كيف تحوّل إعلام الكابرانات إلى ناكر لمعروف المغرب في الثورة الجزائرية؟


الدار/ افتتاحية

تطرّق العدد الأخير من مجلة الجيش الشعبي الجزائري للذكرى الـ67 لتأسيس الإذاعة السرية أو الوطنية. تحدث التقرير الذي نشرته المجلة عن جانب واسع من تاريخ هذه الإذاعة لكنه لم تعمّد تجاهل نقطة مهمة في تاريخ هذه الإذاعة، ألا وهي مكان تأسيسها. أين تأسست الإذاعة السرية الجزائرية؟ يكفي إجراء بحث بسيط عبر محركات البحث الشهيرة أو في موسوعة ويكيبيديا ليعرف محرر التقرير المذكور أن الإذاعة الجزائرية تأسست في دجنبر 1956 بالمغرب، وبمدينة الناظور على وجه التحديد. كان احتضان المغرب لهذه الإذاعة جزء من التضامن التاريخي الذي عبّرت عنه بلادنا في دعم استقلال الجزائر من الاحتلال الفرنسي الذي كان قد تجاوز 132 عاما.

من مقرها بالناظور كانت الإذاعة السرية الجزائرية توجه خطاباتها الحماسية إلى الثوار الجزائريين وتخاطب المواطنين الجزائريين وهي تقول: “هنا إذاعة الجزائر حرة مكافحة”. هذا الشعار كان يصدر من قلب المغرب، بالإضافة إلى الناظور كانت هذه الإذاعة تستفيد أيضا من معدات الإذاعة في الرباط وطنجة لتطلق الشعارات ذاتها، التي كان يتقاسمها المغاربة مع إخوانهم وأشقائهم الجزائريين. لا يمكن أن ينسى المواطنون الجزائريون الأوفياء لمعاني العرفان والامتنان وقفة الملك المغفور له محمد الخامس أمام اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة ليرفع صوته مطالبا باستقلال الجزائر وتحريرها من نير الاحتلال الفرنسي. هل كان هؤلاء المواطنون الذين شهدوا ذلك الدعم المغربي اللّامشروط يدرون أن إعلام الكابرانات سينكر كل ما بذله المغرب من تضحيات من أجل استقلال الجزائر؟

هذا هو واقع الحال مع ناكر المعروف. النظام الجزائري الذي ألقى بكل مكرمات الماضي ومحاسن التاريخ وراء ظهره وأصرّ منذ فترة طويلة على تحويل التضامن إلى خذلان والدعم إلى عداء ومكيدة. لم ينس الفرنسيون أبدا الدور الذي لعبته الإذاعة الفرنسية التي كان يحدث فيها الجنرال دوغول المواطنين الفرنسيين من لندن إبان الاحتلال الألماني لفرنسا. صورة الجنرال وهو يجلس أمام ميكروفون الإذاعة لمخاطبة مواطنيه تمثل أيقونة من أيقونات النضال الفرنسي ضد الاستعمار النازي. هذا الاعتراف بالدور الذي لعبه الحلفاء، ولا سيما بريطانيا في دعم استقلال فرنسا تحوّل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية إلى تضافر وتآزر بين البلدين وتعاون اقتصادي وسياسي شامل حوّل التحالف إلى شراكة حقيقية لا يمكن لأي منهما التنكّر لها احتراما لتلك اللحظات التي عبّر فيها أحد الطرفين عن دعم الآخر في محنته.

هذا الأمر لم يحدث للأسف في العلاقة بين الجزائر والمغرب. بدلا من أن يمتنّ الجزائريون لكل ما قدّمته بلادنا وملوكنا ومواطنونا من أجل استقلال الجزائر قرر نظام الكابرانات أن يبرهن على صدق مقولة: اتقِ شرّ من أحسنت إليه. هل يُعقل أن يحتفي بلد بتأسيس إذاعته التي كان لها دور مهم في عملية التحرير ويشطّب على اسم البلد الذي احتضن هذه الإذاعة؟ إنها قمّة الجحود والتنكّر للمعروف. هذا المعروف الذي لم يفعله المغاربة أبدا من باب التبجح أو المنّ أو لتوظيفه سياسيا أو أخلاقيا. كان تضامن المغاربة مع الثورة الجزائرية تضامنا عفويا وتلقائيا وكان التزام الدولة المغربية تجاه الثورة التزاما يمليه واجب الأخوة القومية والإسلامية وإيمانا بالقيم الإنسانية التي اتفقت بعد نهاية الحرب العالمية على ضرورة تصفية تركة الاستعمار.

لكن إذا تعمّد محرر مجلة جيش الكابرانات تجاهل هذه المعلومة فلا يمكنه أبدا أن يمحوها من سجلات التاريخ. كما لا يمكنه أن يمحو أبدا أحداثا أخرى سجلها التاريخ عن دعم الثورة الجزائرية بالأسلحة القادمة من المغرب والضريبة التي كانت تفرضها الدولة المغربية على التذاكر لدعم المقاومة في الجزائر، واجتماع الملك محمد الخامس بقادة الثورة الجزائرية واحتضانهم على الرغم من تحذيرات فرنسا. يكفي أن يعود هذا المحرّر الجاحد إلى أرشيف الصحف الفرنسية والإسبانية التي حاورت المغفور له محمد الخامس إبان هذه الثورة ليدرك حجم الدور الذي لعبته بلادنا في هذا المجال. لقد كان محمد الخامس يؤكد بشجاعة منقطعة النظير أنه “مهما كانت الظروف فهو مع الجزائر وشعبها وثورتها، يقف وقفة المجاهد لا وقفة المؤيد، وإن سلاح الثورة يتجول بالمغرب بكل حرية، وإن المعاملة بين الجزائريين والمغاربة تقع باستمرار على بساط المحبة والوئام”. فهل يستطيع الكابرانات محو أصداء هذه الكلمات والمواقف أيضاً من سجلّات التاريخ؟

تاريخ الخبر: 2024-01-10 09:26:42
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

"طاس" تكشف جديد قضية مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:27:13
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

"طاس" تكشف جديد قضية مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:27:15
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية