هل تنجو حملة تحرير الملك العمومي من آفة الموسمية؟


الدار/ تحليل

لا أحد يستبشر بحملات تحرير الملك العمومي أكثر من سكان المدن الكبرى على غرار مدينة الدار البيضاء. البيضاويون ينظرون هذه الأيام بعين الرضا إلى الحملة التي أطلقتها السلطات المحلية من أجل تحرير مساحات واسعة من الملك العمومي تعرّضت للاحتلال بالأسواق العشوائية و”الفراشات” والدكاكين الصفيحية بشكل أثر على حركة السير والجولان وحوّل شوارع المدينة إلى فوضى عمرانية وحضرية وضرب جماليتها في مقتل. لم يعد سكان مدينة الدار البيضاء قادرين على التنقل مشيا على الأقدام أو بالسيارات باطمئنان وأمان وسرعة بسبب هذا الركام الهائل من الفوضى المفتوحة التي تحولت بمرور الوقت إلى أمر واقع يعجز عن التعامل معه أكثر المسؤولين كفاءة.

يبدو أن والي جهة الدار البيضاء سطات الجديد امحمد امهيدية واعٍ تماما بمعاناة ساكنة الدار البيضاء مع ظاهرة احتلال الملك العمومي، وقرر بجرأة كبيرة أن يطلق حملة شاملة على هذه الفوضى في مختلف مقاطعات مدينة الدار البيضاء. وهو يدرك تمام الإدراك أن هذه المهمة ليست سهلة أبدا وأنها معضلة اجتماعية وعمرانية واقتصادية حقيقية بالنظر إلى أنها تخفي وراءها اقتصادا واسعا غير مهيكل يشغّل عشرات الآلاف إن لم نقل مئات الآلاف من البيضاويين، ويدرّ مليارات الدراهم التي تذهب في الغالب في مسارات إنفاق غامضة بعيدة عن المسارات الاقتصادية المنتجة، ولا تستفيد منها خزينة الدولة أو موارد السلطات العمومية فلسا واحدا.

ليست هذه هي الحملة الأولى التي تشهدها مدينة الدار البيضاء. لقد سبقتها حملات أخرى لا تقل اتساعا وتأثيرا، كان أشهرها تلك التي أطلقها سنة 2001 الوالي السابق ادريس بنهيمة، وبدأت حينها باستهداف المقاهي التي تستغل الأرصفة دون ترخيص قانوني. لكننا نذكر جميعا أن هذه الحملة لم تستمر طويلا، وسرعان ما رحل بنهيمة عن منصبه في 2003 بعد أن فشلت هذه الحملة التي وجهها ضد احتلال الملك العمومي. آفة هذه الحملات إذاً أنها موسمية ومؤقتة وسرعان ما يخبو حماسها وتنطفئ جرأتها بمجرد زيادة الاحتجاجات أو تصاعد الاحتقان الاجتماعي أو تدخل أصحاب المصالح بضغوطهم وتأثيراتهم الخارجية. والبيضاويون يأملون ألّا تكون حملة الوالي امحمد امهيدية من نفس الطينة.

هذه الحملة لا ينبغي لها أن تكون موسمية لأن الدار البيضاء لم تعد تتحمل أبدا حالة الفوضى التي تعيش فيها على مستوى تهيئة المجالات العمومية وتهيئة المرافق الحضرية. الدار البيضاء مدينة تتطور اقتصاديا وماليا لكنها لا تواكب ذلك بالتطور العمراني والحضري اللازم. المفارقات الصارخة التي نراها في شوارعنا أكبر دليل على ذلك، بين خطوط الترامواي والباص واي وناطحات السحاب، وبين عربات الخضروات والفواكه المجرورة بالدواب والحمير. لكن هل الحملة ضد احتلال الملك العمومي يمكن أن تنجح إذا اقتصرت فقط على اجتثاث المحتلين من مواقعهم؟ هناك بعد اجتماعي عميق يقف وراء هذه الظاهرة ولا بد من البحث عن حلول جذرية للتعامل معه.

الأسواق النموذجية مثال لهذه الحلول التي يمكنها أن تعالج هذه المعضلة، لكن هذا الحل يواجه تحديات وصعوبات بالغة من أهمها ضيق الوعاء العقاري الذي لم يعد متاحا في مدينة الدار البيضاء. تخصيص مناطق مفتوحة لأصحاب العربات و”الفراشات” يمكن أن يمثل حلا لتجاوز هذه المعضلة، لكن أين هي هذه المساحات المتاحة لاحتضان أنشطة تجارية من هذه النوعية؟ هناك إذاً معوقات بنيوية من الصعب على أي إرادة طموحة تجاوزها بسهولة لتحرير الملك العمومي. ومن المؤكد أن التعويل على المقاربة الردعية والأمنية وحدها لن يؤدي بالضرورة إلى حل المشكلة لأن معالجة التراكمات الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها.

تاريخ الخبر: 2023-11-24 09:26:23
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 51%

آخر الأخبار حول العالم

حركة حماس تقول إنها تدرس "بروح إيجابية" مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:27:46
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 67%

حركة حماس تقول إنها تدرس "بروح إيجابية" مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:27:49
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية