فلسطين بين التديين والترخيص بالإبادة 2
فلسطين بين التديين والترخيص بالإبادة 2
رحي الحرب الدائرة في غزة اتسعت, وستتسع لتسحق أبرياء كثيرين ما لم يتوقف القتال, ما لم يتم استخدام ورقة ضغط قوية ضد إسرائيل, ما لم تتم السيطرة علي جموح حماس التي تعلم جيدا أنها حرب غير متكافئة, قد تجر المنطقة كلها لمصير أسود, خاصة بعد التصعيد الجاري لتديين القضية علي الصعيد الشعبوي, وهو مكمن الخطر. الذي كتبنا عنه هنا وفي ذات المساحة قبل شهر من الآن, تحت نفس العنوان فلسطين بين التديين والترخيص بالإبادة وها هي الموشرات تضيف مخاوف فوق المخاوف, فها هي الحرب تدخل يومها الـ72, وإسرائيل تكثف القصف والقتل بالرغم من كل الضغوط الدولية, وبرغم تحذير الرئيس الأمريكي جو بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن الدولة العبرية بصدد خسارة ما اسماه الدعم العالمي لحربها ضد حركة حماس بسبب قصفها العشوائي لقطاع غزة, إلا أن وصلف نتنياهو يتزايد يوما بعد يوم حتي أنه يتعهد بمواصلة الحرب حتي النصر وتصفية حماس, يقابله مزيد من التحدي من إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس, الذي يؤكد أن الحديث عن غزة بلا حماس وهم, والنتيجة شلال من الدم لا يتوقف, ومزيد من التوترات العالقة بالمنطقة, والتي امتدت تداعياتها نحو أوروبا.
وها هي المؤشرات تطال فرنسا وألمانيا, بسبب الدعم الذي ذكره بايدن, إذ عاد النشاط الإرهابي للذئاب المنفردة التابعة لتنظيم داعش للظهور مرة أخري, تحت دعوي مناصرة غزة وعقاب للغرب علي موقفه الداعم لإسرائيل, ففي مطلع ديسمبر الحالي, وقع حادث طعن في العاصمة الفرنسية باريس نفذه داعشي وتسبب الهجوم في مقتل سائح ألماني وإصابة اثنين آخرين بالقرب من برج إيفل بباريس, وهو ما يوافق تماما ما أعلنه المدعي العام الفرنسي في قضايا مكافحة الإرهاب جان فرنسوا ريكار عن إن منفذ الهجوم بايع تنظيم الدولة الإسلامية في شريط مصور بثه قبل تنفيذ العملية.
نعم فالجماعات التكفيرية تتبني تديين القضية أيضا, والتنظيمات الإرهابية توظف حرب غزة وتوظف الصراعات السياسية بمنطقة الشرق الأوسط لتنفيذ هجمات في الدول الأوروبية, وليس أدل علي ذلك من استخدام تنظيم داعش لدوريته الأسبوعية (النبأ) لتقديم توجيهات لعناصره بتنفيذ هجمات ضد مجتمعات اليهود بالمنطقة, وكذلك استهداف مصالحهم الاقتصادية. وفقا لـإنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية الإماراتية.
هذا ما دفع مفوضة الاتحاد الأوروبي للشئون الداخلية إيلفا يوهانسون منذ أيام لإطلاق تحذير من خطر كبير لاحتمالات وقوع هجمات إرهابية في دول الاتحاد الأوروبي, خلال الفترة القادمة تزامنا مع حلول موسم عطلات أعياد الميلاد, بسبب حالة الاستقطاب التي يعيشها المجتمع الأوروبي جراء انعكاسات حرب غزة والاضطرابات المستمرة بالشرق الأوسط. تري ما الذي صنع ذلك الاستقطاب؟ إنه تديين القضية الذي تلفقته التنظيمات وعبر مباييعيها, تحول إعادة الصورة القاتمة التي كانت قبل سنوات قليلة. وتستقطب الأضواء مرة أخري بعد أن تلقت ضربات موجعة قوضت نشاطها لفترة طويلة.
وبعد أن تصور العالم أنه استفاق من كابوس داعش, جاءت حماس لتوقظ التوحش الصهيوني, بعملية طوفان الأقصي التي من اسمها يبدو أنها تحمل طابعا دينيا بحتا, ثم تلفقت إسرائيل العملية لتشرعن الدمار والإبادة الجماعية لأهل غزة, تحت غطاء الدفاع عن نفسها, والانتقام من أجل تهويد الأرض, وهكذا يستمر تديين القضية, وإسرائيل لا تستيقظ من الحل الأزلي بأرض الموعد, التي باتت لا ترتوي سوي بالدماء ولا تنبت سوي الخراب, إسرائيل تهود الأرض, وفي المقابل تؤسلمها حماس, والبعض يدفع في اتجاه تحريض كل من له مقدسات في القدس لينتفض, وكأن أطرافا بعينها تدفع الجميع للاقتتال باسم الله, والنتيجة عشرات الآلاف من الضحايا, فهل هذا يرضي الله؟ أليس بينكم صاحب ضمير يقظ يسأل نفسه هل هذا حقا ما يريده الله؟