل مع مستقبلهم الهش المهدد، لقد خذل الساسة، الإداريون والبالغون عموماً وتقريباً بكل ما لديهم من مقدرة شبابنا وشاباتنا المرة تلو الأخرى، وفي حين أنا لا أستطيع أن أتحدث بلسانهم، فإنني أتصور أنهم لا يأبهون كثيراً بموضوع فصل الاختلاط في الفصل الدراسي بمقدار اهتمامهم بفرصهم في الحصول على وظائف جيدة ما إن يستكلموا دراستهم الجامعية، بما إذا كان لديهم مستقبل في هذا البلد بسبب الدمار المناخي التام، بالكيفية التي تتأثر بها أجسادهم بذلك السم الذي تنفثه السيارات وصناعة النفط في الهواء، بما إذا كان الدستور والبرلمان سيحميان حقوقهم وحرياتهم كمواطنين. يستحق هؤلاء الشابات والشباب الأفضل، ويستحقون ذلك الآن فوراً... كلنا نستحق ذلك وفوراً. يمكننا جميعاً أن نرى الشرور الحقيقية التي تهددنا والرابضة خلف هذه الأساليب التضليلية، وقد طالنا ما يكفي.

مادة اعلانية

*نقلاً عن "الجريدة"

تاريخ الخبر: 2023-09-22 18:10:50
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 94%
الأهمية: 88%

آخر الأخبار حول العالم

" HCP": خمس جهات تضم 72,4 في المائة من مجموع السكان النشيطين

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:10:33
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 64%

توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:10:37
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 63%

اللجنة الأولمبية تعلن مشاركة فريق اللاجئين في دورة باريس

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:10:34
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

تراجع حجم الشغل بـ80 ألف منصب بين الفصل الأول من 2023 و2024

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:10:31
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

96 ألف مغربي يلتحقون بالعاطلين خلال الفصل الأول من 2024

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:10:33
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

"مراسلون بلا حدود": الجيش الإسرائيلي قتل 100 صحفي

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:10:35
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية