افتتاحية الدار: الوحدة الترابية.. المنظور الذي يحكم علاقات بلادنا مع الخارج


الدار/ افتتاحية

لم يعد من الممكن تجاوز هذه الحقيقة الساطعة اليوم في سماء الدبلوماسية الوطنية. المغرب لا يقبل أن يبني علاقات سوية ومزدهرة مع أيّ بلد آخر مهما كان موقعه أو مكانته على حساب وحدته الترابية واستقراره السياسي. العين التي ننظر بها اليوم إلى علاقاتنا الخارجية هي قضية الصحراء المغربية مثلما قرّر ذلك جلالة الملك محمد السادس في خطاب سابق. ومستقبلا سيزداد هذا المعيار صرامة أكثر فأكثر. من غير المقبول بتاتا أن تقبل بلادنا ازدواجية المعايير وغموض المواقف في قضية تعد أولوية الأولويات التاريخية والوطنية. وثمة بلدان رئيسيان يتعين عليهما اتخاذ مواقف واضحة بهذا الخصوص إذا أرادا أن يستفيدا من استجابة كاملة على مستوى العلاقات مع المغرب.

البلد الأول طبعا هو البلد الجار الجزائر التي تعد سبب المشكلة الانفصالية والداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو بالمال والسلاح والغطاء السياسي والدبلوماسي. لولا النظام الجزائري لما كان هناك أصلا نزاع مفتعل على غرار هذا الذي نعيش تداعياته المؤسفة منذ عقود. لولا مكيدة الجزائر وحقد أنظمتها المتعاقبة على المغرب لربّما كانت راية اتحاد المغرب العربي تخفق في البلدان الأربع خفاقة بالنماء والتنمية والتطوير وجني ثمار التعاون الاقتصادي والأمني والسياسي على غرار ما نجحت في تحقيقه دول كانت إلى الأمس القريب تعيش حالة عداء كامل مثل ألمانيا وفرنسا. وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف الذي فبرك قصة الاتصال الهاتفي بالخارجية المغربية دون أن يتلقى ردا ينسى أن الردّ لا يمكن أن يأتي في ظل إصرار الجزائر على مواقفها العدائية.

عندما سيدرك النظام الجزائري أن أطروحة الانفصال مجرد مكيدة شر دُبّرت بليل وأن عمرها الافتراضي انتهى منذ زمن بحكم الواقع والتاريخ والجغرافيا حينها يمكن أن تعود المياه إلى مجاريها وتعود العلاقات الطبيعية بين البلدين إلى ما يفترض أن تكون عليه. لكن ما دام نظام الكابرانات متورطا إلى حد كبير وبشكل علني في معاكسة الوحدة الترابية لبلادنا فلا مجال للحديث عن أيّ تطبيع أو عودة إلى الانفتاح الجغرافي أو السياسي أو الإنساني بين البلدين. لا يمكن أبدا أن تتعامل مع جار شغله الشاغل أن يقسّم بلادك إلى قسمين أو أكثر ويدمّر وحدتك الترابية ويهدد استقرارك. صحيح أن المغرب يواصل مدّ يد التعاون والمصالحة مع الجزائر لكن ذلك مشروط أيضا بالتوقف عن تهديد السيادة الوطنية على الصحراء المغربية، وهذا ما لا يفهمه الكثيرون.

البلد الآخر الذي ينبغي له أن يفهم ويستوعب أن قضية الصحراء المغربية أضحت هي المصفاة التي نغربل من خلالها أصدقاءنا وخصومنا ونميز بها حلفاءنا من أعدائنا هو فرنسا. القوة الاستعمارية السابقة التي لا يمكنها أن تنسى أبدا مسؤولياتها التاريخية عن المشكلات الحدودية التي خلقتها في المنطقة والخلافات التي زرعتها، سواء بين المغرب والجزائر أو بين المغرب وعدد من جيرانه في الماضي. الرئاسة الفرنسية على وجه التحديد مطالبة أكثر من أيّ وقت مضى، لا سيما أن ولايتها شارفت على الانتهاء، باتخاذ موقف شجاع ومحترم تكفر بها على الأقل عن أخطاء الماضي وعن العديد من جرائم فرنسا الاستعمارية التي ارتُكبت في بلادنا وفي المنطقة بأكملها.

أقل ما يمكن أن تقدمه فرنسا للمغرب ولشمال إفريقيا عموما هي أن تبادر إلى التخلص من مزاعم الولاء لحقوق الشعوب في تقرير المصير والتعامل بمنطق اللعب على الحبلين بين المغرب والجزائر، وتقدم تصورا أكثر وضوحا عن موقفها من النزاع المفتعل. لا يمكن أبدا أن نقبل من فرنسا استمرار مواقفها الرمادية في قضية تدرك هي أكثر من غيرها أنها مجرد صنيعة من صنائع الحرب الباردة، وأن السيادة المغربية على الصحراء حقيقة تاريخية تمتد إلى مئات السنين منذ تأسيس أولى الإمبراطوريات المغربية التي تعاقبت على حكم المنطقة وتوسعت حتى وصلت حدودها إلى مناطق الساحل الإفريقي. يجب ألّا تستغرب النخبة الحاكمة في فرنسا إذاً من صرامة الموقف المغربي تجاه تعنّت فرنسا ورفضها مسايرة التطورات الحاصلة في هذا الملف. لأنها فعلا تأخرت كثيرا عن اتخاذ الموقف الذي يفرضه اليوم واقع الصحراء المغربية.

تاريخ الخبر: 2024-01-08 00:26:38
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 00:26:09
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 00:26:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية