هل باتت جوائز نوبل قاصرة عن مواكبة التنوّع في العلوم؟

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

الباحثة الفرنسية في علم الأحياء الدقيقة وعلم الوراثة والكيمياء الحيوية إيمانويل شاربنتييه (يسار) وأستاذة الكيمياء والبيولوجيا الجزيئية والخلوية الأمريكية جينيفر دودنا (يمين)

رغم التطوّر الكبير للعلوم على مرّ العقود الماضية، لا تزال بعض الصور النمطية عنها، شائعة.

حتى اليوم، ما زلنا نتخيّل أن الكيميائيين يقفون بين قوارير يتصاعد منها الدخان، وأن الفيزيائيين يكتبون معادلات معقّدة على لوح، رغم أن العلوم تشعبت كثيراً، ولم تعد تنحصر في فئات محددة وواضحة.

تستعاد هذه المعضلة في موسم جائزة نوبل التي تمنح لعلماء في مجالات الكيمياء، والفيزياء، والطب، في حين أن الاختصاصات العلمية باتت أكثر تقاطعاً وتشعباً.

يقول الأكاديمي والباحث ييفانغ ما إن تلك التنميطات عفا عليها الزمن، في ورقة بحثية بعنوان "فرصة نوبل لتقاطعية المسارات" نُشرت عام 2018 في مجلة "نيتشر فيزيكس" العلمية.

برأيه، فإن جائزة نوبل لم تواكب بما فيه الكفاية تقاطع المسارات العلمية وأنها لا تزال متأخرة عن التطور الذي شهدته العلوم.

ويعود ذلك برأيه إلى أن "العلماء من مختلف التخصصات يعملون اليوم معاً بشكل متزايد على مشاكل معقدة كانت مستعصية في السابق".

وبالتالي يكتسح التعاون متعدد التخصصات والمسارات الآن معظم مجالات العلوم الطبيعية والحياتية، وهو أمر ضروري لمعالجة أكثر مشاكل العالم تحدياً، بحسب الورقة البحثية.

لكن الأكاديمية السويدية لا تزال تكتفي بالفئات الصارمة للعلوم منذ نشأتها، ما يتسبب أحياناً في التباس بين مجال الإنجاز العلمي المكرّم والفئة التي يُكرّم عنها.

  • ما هي جوائز نوبل؟ وما أهميتها؟
  • منح نوبل للطب 2023 إلى مجرية وأمريكي لدورهما في تطوير لقاحات مضادة لكوفيد

هل ضلّت جوائز نوبل الطريق بين الاختصاصات؟

تثير هذه المسألة جدلاً بين العلماء منذ سنوات، حول موقف الأكاديمية السويدية من العلوم، والتزامها حيناً وعدمه أحياناً بالمسارات العلمية التي تحددها فئات الجائزة مثلما وضعها مؤسس الجائزة رجل الأعمال السويدي، ومخترع الديناميت، ألفريد نوبل، في نهاية القرن التاسع عشر.

ويرى بعض العلماء أن الجائزة أخفقت في بعض المرات حين مُنحت لإنجازات تتجاوز تلك الفئات إلى مسارات علمية أخرى.

ويوضح العالِم ومؤرخ العلوم الأمريكي، جيفري سيمان، هذا الالتباس المثير للجدل في مقالٍ حديث نُشر في موقع "ذا كونفرزيشن" الأسترالي.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

الأكاديمية الملكية للآداب في ستوكهولم السويد علم 1996

أشار سيمان، وهو كيميائي في الأساس، في مقال بعنوان "ثلاث جوائز نوبل تغطي ميادين العلوم كلها: كيف يشكل البحث العلمي بشكله الراهن تحدياً للجوائز المرموقة؟" إلى أن جوائز نوبل للكيمياء في السنوات الأخيرة لم تكن تنتمي بشكل واضح ومباشر إلى تخصص الكيمياء.

وأوضح العالم أنه في عام 2020، حصلت إيمانويل شاربنتييه وجنيفر أ. دودنا على جائزة نوبل "لتطوير تحرير الجينوم". وفي عام 2018، حصلت فرانسيس إتش أرنولد على جائزة نوبل "للتطور الموجه للإنزيمات"، والتي تقاسمتها مع جورج بي سميث والسير غريغوري بي وينتر "لعرض العاثيات للببتيدات والأجسام المضادة". وفي عام 2015، حصل توماس ليندال وبول مودريتش وعزيز سانكار على جائزة نوبل "للدراسات الميكانيكية لإصلاح الحمض النووي".

ويقول إن جميع هؤلاء حصلوا على جوائز نوبل في الكيمياء، وليس جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب، على الرغم من أن إنجازاتهم في تخصصات الطب وعلوم الحياة.

ما سبب هذا التداخل؟

تعاون سيمان مع الكيميائي المؤرخ وعالم الرياضيات التطبيقي غييرمو ريستريبو قبل سنوات عدة، لدراسة العلاقة بين المسار العلمي لأعضاء لجنة الاختيار وتخصصات الفائزين بجائزة نوبل.

وأوضح أنه على مدى عمر جوائز نوبل، كانت هناك زيادة مستمرة – من حوالي 10 بالمئة في 1910 إلى 50 بالمئة في أواخر القرن العشرين – في أعضاء اللجنة الذين تندرج أبحاثهم في إطار علوم الحياة.

كما أجرى العالمان دراسة حول "المنطقة الفكرية" التي ترسم حدود المسار في المجال الأكاديمي.

وقيّم سيمان وريستريبو المنطقة الفكرية وهويتها عن طريق فحص الاستشهدات الموجودة في المنشورات العلمية. فوجدا أن منشورات الكيمياء على سبيل المثال تستشهد بمقالات منشورة في منشورات أخرى عن الكيمياء، أما منشورات الكيمياء الحيوية، فكانت المراجع الموجودة فيها تعود إلى منشورات الكيمياء الحيوية أيضاً.

ووجدا أن الاستشهادات تكون غالباً في نفس المجال الذي نشر البحث فيه. مما عنى بالنسبة للعالمين، أن الكيمياء وعلوم الحياة/الكيمياء الحيوية موجودتان في مناطق فكرية مختلفة ولا تتداخل كثيراً.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

مؤسس جائزة نوبل ألفريد نوبل

ماذا تغير في العلوم منذ تأسيس الجائزة؟

تخطى البودكاست وواصل القراءة

بودكاست أسبوعي يقدم قصصا إنسانية عن العالم العربي وشبابه.

الحلقات

البودكاست نهاية

ومنذ منح جوائز نوبل لأول مرة في عام 1901، نما مجتمع العلوم وعدد التخصصات العلمية بشكل كبير.

كما أننا اليوم نشهد نشأة تخصصات جديدة في المجالات العلمية.

ويقول الباحث ييفانغ ما إن العلم اليوم أصبح أكثر تعدداً وتقاطعاً للتخصصات، "حتى الكيمياء كتخصص نمت بشكل كبير، مما دفع حدودها العلمية إلى الخارج".

ويرى أن "المجالات العلمية قد تغيرت بشكل أساسي أيضاً في العقود القليلة الماضية، على سبيل المثال من خلال زيادة جهود المسارات المتعددة في الفيزياء البيولوجية".

ويتوافق هذا الرأي مع رأي جيفري سيمان الذي يرى أن جائزة نوبل "لم تتطور بما فيه الكفاية مع الزمن. وليس هناك ما يكفي من جوائز نوبل لجميع المستحقين".

ويقول سيمان في هذا الإطار: "عندما صمم نوبل الجوائز التي سُميت باسمه في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل أواخر القرن التاسع عشر، لم يكن يتوقع نمو العلم، وأنه بمرور الوقت، ستتلاشى أهمية بعض التخصصات وستتطور تخصصات جديدة".

ويرى أن جزءاً من الحلّ لهذه المشكلة يكمن في ضرورة استحداث جائزة نوبل إضافية لعلوم الحياة. كما يمكن أن يتوسع عدد الفائزين من الحد الأقصى الحالي البالغ ثلاثة لكل جائزة حالياً إلى العدد الذي يناسب كل إنجاز.