هل ستواجه إسرائيل "الحرب الكبرى" على عدّة جبهات؟

صدر الصورة، Getty Images

  • Author, محمد همدر
  • Role, بي بي سي عربي - مكتب بيروت

شهد جنوب لبنان تصعيداً عسكرياً بالتزامن مع حرب غزة، وبدأ الجيش الإسرائيلي بحشد قواته وآلياته على الجبهة الشمالية.

وأعلن كلّ من الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" اللبناني عن قصف الجانب الآخر بالصواريخ، منذ اليوم التالي لبدء عملية حركة حماس على أهداف إسرائيلية خارج قطاع غزة، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.

ويستمر القصف المتبادل يومياً ولو بشكل متقطع.

ونعى حزب الله ثلاثة من عناصره، كما أعلنت إسرائيل عن مقتل ضابط وجنديين في تبادل إطلاق النار على حدود لبنان.

وتبنت حركة حماس الثلاثاء في بيان غير مسبوق، إطلاق صواريخ من لبنان.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • لماذا استغرقت إسرائيل وقتاً طويلاً للتعامل مع هجوم "طوفان الأقصى" لحركة حماس؟
  • ماذا يعني إعلان إسرائيل أنها "في حالة حرب"؟
  • هل تقدم إسرائيل على عملية برية واسعة في غزة؟
  • هل تدعم إيران حماس لتنفيذ عمليات داخل إسرائيل؟

قصص مقترحة نهاية

كذلك، سبق لحركة "الجهاد الإسلامي" أن أعلنت بدورها عن تنفيذ عملية على حدود جنوب لبنان وعن مقتل اثنين من عناصرها.

  • كيف نفهم موقف حزب الله من الحرب في غزة؟
  • ما أبرز التطورات منذ هجوم القسّام يوم السبت ورد الفعل الإسرائيلي الحربي على قطاع غزة؟

وشهدت الأحداث مساء أمس إطلاق صواريخ من الأراضي السورية للمرة الأولى في هذه الحرب وفق ما أعلن الجانب الإسرائيلي.

وسادت تكهنات عن اتجاه الأمور إلى توسيع رقعة الحرب الدائرة، وفتح الجبهة الشمالية وجبهات أخرى.

وكان قائد كتائب القسام – الجناح العسكري لحركة حماس – محمد الضيف، قد دعا في البيان الأول عقب بدء عملية "طوفان الأقصى"، كل من يملك بندقية إلى إخراجها.

وقال: "يا إخوتنا في المقاومة في لبنان وسوريا والعراق وإيران هذا هو اليوم الذي ستلتحم به الجبهات".

لكن هذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن سيناريو حرب متعددة الجبهات على إسرائيل.

فهل سنشهد توسيع رقعة المعارك من حرب غزة إلى "الحرب الكبرى"؟ أم نحن أمام تجربة أولى لسيناريو مماثل في المستقبل؟

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

حشد الجيش الإسرائيلي قواته في المناطق الحدودية الشمالية وطلب من سكانها التزام منازلهم خشية حدوث عمليات تسلل من لبنان.

تهديد على عدة جبهات

تخطى البودكاست وواصل القراءة

بودكاست أسبوعي يقدم قصصا إنسانية عن العالم العربي وشبابه.

الحلقات

البودكاست نهاية

نفّذ الجيش الإسرائيلي في يونيو/حزيران تدريبات ومناورات تحت اسم "القبضة الحازمة"، تحاكي اندلاع مواجهة على أكثر من جبهة.

وعلى هامش هذه التدريبات، زار وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت، مقرّ الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

وقال غالانت إنه في حال نشوب حرب جديدة، "ستواجه الجبهة الداخلية في إسرائيل تحديات لم تشهد مثيلاً لها على مدى 75 عاماً".

وكان قد حذّر سابقاً في مؤتمر صحافي عقده في نيسان/أبريل من أن إسرائيل لن تشهد على الأرجح صراعات محدودة على جبهات واحدة، بل سيتعين عليها مواجهة تصعيد متعدد الجبهات في المستقبل القريب.

وقال حينها أمام المراسلين: "هذه نهاية عصر الصراعات المحدودة... إننا نواجه حقبة أمنية جديدة قد يكون فيها تهديد حقيقي على جميع الساحات في نفس الوقت".

وأضاف غالانت قائلاً: "هناك ظاهرة ملحوظة اليوم وهي تقارب الساحات".

وشملت عملية "القبضة الحازمة" تدريبات في كل أنحاء البلاد، استمرت أسبوعين.

وقال الجيش الإسرائيلي: "ستتدرب القوات على التعامل مع التحديات والأحداث المفاجئة على جبهات متعددة في وقت واحد". وفق ما نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

وشارك في التدريبات أعضاء مجلس الوزراء الأمني المصغر الإسرائيلي، عبر عقد اجتماعات في قيادة العمليات وإجراء تقييم وهمي ومناورات في مقرّ الجيش.

وركّز سيناريو الحرب الوهمية الذي حاكته المناورات على الحدود الشمالية مع لبنان وسوريا، وكذلك على دور إيران.

ونقلت الصحيفة عن نتانياهو قوله خلال إحدى الجلسات: "إن إسرائيل “ملتزمة بالعمل ضد البرنامج النووي الإيراني، وضد الهجمات الصاروخية على دولة إسرائيل، وضد احتمال إمكانية تقارب الساحتين، ما نسميه حملة متعدّدة الجبهات".

وقال نتنياهو: " نحن متأكدون وواثقون من أنه يمكننا التعامل مع أي تهديد بأنفسنا، وكذلك بوسائل أخرى".

وليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها الجيش الإسرائيلي تدريبات تحاكي حرب مثل هذه. وأجرت وحداته مناورة كبيرة العام الماضي تحت اسم "عربات النار"، ركزت على "أحداث مفاجئة متزامنة في مسارح متعددة"، بحسب ما ذكرت "تايمز أوف إسرائيل".

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

آليات وجنود للجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية مع لبنان

"وحدة الساحات"

مصطلح "وحدة الساحات"، تستخدمه وسائل الإعلام المقربة من "حزب الله" وحماس والجهاد الإسلامي.

وارتفع منسوب استخدامها بعد اللقاء الثلاثي الأخير بين حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي في 2 سبتمبر/أيلول.

وتحدثت وسائل الإعلام عن استقبال نصرالله في بيروت القيادي في حماس صالح العاروري ونخالة أمين عام الجهاد الإسلامي، لمناقشة الأوضاع الفلسطينية، لا سيما المواجهات في الضفة، والتأكيد على استمرار التنسيق.

وتناولت الوسائل الإعلامية المقربة من حزب الله وإيران، هذا الاجتماع على أنه تأكيد لمبدأ "وحدة الساحات" بين الفصائل التي تقاتل إسرائيل على مختلف الجبهات.

وقال النائب السابق عن كتلة "الوفاء للمقاومة" التي تمثل "حزب الله" في البرلمان اللبناني نزيه منصور، عبر موقع "العالم" الإيراني، إن اللقاء "يدلّ على إن وحدة الساحات ليس مجرد إعلان".

وتحدث أمين عام حزب الله في لبنان حسن نصرالله في أكثر من مناسبة عن توحيد "جبهات المقاومة".

ونقلت قناة الميادين المقربة من الحزب، خبر لقاء أمين عام الجهاد الإسلامي زياد نخالة بنصرالله في أغسطس/آب 2022 في بيروت تحت عنوان "السيد نصرالله يستقبل نخالة ويبحث معه معركة وحدة الساحات".

  • حزب الله أخطر وأقوى من حماس، وهجوم القسّام قد يرقى لجرائم حرب -الصحافة الإسرائيلية
  • ماذا نعرف عن حادث قتل السائحين الإسرائيليين في الإسكندرية؟

وفي خطاب بمناسبة "يوم القدس" في نيسان/أبريل هذا العام قال نصرالله: "إن ممارسات إسرائيل في فلسطين ولبنان وسوريا قد تجر المنطقة إلى حرب كبرى". ودعا في كلمته الجانب الإسرائيلي إلى "عدم الرهان على فصل الساحات".

وفي ردّ آخر على نتنياهو قال نصرالله في أيار/مايو: "لستم أنتم من تهددون بالحرب الكبرى وانما نحن الذين نهددكم بها".

وأضاف "أي حرب كبرى ستشمل كل الحدود، وستضيق مساحاتها وميادينها بمئات آلاف المقاتلين".

بعد يوم على بدء هجوم حركة حماس التي أطلقت عليه اسم "عملية طوفان القدس"، أعلن حزب الله قصف مواقع عسكرية إسرائيلية في مزارع شبعا جنوب لبنان.

وقال رئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين، في كلمة ألقاها أمام تجمع للمناصرين في وقت متأخر من ذلك اليوم، إنّ "غزة ليست وحدها".

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

صور من تدريبات لتنظيم "حزب الله" في جنوب لبنان

عن أي جبهات نتحدث؟

إلى جانب جبهات القتال المعروفة التي تقودها حركة حماس من قطاع غزّة و"حزب الله" من جنوب لبنان، تحدث مراقبون عن جبهات جديدة قد تشمل سوريا ومناطق الضفة والجبهة الداخلية الإسرائيلية.

ونشر مركز الدراسات الفلسطينية دراسة صادرة عن معهد دراسات القومي الإسرائيلي، في نيسان/أبريل 2022، بعنوان "معركة إرهاب متعددة الجبهات وكيف يجب على إسرائيل أن تتصرف؟".

وتحدث التقرير عن "ساحة معركة شاملة متعددة الجبهات تؤثر الواحدة منها في الأُخرى وتتأثر بها".

وذكر التقرير عن جبهات مواجهة من القدس والنقب، بالإضافة إلى الداخل الإسرائيلي والضفة وغزة وجنوب لبنان.

وصدرت وثيقة أخرى عن معهد دراسات القومي الإسرائيلي عام 2021، تناولت سيناريو الحرب على عدة جبهات.

وعلّق مدير المركز أودي ديكل على التقرير بالقول إن "التهديد الأكثر حضوراً هو حرب قد تندلع في الشمال والشرق، أمام تحالف ترأسه إيران وبمشاركة حزب الله وسوريا وحركات متحالفة مع إيران وأيضاً جهات ستقوم بضربنا من غرب العراق".

وهذه المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن تحرّك من العراق في مواجهة إسرائيل، ويُقصد هنا مشاركة فصائل مسلحة موالية لإيران.

وهذا ما تناوله الكاتب الإسرائيلي بين كاسبيت عبر مقاله في موقع "ألمونيتور" الأمريكي، تعليقاً على تصاريح يواف غالانت بشأن ذلك وقال: "ليس هناك خطر كبير من أن تحاول إيران وحزب الله وسوريا، وربما حماس والجهاد الإسلامي، تكرار الهجمات السورية والمصرية قبل 50 عاماً. إن إسرائيل ليست مهددة اليوم بالدبابات التي اجتاحت مرتفعات الجولان في عام 1973 وكادت أن تصل إلى بحيرة طبريا، ولا بتهديد القوات المصرية التي تعبر قناة السويس لإنشاء رأس جسر إلى الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل".

وتابع كاسبيت قائلاً إن التهديد يكمن في "ترسانة هائلة، هي واحدة من أكبر الترسانات في العالم، مكونة من مئات الآلاف من الصواريخ والقذائف التي يخزنها حزب الله وإيران وحماس والجهاد الإسلامي والميليشيات الموالية لإيران في سوريا والعراق. جميعهم لديهم هدف واحد: إسرائيل"، وفق الكاتب.

