تسعى الحكومة من وراء مشروع قانون “العقوبات البديلة” إلىال تخفيف من حدة اكتظاظ السجون، وأيضا تصحيح بعض الأعطاب التي يتضمنها القانون الجنائي، في انتظار مراجعة شاملة للسياسية الجنائية التي تعتبر ملفا شائكا وصعبا داخل المنظومة القانونية والقضائية بالمغرب.
وتعتبر بدائل العقوبات مدخلا لبداية إصلاح المنظومة الجنائية والسجنية معا، من أجل وضع خارطة طريق تتماشى مع التحولات الحديثة للمجتمع المغربي، وأيضا انسجاما مع مبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها وطنيا ودوليا.
مواكبة جنائية جديدة
قال عبد اللطيف بن يعقوب، النائب البرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية، إنه “لمدة عقد من الزمن والنقاش دائر بين الفاعلين السياسيين والقضائيين حول العقوبات البديلة، كمدخل أساسي لخفض من نسبة اكتظاظ السجون، وإعطاء المنظومة الجنائية الجديدة طابعا جديدا أكثر حداثة، من أجل مواكبة التنمية الاجتماعية”.
وأورد عبد اللطيف بن يعقوب، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “مسايرة الدول المتقدمة في هذا المجال المتعلق بتخفيف الاكتظاظ على المؤسسات السجنية لا جدال فيه”، مشيرا إلى أن “هذا المشروع جاء لمقاومة الوضعية الحالية للسجون المغربية، نظرا لأن أغلب المؤسسات باتت تتجاوز طاقتها الاستيعابية بضعف أو ضعفين”.
وتابع المتحدث عينه أن “هذا الأمر مؤلم ويتميز بنوع من التثبيت الجنائي، وبقاء الجريمة كعنوان كبير يطبع غلاف المجتمع المغربي، وأن الاكتظاظ له أسباب أخرى أهمها الوضع المحافظ للقضاء المغربي للاعتقال الاحتياطي”، مؤكدا على أن “هذا الموضوع لا نجد فيه الشجاعة الكافية داخل المنظومة القضائية للقطع مع تدابير وسلوكات تفضي إلى اعتقال الناس في انتظار محاكمتهم بشكل نهائي لمدد طويلة جدا”.
“في بعض الأحيان يتم متابعة البعض بجنح عادية وبالتالي يجب على القضاء المغربي أن يتمتع بشجاعة كبيرة من أجل القطع مع هذه الممارسة القضائية”، يقول المتحدث، مشددا على ضرورة “البث بسرعة في القضايا وأيضا إعادة النظر بشكل جذري في المنظومة الجنائية المغربية”، مبينا أنه “كانت هناك محاولات لمراجعة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، وأن هذه المحاولات امتدت لمدة 3 عقود لكن دون جدوى”.
أمر إيجابي ولكن
بالمقابل، يرى عزوز الصنهاجي، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن “إدراج العقوبات البديلة ضمن المنظومة القانونية العقابية والزجرية هو أمر إيجابي، بالنظر إلى أنه جزء من سعي بلادنا نحو تحديث منظومة القانون الجنائي”.
وأضاف عزوز الصنهاجي، في تصريح لـ”الأيام 24″، أنه “لا يمكن الاعتماد فقط على العقوبات البديلة للتخفيف من اكتظاظ السجون أو الحد من الجريمة، بل الأمر يتعلق بسياسة جنائية شاملة تأخذ في عين الاعتبار تطور وتحولات المجتمع المغربي، والاتفاقات الدولية التي صادق عليها المغرب ومقتضيات وروح دستور 2011″، مشددا على ضرورة توسيع فضاء الحريات بالموازاة مع ترسيخ القيم النبيلة في الأفراد والمجتمع.
وتابع المتحدث عينه أن “مشروع القانون المتعلق بالعقوبات البديلة تم وضعه من طرف الحكومة في البرلمان من دون أن يتضمن عقوبة الغرامة اليومية (أي شراء أيام السجن)، لكن الأغلبية قدمت تعديلا بإدراج هذا المقتضى وتم قبوله”.
واعتبر القيادي بحزب “الكتاب” أن هذا “توظيفا غير سليم وغير صحي للأغلبية البرلمانية من طرف الحكومة، التي كان عليها أن تتملك الجرأة والانسجام الذي يجعلها تحسم بنفسها بإضافة هذا المقتضى الذي لم يخضع لا لدراسة ولا لنقاش”.
وأردف الصنهاجي أن “قانون العقوبات البديلة في صيغته الحالية قد يخفف نسبيا من اكتظاظ السجون، لكنه لن يحل لوحده إشكالات المنظومة الجنائية، وليس بإمكانه وحده أن يعالج أوضاع الجريمة في علاقة بالردع”.
واختتم عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية حديثه قائلا: “الأمر يتطلب سياسات عمومية متكاملة تكافح الفقر والهشاشة، وتثمن العلم والمعرفة والتنوير والقيم، وهذا ما نتمنى أن تنجح بلادنا فيه”.
