أظهرت الحوارات القطاعية التي تعرفها مختلف الوزارات مع النقابات، عجزا لهذه الأخيرة عن تمثيل الشِّغيلة، وهو ما يجعل مصداقيتها على المحك.
وفي ظل حالة من ضعف الثقة في النقابات، كما ظهر في إضراب الأساتذة، برزت على الساحة في الأعوام الأخيرة “تنسيقات” تقوم مقام النقابات في رفع مطالب الشغيلة، وهو ما يحيل على فشل النقابات في الاضطلاع بدور الوساطة الذي يجب أن تنهض به أمام السلطة التنفيذية.
وتأتي هذه التطورات بالتوازي مع انشغال حكومة عزيز أخنوش بإصدار قانون النقابات الذي لم تنجح حكومتي العدالة والتنمية السابقتين في إنهاء ورشه، والذي لا يعرف ما إن كان سيعيد للنقابات “هيبتها الضائعة” أم سيزيد من إضعافها، لذلك يبقى السؤال المطروح: ما هو السبيل لاستعادة الثقة في النقابات؟
سلمان بونعمان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس، يقول إن “استرجاع الثقة مسار تراكمي وعمل متعدد الأبعاد الاجتماعية والثقافية والسياسية والقانونية، ولا يمكن حصر تحقيقه في إصدار قانون أو دعم رسمي معين، وهو بالتأكيد مسؤولية مشتركة بين الدولة والقوى الحية في المجتمع، وتركيب خلاق بين إرادة الدولة الإصلاحية وتفاعل المجتمع الحي وحضور الفاعل السياسي المؤثر والناصح”.
وأضاف بونعمان، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “فقدان الثقة في النقابات والوسائط الاجتماعية والمدنية والحزبية تعبير عن أزمة عميقة تمر منها السياسة بالمغرب، وهي أزمة مركبة لا يمكن فهمها من زاوية واحدة، وإنما من زوايا متعددة تطرح سؤال العلاقة بين الدولة والمجتمع، وسؤال العلاقة بين السياسة والمجتمع، وكذا الفعالية الإصلاحية للسياسات العمومية في مختلف القطاعات الاجتماعية وارتهانها للأفق التقنوقراطي الضيق الذي يعتقد أن الحلول التقنية الفوقية الجاهزة سبيل تحقيق التنمية. وهذا يطرح بشدة أزمة الشرعية في بعدها السياسي والإقناعي والإنجازي والديمقراطي”.
وبالنسبة إلى المحلل السياسي فإن “بناء الثقة والمصداقية والصالح العام في بناء السياسات وإعداد القوانين وتنزيل البرامج أمر أساسي في مسار يطمح لبناء نموذج تنموي جديد يحرص أشد الحرص على كرامة الأستاذ والمدرس والاهتمام به والاعتزاز بوظيفته التربوية والعلمية والوطنية، وتقديره المادي والمعنوي لأن ذلك جزء أصيل من كسب معركة التنمية، التي تتطلب استعادة “الأستاذية” لمكانتها المجتمعية وقيمتها الرمزية ومقامها الحضاري، إذا أردنا أن يكون العلم قاطرة حقيقية للتنمية”.
وأشار المتحدث إلى أن “الثقة كأم الفضائل الاجتماعية وأساس العمران وصلاح أحوال أي أمة والحفاظ على قدراتها الديمقراطية والتنافسية والتفاوضية مشروط بتوافر سمة ثقافية وحيدة وراسخة، ألا وهي الثقة ومدى انتشارها وتأصلها في المجتمع، كما يقول فرانسيس فوكوياما”، مشددا على أن “غياب الثقة السياسية بمعناها العام، بالإضافة إلى حالة من الخطاب السياسي التائه والعاجز عن التفاعل مع نبض المجتمع ومعاناته والتحولات التي تطاله، في ظل فعل نقابي باهت بدون خطاب مقنع ومتماسك يتسم بالنقد والإبداع والاستقلالية، ستكون نتيجته بروز حركات مطلبية ما بعد نقابية لا تؤمن بالمؤسسة النقابية ولا بأدوارها أو حتى جدواها، وتتمرد على كل الأنساق وتتجاوز كل القيود وتستثمر في طاقة الغضب المتراكم وفي الانتهاك الصارخ للكرامة، مما قد يؤدي إلى شكل من الصدام بين المجتمع والدولة”.
وختم بونعمان حديثه بالقول: “إن استرجاع الثقة مسار تراكمي وعمل متعدد الأبعاد الاجتماعية والثقافية والسياسية والقانونية ولا يمكن حصر تحقيقه في إصدار قانون أو دعم رسمي معين، وهو بالتأكيد مسؤولية مشتركة بين الدولة والقوى الحية في المجتمع، وتركيب خلاق بين إرادة الدولة الإصلاحية وتفاعل المجتمع الحي وحضور الفاعل السياسي المؤثر والناصح”.
