- كيف أصبحت قطر وسيطا في أزمات الشرق الأوسط وحروبه؟
- لبنان يحمل قضية "الإبادة البيئية" إلى مؤتمر الأطراف في دبي
كيف بدت الدبلوماسية والتحالفات في العالم العربي عام 2023؟
كيف بدت الدبلوماسية والتحالفات في العالم العربي عام 2023؟
منذ نهاية 2022 ومطلع العام 2023، بدا واضحاً أن العديد من الدولة العربية، قررت التوجه نحو شؤونها الداخلية، في حين غيرت أسلوبها في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية، وأصبحت شعارات كـ"المواطن أولا" والتي انتهجتها السعودية، و"لا حل على حساب حدودنا" والتي انتهجها الأردن ومصر، هي الشعارات الأبرز التي رافقت تصريحات القادة العرب من الخليج إلى المحيط. السعودية وقطر .. الاهتمام بالداخل والدبلوماسية الإقليمية في نهاية العام الماضي جذبت قطر الأنظار للمنطقة العربية، بتنظيم دورة لكأس العالم كانت الأغلى تكلفة على مر التاريخ، وتبعتها السعودية مطلع العام الجاري بمجموعة إصلاحات داخلية، قالت إنها تسعى من خلالها لأن تصبح وجهة سياحية عالمية، في حين سعت دول عربية كسوريا وليبيا واللتان شهدتا صراعات على مدار العقد الماضي، إلى إظهار صورة داخلية تُروج من خلالها إلى "الاستقرار الأمني النسبي" الذي شهدته العام الماضي، بالإضافة إلى بوادر تسوية في اليمن، بعد سنوات من الصراع على السلطة والحرب بين الحوثيين وحكومة عبد ربه منصور هادي، التي تدعمها السعودية وقادت تحالفاً عسكرياً عربياً للقتال في اليمن. يقول الباحث في العلاقات الدولية الدكتور طارق وهبي، إن دول الخليج، على سبيل المثال، وصلت خلال العام إلى نمو اقتصادي مهم ومشبّع بالاستثمارات الخارجية منها المربح ومنها الإعلاني المبني على إظهار القدرة المالية عبر الرياضة و الشراكات الاستعراضية القائمة على الترفيه وغيره، إذ توقع الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والمفاوضات بمجلس التعاون الخليجي ارتفاع الناتج المحلي الخليجي مع نهاية العام الجاري 2023 ليصل إلى 2.3 تريليون دولار، ويضيف وهبي أن تلك العوامل شكلت جميعها نوعاً من الحدود الوهمية لا تتخطاها، في إشارة إلى ما اعتبره اهتماماً أولته الدول الخليجية بشؤونها الداخلية وتركيزها على الإصلاح داخل حدود كل منها، موضحاً أن السياسة التى اتبعتها دول الخليج داخل "حدودها الوهمية" ساعدتها في صناعة سياسة خارجية أكثر تأثيراً، خاصة وأنها هيّأت الظروف لاستضافة مؤتمرات واجتماعات دولية عدة. ويشير وهبي إلى أن "الحصار" الذي فرضته دول خليجية وعربية على قطر كان نقلة نوعية لكيفية الرد السياسي، وموضحاً أن عزل قطر واتهامها سياسياً بالارتباط مع الفصائل الإسلامية جعلها محاوراً أولاً وضرورياً في عملية التفاوض التي تحصل بخصوص السجناء الفلسطينيين والرهائن الإسرائيليين في الحرب الجارية بين إسرائيل وحماس، إذ أن تمسك قطر بموقفها وعدم تراجعها بشكل كامل عن دعم حلفائها من الفصائل الإسلامية، رغم الضغوطات السياسية، جعل منها لاعباً أساسياً وحلقة وصل مع تلك الفصائل والجماعات. أما المحاضرة والباحثة الجيوسياسية في جامعة باريس الدكتورة سيرين جريزي، فترى أن الدول العربية أدركت أخيراً أن الاهتمام بالداخل والانفتاح أكثر على العالم، هو الطريق الوحيد والأسرع نحو بناء مكانة إقليمية ودولية، وتشير جريزي إلى السعودية التي شهدت "طفرة نوعية" على الصعيدين الاقتصادي والمجتمعي خلال العام، من خلال تحسين اقتصادها والانفتاح على العالم، والتي قد تكون سبباً في خروجها من "القوقعة التي وضعت نفسها فيها" بسبب مجموعة من القضايا الحقوقية والإنسانية، كقضية خاشقجي التي جعلت الرياض في موقف محرج مع العالم كما تقول جريزي. ويعزو المشرف العام على مركز البحوث الأمنية وبرامج الأمن الوطني في جامعة نايف العربية الدكتور هشام الغنام، سياسة الأولوية الداخلية التي اعتمدتها الدول العربية، إلى أن بعضها كان بسبب "الهزة" التي تعرضت لها المنطقة العربية منذ عام 2011 ولا تزال تعاني من آثارها حتى الآن، فيما انتهجت بعض الدول الأخرى هذه السياسة بفعل "الضرورة"، مؤكداً أن رؤية "الداخل أولاً"، لم تؤثر على الدور الدولي الذي تحاول الدول العربية لعبه، على الأقل بالنسبة لدول خليجية كالسعودية وقطر وعُمان والامارات، مشيراً إلى أن الدول الخليجية أدركت أهمية تنويع اقتصادها، وتوطين التكنولوجيا والصناعات الحيوية من أجل الحفاظ على رفاهية الشعب، في المقابل استقبلت العديد من رؤساء العالم خلال 2023 ونظمت العديد من الفعاليات الدولية كاجتماعات بريكس ومجموعة العشرين وعدد من القمم العربية والإسلامية التي استضافتها السعودية، ومؤتمر المناخ في الإمارات كنوع من الحراك الدولي. ويرى الغنام أن عودة العلاقات السعودية القطرية إلى سابق عهدها بعد قمة العلا وتقارب الرؤية بين البلدين في عدد من القضايا الإقليمية، لا يرتقِ لمستوى الحديث عن تحالف سياسي ودبلوماسي لأن التحالف بالتعريف يكون موجهاً ضد جهة ما وهذا غير موجود، مشيراً إلى أن مشكلات اليمن وسوريا وليبيا والسودان هي مشكلات داخلية في الأساس، والتوافق العربي عامل مساعد على دعم الاستقرار فيها، وليس الحاسم لحلها بشكل كامل. وفيما يخص الدور المصري الإقليمي والدولي باعتبارها لاعباً أساسياً في قضايا المنطقة، فيرى الغنام أن هناك محدودية في دور القاهرة خلال العام الماضي، ولا علاقة لتلك المحدودية بما جرى ويجري في مصر منذ 2011، إذ أن الوضع الاقتصادي المصري خلال السنوات الأخيرة أثّر كثيراً على دورها الإقليمي والدولي. استقرار الأمن النسبي منذ انطلاق ما سمي بالربيع العربي عام 2011 والذي أسقط عدداً من الأنظمة السياسية القائمة حينها، شهدت المنطقة العربية تغيرات جذرية، وشداً وجذباً على مستوى التحالفات العربية العربية والعربية الدولية، إذ تسببت رؤية إعادة الاستقرار لهذه الدول، في خلافات واختلافات بين الدول العربية لا سيما المؤثرة. ويرى عدد من الدبلوماسيين والسياسيين أن عام 2023، ما هو إلا نتاج تجارب سياسية وعسكرية ومساع دبلوماسية لسنوات سابقة، إذ أن عودة الاستقرار الأمني النسبي لبعض الدول في المنطقة العربية، خير دليل على "صدق النوايا" للالتزام بنتائج قمة العلا التي استضافتها السعودية عام 2020، وقررت فيها عدد من الدول العربية تجاوز خلافاتها وتوحيد رؤيتها لحل القضايا في المنطقة العربية.