ماذا يعني استسلام ماكرون وانسحاب فرنسا رسميا من النيجر؟


الدار/ افتتاحية

لم يستطع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يصرّ على عناده غير المفهوم الذي ورّط بلاده في أزمة سياسية ودبلوماسية مع دولة النيجر بعد أن اتخذ قرارا يقضي بسحب سفيره في نيامي وسحب قواته من القاعدة العسكرية في ضواحي العاصمة النيجرية. هذا القرار الذي أعلن استسلام الرئيس الفرنسي بعد عنتريات كثيرة حاول خلالها الظهور بمظهر الرجل القوي الذي يحمي نفوذ فرنسا في مستعمراتها السابقة، جاء ليؤكد استمرار مسلسل التراجع الذي تعرفه فرنسا على المستوى الدولي بعد أن طُردت في وقت سابق من دول إفريقية أخرى كإفريقيا الوسطى ومالي وبوركينافاسو.

ويبدو أن الخاسر الأكبر في هذه الهزيمة الجديدة هو إيمانويل ماكرون وتياره السياسي، الذي يعيش على إيقاع ضغط قوي من أحزاب المعارضة والإعلام الفرنسي بسبب فشله في إدارة أزمة النيجر، ليس فقط بسبب الانسحاب وإنما بسبب الإدارة الفاشلة للمفاوضات والإساءة التي تعرضت لها صورة فرنسا على المستوى الإفريقي والدولي. ويبدو أن إيمانويل ماكرون سيحمل بامتياز لقب مدمر النفوذ الدولي لفرنسا بعد أن أنهى الوجود العسكري لبلاده في عدد من بلدان غرب إفريقيا، وفشل في الحفاظ على الأنظمة السياسية والعسكرية الموالية لباريس، واختلاقه لأزمات دبلوماسية عميقة مع دول حليفة وصديقة لفرنسا من بينها المغرب أيضا.

لكن الانسحاب الرسمي من النيجر ستكون له تداعيات تتجاوز هذه الأزمة الظرفية. فهناك بلدان إفريقية أخرى ما تزال فرنسا تعتبرها حديقة خلفية وتريد أن تحافظ على نفوذها الممتد بداخلها، لكنها أضحت اليوم مع هذا السياق الملتهب في القارة السمراء مهددة أيضا بخطر الانقلابات والتوترات الأمنية، ومنها على سبيل المثال نظام بول بيا الذي يحكم الكاميرون منذ أكثر من 40 عاما. لذا فإن هذه الأنظمة الإفريقية القريبة من محيط النيجر ومالي وبوركينافاسو أضحت اليوم أيضا في مهب مخاطر عدم الاستقرار، لا سيّما تلك الأنظمة التي تدين بالولاء المطلق لباريس. ومن هنا فإن قرار إيمانويل ماكرون الانسحاب من النيجر على الرغم من التعنت الذي أظهره في البداية يمثل خطأ جديدا ينضاف إلى قائمة الهفوات التي راكمها خاصة في ولايته الثانية الحالية.

هي أخطاء أضرّت بالنفوذ الفرنسي، لكنها من منظور الأفارقة والمغاربيين تمثل انتصارات حقيقية على هذه النظرة الاستعمارية التي ما تزال الطبقة السياسية الفرنسية تحملها عن القارة السمراء. ومن المتوقع أن تشهد الأيام القليلة المقبلة نقاشا ساخنا داخل فرنسا عن مستقبل علاقات البلاد مع مستعمراتها السابقة، بعد أن تبيّن أن سياسات ماكرون الصبيانية تقود إلى كوارث دبلوماسية حقيقية ستظهر نتائجها بعد نهاية ولايته الحالية. ففرنسا ما تزال تعتمد إلى حد كبير في قوتها الاقتصادية على مستعمراتها السابقة وثرواتها الطاقية والمعدنية والطبيعية، وهذا يؤكد أن أفول هذا النفوذ الفرنسي سينعكس دون شك على رفاهية المواطن الفرنسي الذي لطالما تنعّم بهذه الثروات واستفاد من خيراتها.

لكن الأكثر دلالة في قرار الانسحاب من النيجر هو الأبعاد الرمزية التي يحملها بالنسبة إلى فرنسا والنخبة الحاكمة فيها. هذه الهزيمة ستضرب الكبرياء والعنجهية الفرنسية في مقتل، وستخلّف أثرا بالغا في الوعي الجمعي للبلاد، التي تعيش أصلا على إيقاع أزمة هوية عميقة تطرحها التحولات الديمغرافية التي يشهدها المجتمع الفرنسي، وتنامي الطائفية العرقية والدينية وتصاعد نفوذ وتأثير الجاليات الأجنبية. وهذا الموضوع الذي يمثل منذ سنوات الغذاء السياسي لأحزاب اليمين المتطرف في فرنسا، سينتقل في خضم هذه الأزمة الدبلوماسية ليحتل من جديد صدارة الأولويات، ويصبح ملف الهجرة من جديد القضية الأكثر استعجالية في الوقت الراهن.

تاريخ الخبر: 2023-09-26 12:26:04
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

هجوم إسرائيلي على الضفة الغربية.. واستشهاد 5 فلسطينيين

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-05 06:22:19
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 67%

دعمًا لفلطسين.. فصائل عراقية تستهدف ميناء حيفا في إسرائيل

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-05 06:22:15
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 58%

أمطار مصحوبة برياح مثيرة للأتربة والغبار على 7 مناطق السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-05 06:23:35
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

الرئيس الفرنسي: الحوار مع روسيا يجب أن يستمر

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-05 06:22:09
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 53%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية