عندما تتساقط رموز الكابرانات وتبقى تطلّعات شعوب المغرب العربي


الدار/ افتتاحية

يتساقط أزلام نظام الكابرانات واحدا بعد الآخر وتتساقط معهم أوهام تقسيم المغرب والقضاء على وحدته الترابية واستقراره السياسي النموذجي. بالأمس قضى بوتفليقة وبعده قضى قايد صالح وبينهما سقط الكثير من الحاقدين على بلدنا، وآخرهم الجنرال خالد نزار، الجلاد الذي طاردته جرائمه في المحاكم الدولية إلى أن توفي قبل يومين. هذا المسؤول الأمني المرعب الذي أرعب الجزائريين خلال سنوات العشرية السوداء واتهمه الكثيرون بالتورط في اغتيال الرئيس الجزائري العائد من المنفى محمد بوضياف يحظى اليوم بعناية خاصة من نظام الكابرانات ولا سيّما من اللواء الأسير السابق السعيد شنقريحة والرئيس الدمية عبد المجيد تبون. اهتمام النظام الجزائري بتنفيذ وصية الجنرال السيء السمعة ودفنه حيث أراد دليل على ارتباط قيادة هذا النظام بتاريخها الأسود والإجرامي.

كان خالد نزار من وراء الكثير من المؤامرات التي استهدفت المغرب واستقراره لسنوات طويلة، ولعلّ المؤامرة الأبرز هي تورطه في هندسة الانقلاب وعملية اغتيال الرئيس الجزائري محمد بوضياف الذي عاد إلى الجزائر من المغرب، وفي نيته تحقيق مصالحة شاملة بين المغرب والجزائر وإنهاء الخلافات القديمة لولا عملية التصفية العلنية والدنيئة التي تعرّض لها أمام الكاميرات. لو تمكن الرئيس الراحل محمد بوضياف حينها من ممارسة صلاحياته وتنفيذ وعوده لربّما ربح المغاربة والجزائريون اتحادا قويا للمغرب العربي، ولربّما كسبنا الكثير من الوقت المهدور والفرص الضائعة التي كان من الممكن أن تجعل من التعاون بين البلدين نموذجا مثاليا للشراكات الناجحة في المنطقة.

مضى على اغتيال بوضياف 33 عاما وكانت هذه المدة الطويلة جدا في تاريخ الأمم كافية لتحقيق الأهداف التي سطّرها آنذاك كل من الرئيس الجزائري الشادلي بن جديد والملك الراحل الحسن الثاني عندما وضعا معاً أسس اتحاد المغرب العربي في زرالدة ثم في مراكش لاحقا. لكن الحرس القديم من أمثال الجنرال خالد نزار وورثته الحاليين كانوا بالمرصاد لهذا الأمل وتلك الأماني التي كانت شعوب المنطقة تحملها وتسعى إليها للتحرر الفعلي من ربقة الاستغلال الاستعماري والتدخل الأجنبي. ماذا كسب نظام العصابة العسكرية اليوم بعد عقود طويلة من التغوّل والاستحواذ على السلطة؟ لا شيء تحقّق طبعا غير بناء نظام فاشل على الأصعدة كافة. الجنرال خالد نزار الذي لم يكن يخفي “بطولاته” في انتهاك حقوق الإنسان وارتكاب الفظاعات، كان نموذجا حيا ومعبّرا عن طينة القادة الحاليين الذين ما زالوا يتربعون على عرش السلطة في الجزائر.

بعبارة أخرى إن رحيل هذا الرجل المتسلّط يمثل بداية أفول جيل عريض من قادة النظام العسكري في الجزائر، والذين جاوز أغلبهم سنّ السبعين وما يزالون متشبثين بدواليب السلطة ومفاصلها. ولعلّ بعضهم اليوم يتحسّس رأسه بعد أن بدأت الأصوات المعارضة المطالبة بكشف جرائم الماضي ومحاسبة المسؤولين عنها ترتفع. وهي بالمناسبة الأصوات نفسها التي كانت قد تعالت في حراك فيفري الشهير وسرعان ما تم كتمانها بإجراءات القمع والتسلّط التي أشرف عليها الجيش الجزائري ومخابراته المتحكمة في مسار اللعبة السياسية. إذا كان خالد نزار رمزا عنيفا دالا على طبيعة نظام الكابرانات فإن هذا الأخير ما يزال يعتمد على العديد من الرموز المشابهة له في ثقافتها السياسية والأمنية والحقوقية، وفي رفضها لكلّ أشكال التطور أو التغيير أو التجديد المستجيبة لانتظارات الشارع الجزائري وتطلّعات شعوب المنطقة.

من المفترض أن يكون رحيل خالد نزار إيذانا بإغلاق صفحة سوداء من تاريخ الجزائر القصير، لكن على ما يبدو ما دام القرار السياسي مرتهنا إلى تحكّم العصابة العسكرية فإن نزار وأمثاله سيظلون رموزا “للوطنية” المزعومة والتفاني في خدمة البلاد، ولو كان ذلك على حساب كرامة المواطن الجزائري وحقوقه الأساسية. لكن العزاء الوحيد الذي يطمئن هذا المواطن اليوم هو أن تكريم الجنرالات تقابله في الوقت نفسه محاسبة مزبلة التاريخ.

تاريخ الخبر: 2024-01-02 09:26:25
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية