حدد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، المحاور الكبرى لعمل حكومة الوزير الأول الجديد نذير العرباوي، والتي ترتكز أساسا على السرعة لاستكمال المشاريع والورشات التي لا تزال مفتوحة والمدرجة ضمن التزامات الرئيس، وحملت التوجيهات الرئاسية تحذيرات إلى الوزراء من أي تقاعس في تطبيق قرارات مجلس الوزراء، ومن الفساد والتلاعب بالمال العام أو إطلاق وعود كاذبة أمام المواطنين.
شكلت التعليمات التي وجهها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، إلى أعضاء الحكومة خلال اجتماع مجلس الوزراء، ورقة طريق حكومية تتضمن ترتيبات و أوامر دقيقة لاستكمال تنفيذ الالتزامات التي تعهد بها الرئيس أمام الشعب، كما تضمنت تحذيرات من أي تأخر في تنفيذ القرارات.
وقال الرئيس تبون، خلال أول اجتماع للوزراء٫ بحضور الوزير الأول الجديد نذير العرباوي، الذي تسلّم مهامه خلفاً لأيمن بن عبد الرحمان، إنه يتوجب أن تعتمد الحكومة «السرعة القصوى في تطبيق قرارات مجلس الوزراء، التي لم تُجسّد أو تأخر تنفيذها، إذ ليس هناك أشد وقعاً على مواطنينا من عدم تنفيذ التزامات الدولة».
و تشير التعليمات التي قدمها رئيس الجمهورية خلال اجتماع الوزراء، إلى أحد الأسباب التي كانت وراء قرار تنحية الوزير الأول السابق، أيمن بن عبد الرحمان، والمتمثلة في التأخر في تنفيذ القرارات والمشاريع التي يتم إقرارها في اجتماعات المجلس.
وسبق أن وجه رئيس الجمهورية، في فيفري الماضي، انتقادات إلى الحكومة «لعدم التطبيق على النحو المطلوب قرارات أخرى تخص قطاعات النقل والإدارة والمالية والأشغال العمومية والرقمنة». وجدد الرئيس تبون هذه الانتقادات للحكومة، الصيف الماضي، وقال «أشعر أحياناً أنّ هناك جهوداً ضائعة وعدم دراية بما هو موجود في الساحة من مشكلات، وعدم تطبيق قرارات مجلس الوزراء».
تحذير الوزراء من «إهدار المال العام»
ووجه الرئيس تبون تحذيرات مشددة إلى الوزراء «باليقظة والحذر من تبذير المال العام، واستهلاك ميزانيات إضافية غير مرصودة في البرامج المحددة، بينما هناك ما ينتظر التنفيذ في هذه البرامج».
و أمر بضرورة «تكثيف الاستشارة ما بين أعضاء الحكومة حول القرارات المؤثرة على التوازنات المالية الكبرى للدولة، والعمل على مواصلة الحفاظ على التوجهات الكبرى للجزائر بتعزيز قدرتها على عدم الاستدانة الخارجية».
وتشير تعليمات الرئيس إلى ضرورة إصلاح مهمة الرقابة القبلية للإنفاق وذلك من خلال إدراج مبادئ جديدة ترتبط بممارسة رقابة الميزانية، وتقوم على أساس تدابير جديدة في المرونة من خلال جعل المراقب الميزانياتي مستشارا ماليا للسلطات الآمرة بالصرف، تسهيلا لإجراءات المصادقة على النفقات العمومية.
وتأخذ توجيهات الرئيس بضرورة تفادي التبذير، بعين الاعتبار المؤشرات الاقتصادية التي تتوقع ان يتم تسجيل تراجع قيمة الصادرات نهاية السنة الجارية إلى 52,8 مليار دولار مقارنة بسنة 2022. وهذا التراجع يعود بالأساس إلى انخفاض أسعار البترول الذي شهد سعره المتوسط تراجعا من 104 دولار للبرميل في سنة 2022 إلى 85 دولارا للبرميل هذه السنة.
أما فيما يخص وضعية المالية العمومية، فقد عرفت الإيرادات ارتفاعا بنسبة 25 بالمائة بين سنتي 2022 و2023، لتصل إلى 8.900 مليار دينار، بينما ارتفعت النفقات بنسبة 52 بالمائة لتصل إلى 14.700 مليار دينار.