وتوقع تقرير صادر عام 2018 عن معهد واشنطن للدراسات، أن تنشب هذه الحرب في 2019.

وتحدث التقرير حينها عن احتمال وقوع حرب "على نطاق لم يسبق له مثيل من حيث التعقيد - نتيجةً للحرب الأهلية في سوريا، التي مكنت إيران من بناء بنية تحتية عسكرية في سوريا ونشر "فيلقها الأجنبي" الشيعي على حدود إسرائيل".

وأضاف "قد أصبح من الممكن الآن أن تندلع الحرب على جبهات متعددة وفي أماكن بعيدة وتدور على الأرض، وفي الجو، وفي البحر، وفي مجال المعلومات والنطاق السيبراني من قبل مقاتلين من "حزب الله"، وإيران، وسوريا، والعراق، وأفغانستان، وباكستان، وحتى اليمن. وفي هذا الإطار، سوف يخلق النطاق الموسَّع للحرب المحتملة خيارات عسكرية جديدة لإيران و "حزب الله"، ويوسّع القدرات الإسرائيلية إلى أبعد حدودها".

وذكر التقرير تصريح قائد "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني محمد علي جعفري في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، حين قال إن "مصير جبهة المقاومة مترابط والجميع يقفون متحدون، وإذا هاجمت إسرائيل أي طرف منها، سيهبّ الطرف الآخر من الجبهة لمساعدته".

وبالنظر إلى ما يسمى "جبهة الجولان" التي شهدت مساء يوم أمس إطلاق صواريخ بالتزامن مع ما يحدث في جنوب لبنان وغزّة، أقرّ حزب الله عام 2013 بالعمل على "إعداد مقاومة في الجولان" بموافقة دمشق.

وعيّن الحزب الأسير السابق في السجون الإسرائيلية اللبناني سمير القنطار قائد المقاومة السورية لتحرير الجولان"، لكن إسرائيل اغتالته عام 2015 في سوريا.

وخلال مناورات "القبضة الساحقة"، زار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هليفي قواعد التدريبات.

وذكر هليفي حادثة مقتل ثلاثة جنود على الحدود مع مصر بإطلاق نار نفذه جندي مصري، وقال إن مهمتنا هي أن نقوم بكل شيئ كي لا يتكرر هذا".

  • ما الذي نعرفه عن قوة تحرير الرهائن الأمريكية التي "وصلت إسرائيل"؟
  • حرب غزة: "أين نختبئ من الموت القادم من السماء؟"

هل تتدخل الولايات المتحدة في "الحرب الكبرى"؟

لم يسبق أن ذكرت إسرائيل أنها ستتطلب دعم أي دولة لمواجهة أي طرف على أي جبهة.

حتى أن نتنياهو ذكر على هامش مناورات الصيف الأخيرة، إن الإسرائيليين يستطيعون التعامل مع هذه التهديدات وحدهم.

لكن تصريحات البيت الأبيض والبنتاغون، حذّرت من أن الولايات المتحدة ستتدخل ضد أي طرف ينضم إلى المعركة ضدّ إسرائيل.

وهذه المرة الأولى التي تطلب إسرائيل فيها خلال خوضها حرب، المساعدة عسكرياً من دولة حليفة.

وحرّكت الولايات المتحدة حاملة طائرات إلى المنطقة، قالت إنها لمساندة إسرائيل بعد هجوم حركة حماس. وبدأت بتوفير المساعدات العسكرية والمزيد من الذخيرة للجيش الإسرائيلي.

ورغم أنه ليست هناك مؤشرات بعد على نية دخول الولايات المتحدة في هذه الحرب بشكل مباشر، أثارت تصريحات مسؤوليها ورسائلهم تساؤلات عن الدور التي قد تلعبه الحليفة الوثيقة لإسرائيل في حال نشوب سيناريو حرب الجبهات المتعددة.