قالت باحثة من مركز البحث في تهيئة الإقليم أن التوسع العمراني العشوائي خلال العقود الماضية قد أدى إلى فقدان ولاية قسنطينة لأراض فلاحية ذات جودة عالية بعدة مناطق، فيما ناقش باحثون في كلية الحقوق بجامعة الإخوة منتوري أسباب "الفوضى العمرانية" في المدن في ظل التخطيط الحضري وتحقيق التنمية المستدامة والوصول إلى تجسيد مدن ذكية.
ونظمت فرقة مشروع البحث التكويني الجامعي حول "السياسة العمرانية وتطوير المدن بين تجسيد المدن الجديدة في الشمال والتوجهات المعاصرة لمدن ذكية في الجنوب" بكلية الحقوق في جامعة الإخوة منتوري ملتقى وطنيا حول "التخطيط الحضري بين تطوير المدن وتحقيق التنمية المستدامة"، حيث أفادت رئيسة الملتقى، الدكتورة سناء بن شرطيوة، في تصريح للنصر، أن إشكالية التظاهرة العلمية تتمحور بين تخطيط المدن وتحقيق التنمية المستدامة، مؤكدة أنها تتعلق بالاتجاهات الوطنية الجديدة نحو تجسيد مدن ذكية في الجنوب، كما أضافت أن اختيار موضوع الملتقى يتماشى مع السياسة العمرانية العمومية، وأوضحت أن التخطيط الحضري يعتبر إطارا قانونيا، قبل أن يكون تقنيا.
ولفتت محدثتنا إلى أن الانتشار العشوائي للمدن يعتبر من دوافع التطرق لموضوع الملتقى المذكور، حيث أوضحت أن أسباب هذه الظواهر تعود إلى إهمال الإطار القانوني في بعض الجوانب، رغم أن التخطيط العمراني منظم بجملة من النصوص القانونية قبل تجسيده واقعيا، كما أكدت أن المجال العمراني يعرف حركية كثيفة، فيما يسعى المتدخلون من خلال الملتقى إلى إخراج التخطيط الحضري من الطابع التقليدي إلى التخطيط الجديد لإنعاش التنمية المستدامة. وركز ضيف شرف الملتقى، البروفيسور محمد لخضر مالكي، في كلمته الافتتاحية على أن التخطيط الحضري يعتبر من المسائل الملحة .ونبه المصدر نفسه إلى ضرورة طرح التساؤل اليوم عن التخطيط الحضري ومدى تأديته للغرض، مع ضرورة إعادة النظر في تنظيم التجمعات السكنية، كما أوضح مدير مخبر القانون وعقود الأعمال، الدكتور سامي بن حملة، أن تحديات المشرع الجزائري في إطار التخطيط الحضري ما زالت قائمة.
و ذكرت الدكتورة أمثلة عن بعض التجمعات التي نشأت على أراض فلاحية، مثل تجمع النعجة الصغيرة في بوالصوف ونقاط من زواغي. وصرحت الدكتورة للنصر أن المواطن حلقة محورية في ظهور التجمعات السكنية الفوضوية، و شددت على ضرورة فرض الرقابة الصارمة.
وضعية علي منجلي تحسنت حاليا من ناحية استقطاب المواطنين
وأوضحت الدكتورة أن النصوص القانونية المنظمة للعمران متناثرة، فضلا عن غياب استقرار قانوني في مجال التخطيط الحضري، حيث تصدر بشكل متقطع، كما نبهت الأستاذة أيضا إلى انتقال السياسة العقارية من التضييق في ظل الاشتراكية إلى الفتح، على غرار قانون الاحتياط العقاري للبلدية. أما بخصوص المدن الجديدة، فقد اعتبرت أن إنشاءها يتطلب تهيئة قاعدة أساسية من المرافق، مشيرة إلى أن علي منجلي كانت في بدايتها تفتقر للمرافق، ما جعل سكانها مرتبطين بمدينة قسنطينة في حياتهم اليومية، لكن وضعيتها تحسنت اليوم وصارت تستقطب نشاطات مختلفة. ولا تتفق محدثتنا مع فرضية امتلاك المقاطعة الإدارية علي منجلي لمقومات المدينة الذكية، حيث أشارت إلى أنها "تسجل نقصا حتى في المساحات الخضراء"، مضيفة أن إنشاء مدن ذكية يتطلب في البداية تطهير الوضعية القانونية للعقار، بينما أكدت على ضرورة تضافر جهود جميع الأطراف لإيجاد حلول.
من جهتها، قالت الدكتورة بسمة بوتاش، الباحثة في مركز البحث حول تهيئة الإقليم وعضو قسم التهيئة الحضرية والتنمية البشرية، في تصريح للنصر، أن التخطيط المسبق على المدى البعيد سيجنب الوقوع في العديد من الأخطاء، عوضا عن الإجراءات المتسرعة التي تخلق مشاكل أخرى، على غرار التمدد العمراني على الأراضي الفلاحية الذي عانت منه المدن الصغيرة المحيطة بمدينة قسنطينة، مثل الخروب وعين سمارة، ما أدى إلى خسارة أراضي فلاحية ذات جودة عالية بسبب التوسع العمراني العشوائي. وتعتبر الأراضي الفلاحية "مغرية" للتوسع العمراني لأنها "سهلة للتعمير"، مثلما تشرح الدكتورة بوتاش، حيث لا تستلزم إمكانيات مادية ومالية كبيرة، لكنها أشارت إلى أن البناء العشوائي عليها لا يتسبب به المواطنون فقط، وإنما قد تخرق الجماعات المحلية القوانين في بعض الأحيان ثم تبرر ذلك بـ"الحاجة"، رغم وجود أساليب أخرى للمحافظة على هذه العقارات الفلاحية غير القابلة للاسترجاع.
وذكرت الباحثة أن قسنطينة سجلت نسبة كبيرة من البناء العشوائي على الأراضي الفلاحية ما بين 1980 و2000، لكونها مدينة جاذبة للسكان، ما أدى إلى خلق أحياء البيوت القصديرية والسكن الهش، خصوصا أنها تحولت إلى مناطق عبور للحصول على السكن الاجتماعي. وأشارت المصدر نفسه إلى أن التوسع العمراني العشوائي انعكس سلبا على النشاط الفلاحي في عدة نقاط، مثل حامة بوزيان التي كانت "بستان قسنطينة" في زمن مضى، فضلا عن الخروب تمددت على مساحات كبيرة جدا.
سامي .ح