ويرمي هذا المجهود الميزانياتي الهام إلى الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن ودعم شروط إنعاش اقتصادي مستدام ودفع الحركية التنموية، حيث رافق هذا المجهود الميزانياتي رفع التجميد عن أزيد 780 مشروعا بمبلغ إجمالي قدره 1.273 مليار دج اضافة إلى المشاريع الجديدة التي أطلقت، وقد تم ذلك دون اللجوء إلى الاستدانة الخارجية.
بالرغم مما ميز السياق الدولي من ظروف جيواستراتيجية، وصعوبة في حركة الأسواق الدولية، والظروف المناخية التي أثرت على القطاع الفلاحي، إلا أنه تم تسجيل تقدم كبير في تحقيق الالتزامات التي وعد بها السيد رئيس الجمهورية، حيث تجاوبت مع التطورات الدولية بالمرونة اللازمة، من خلال تكييف السياسات العمومية مع السياق العالمي، بتبني سياسات استباقية، سمحت بتعزيز قدرات صمود الاقتصاد الوطني ومواصلة دعم السياسة الاجتماعية للدولة، مع استكمال تجسيد إصلاح المنظومة القانونية والمؤسساتية تكريسا للحوكمة، بالموازاة مع تطوير الهياكل القاعدية، عبر إطلاق مشاريع استراتيجية مهيكلة وبعث الاستثمار وتسريع حركيته في إطار مقاربة اقتصادية بحتة.
القدرة الشرائية والمشاريع السكنية ضمن الأولويات
كما أمر الرئيس بالإبقاء على دعم الطبقتين الهشة والمتوسطة نصب أعين الحكومة، وذلك من خلال الحفاظ على القدرة الشرائية، وجعل البرامج السكنية بكل صيغها ضمن الأولويات، صيانة لكرامة المواطنين وتيسيرا لحياتهم.
وشدد الرئيس تبون، على ضرورة أن تضع الحكومة ضمن أولوياتها ونصب عينيها الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن حيت تجعله في منأى عن تداعيات الاضطرابات الدولية والتغيرات المناخية الحادة التي مست كل اقتصاديات العالم بمنحى تصاعدي منذ عدة سنوات، والتي نتج عنها ارتفاع في الأسعار للمنتوجات ذات الاستهلاك الواسع.
ويولي رئيس الجمهورية، أهمية قصوى للحفاظ على القدرة الشرائية للجزائريين، من خلال تدابير اجتماعية تهدف إلى الزيادة في مداخيل الأسر الجزائرية بالموازاة مع الإبقاء على سياسة دعم الأسعار إلى حين استكمال الترتيبات المتعلقة بالفئات التي تستحق الدعم المباشر في إطار سياسة ترمي الى مراجعة منظومة الدعم وتوجيهه إلى مستحقيه.
وقصد ضمان استقرار أسعار المواد واسعة الاستهلاك، تقرر توسيع نطاق تدخل الحكومة في مجالات التحويلات الاجتماعية. وفي هذا الصدد، ارتفع مبلغ التحويلات الاجتماعية المباشرة المخصصة في ميزانية الدولة من 2536 مليار دج في سنة 2022 إلى 2714 مليار دج في سنة 2023، أي بزيادة 178 مليار دج، والذي يعادل 18,45 بالمائة من ميزانية الدولة لسنة 2023.
فعلى سبيل المثال ارتفعت المبالغ المخصصة لدعم مواد الحليب والحبوب والزيت والسكر من 318 مليار دج سنة 2021 لتبلغ 795 مليار دج سنة 2022 جراء ارتفاع الأسعار على المستوى الدولي، كما أن المبالغ المخصصة لهذه المواد قد بلغت في أواخر سبتمبر2023 مبلغ 546 مليار دج وهي مرشحة للارتفاع. في نفس السياق، فإن مستوى دعم السكن قد ارتفع من 273 مليار دج في سنة 2022 إلى 346 مليار دج في سنة 2023. واجمالا فإن حجم الإعانات المباشرة وغير المباشرة قد تعدى 8.000 مليار دج في سنة 2022، أي ما يفوق 25 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ومن المرجح أن تتعدى 7.600 مليار دج في سنة 2023، أي ما يعادل 22,58 بالمائة من الناتج الداخلي الخام .
ع سمير
