أفرزت المقترحات التي قدمتها الأحزاب السياسية المغربية، أثناء اجتماعاتها مع الهيئة المكلفة بإعادة النظر في مدونة الأسرة، تيارات إيديولوجية وانحيازات سياسية خلقت نوع من الشد والجذب في الآراء حول التعديل الأسري.
ولم يبتعد خيار العدالة والتنمية عن ما كان متوقعا، بدعمه للجبهة “المحافظة” الرافضة لمقترح “المساواة في الإرث وإلغاء التعصيب”، استنادا إلى الشرعية الدينية التي تتبناها الدولة المغربية ملكا وشعبا، وأيضا المقتضيات الدستورية التي تقوم على الدين الإسلامي بناء على القرآن والسنة.
وشدد حزب “المصباح” في مقترحاته على ضرورة التوجيه القرآني لإعطاء الأولوية “لرعاية مصالح الزوجة والأبناء”، وأن “ينظر القضاء في موضوع السكن الرئيسي ولا يسمح بتشريد الزوجة وبناتها”، وأن شرط “الانتفاء يبقى بيد الزوجة والقضاء”.
بالمقابل، طالبت الأحزاب اليسارية الداعمة للتيار الحداثي، بضرورة إحداث تغيير جذري في مدونة الأسرة، وأيضا إقرار نظام “المساواة في الإرث” و”إلغاء منظومة التعصيب المنتقصة”، حسب أفكارهم ومقترحاتهم.
وتقدم حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي بمقترحات اعتبرها “تغييرات جوهرية لاصلاح أحوال الأسرة”، تسير في مسار “المساواة بين الجنسين” في كل فروع التعديل، حيث دقت “الفيدرالية” باب “الالتفاف” وراء التعديل الإرثي، متمسكة بحبل “الاتفاقيات” و”القوانين الدولية” التي تنخرط فيها المملكة المغربية، والتي تنص على “تجميع” المرأة والرجل في “قالب واحد”.
العدالة المحافظة
قال مصطفى الخلفي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، إن “الحزب عبر في اجتماعه مع الهيئة عن رفضه لمطلب المساواة في الإرث، بسبب تعارضه مع النصوص القرآنية القطعية الصريحة، وانسجاما مع الهوية الإسلامية المغربية”، مؤكدا على أنه “لا يمكن قبول هذا الطرح”، ومشددا على رفضه التام لإلغاء نظام التعصيب.
وأورد مصطفى الخلفي، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “الحزب عبر في مقترحاته على خطر تشريد الأرملة وبناتها، وأن يحفظ حق العصبة في الإرث إلى غاية انتفاء خطر التشرد حسب الآية 9 من سورة النساء”، مبينا أنه “لا تقع قسمة ذلك المنزل فيحفظ الحق في ملكية الرقابة، لكن الانتفاء يكون للزوجة وبناتها”.
وتابع المتحدث عينه: “رفضنا إلغاء التعصيب، فاقترحنا أن يكون الحل بين يدي القضاء المغربي، على أساس أن السكن الرئيسي لا يسمح بتقسيمه بسبب عدم تجاوزه لقيمة معينة، فهذه القيمة تحدد بنص تنظيمي”.
اليسار الحداثي
من جهتها، قالت فاطمة الزهراء التامني، عضو المكتب السياسي لفيدرالية اليسار الديمقراطي، إن “المدونة الحالية تشوبها مجموعة من الاختلالات بالنظر إلى ما يجري في الواقع، نظراً للتطور الذي يعرفه المجتمع المغربي وأيضا مدونة الأسرة، في ظل التمييز الواضح الذي يحول دون تأسيس دولة تتمتع بالكرامة والتقدم”.
وأضافت التامني، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “الحزب تقدم بمجموعة من المقترحات التي تخص التغيير الجوهري لأحكام مدونة الأسرة، لأن هناك تحديثا وتعميقا للتيار الحداثي، الذي يضمن استقرار وتوازن الأسرة المغربية، والحفاظ على حقوق المرأة والطفل”.
وشددت البرلمانية المعارضة على ضرورة “إقرار مساواة بين الجنسين داخل المجتمع المغربي، للتجاوب مع التغيرات الاجتماعية التي فرضتها الظرفية”، مشيرة إلى أن “فصل 484 الذي يعاقب كل شخص أقام علاقة جنسية مع قاصر ولو برضاها، ونجد في مدونة الأسرة هناك نصوص تسمح بتزويج القاصر”.
“في الإرث يجب الاقرار على المساواة بين الجنسين، لأن أسمى قوانين البلاد وهي الدستور المغربي تنص على المساواة بين المرأة والرجل”، تقول المتحدثة، لافتة إلى أن “هناك سبلا للانفتاح على مذاهب أخرى غير المذهب المالكي”.
ولفتت التامني إلى أن حزبها ليس “ضد الدين الإسلامي وأن الدين لا يمنع الاجتهاد من أجل الحفاظ على مصلحة الأسرة”.