أسكاس أماينو.. تتويج مسار إصلاحي عبقري لإنصاف الأمازيغية


الدار/ افتتاحية

حِرص رئيس الحكومة عزيز أخنوش على شكر الملك محمد السادس بمناسبة إقرار الاحتفال بذكرى السنة الأمازيغية شعور ينتاب المغاربة الأمازيغ جميعا دونما استثناء. إنه امتنان لا بدّ منه إلى ملك لطالما استبق العصر بمبادرات خلّاقة وخارقة لما هو سائد من أنماط التفكير الخلافية والدافعة نحو الصراع والمواجهة. النموذج الحضاري المغربي يكاد يشكل استثناء حقيقيا في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وإدارة الملك محمد السادس لتنوعات هذا النموذج واحتياجاته شكل آخر من أشكال عبقرية هذا العهد. مكمن هذه العبقرية لا يقتصر فقط على القرارات والحصيلة بل يرتبط أيضا بالمنهج والإيقاع الذي يتم بموجبه إقرار هذا النوع من المبادرات والإصلاحات.

إيقاع الإصلاح لا علاقة له بإيقاع الوعود والبرامج الانتخابية العابرة. إنه نفَس سياسي من نوع خاص، لا يدركه إلا القادة الذين يمتلكون بُعد النظر وعمق الفكر اللازم لتغيير الواقع تغييرا سلساً وهادئاً دون إثارة النعرات أو النزاعات أو الخلافات. لنتأمل جيدا المقاربة المنتهَجة على سبيل المثال في تدبير النقاش حول مدونة الأسرة. إنه إيقاع يراه البعض بطيئا لكنه بطءٌ ضروري ووظيفي للتعاطي مع قضايا اجتماعية مرتبطة بالموروث المتجذّر في النفوس والعقول على مدار قرون، ويستدعي تعديله أو تصحيحه نهجاً لا يقلّ تريّثاً عمّا تطلَّبه تكريسه في الواقع الثقافي والاجتماعي لبلادنا. لذا فإن بعض المتسرّعين المتلهّفين لرؤية النتائج وحصد الثمار لا يدركون أن ذلك لا يمكن أن يتحقق تحت ضغط السرعة والاندفاع.

هذا هو نهج الإصلاحي الملكي، التغيير الهادئ الذي يبعث الشعور بالأمان والاطمئنان ويقفز فوق الصراعات والحسابات الضيقة. لذا فإن إقرار الاحتفال بذكرى السنة الأمازيغية مبادرة مفعمة بالرموز والدلالات، وهي من طينة هذه الإصلاحات المتريثة التي تأخذ وقتها الكافي كي تؤدي مرادها الوافي. إنها تتويج لا بد منه لسلسلة من المبادرات والقرارات القاضية بإنصاف المكوّن الثقافي الأمازيغي وإعادة الاعتبار للغة الأمازيغية وتراثها الفكري والفني والأدبي. ونحن هنا نلمس ذلك عملياً، نشعر به كمغاربة: عرباً وأمازيغ. نرى بِأمّ أعيننا كيف تتعزز اللّحمة بين المكوّنين العرقيين، وتزداد متانة وقوة على مدار السنوات الأخيرة بفضل هذا الإنصاف الملكي منذ خطاب أجدير الشهير.

جملة من الإصلاحات بدأت بتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والاعتراف الدستوري باللغة الأمازيغية وشروع الحكومة في تنزيل مقتضيات الترسيم وما تخلّل ذلك من إنصاف إعلامي وثقافي وفكري. السنة الأمازيغية من هذا المنظور هي اعتراف بعراقة هذا الشعب وتاريخ هذا الوطن الممتد إلى آلاف السنين وإقرار أساسا بنجاح هذا النموذج من التلاحم السلمي والحضاري بين شعبين نجحا في التكتل في إطار أمة واحدة بعيدا عن مخاطر الطائفية والعنصرية والكراهية التي استوطنت للأسف في كثير من البؤر المجاورة لنا. يكفي أن نتذكر أن المغرب هو البلد الأمازيغي الوحيد الذي لم يتردد لحظة واحدة في الاعتراف بكافة الحقوق الثقافية والمجالية لهذا المكوّن.

الاحتفال بأول ذكرى رسمية للسنة الأمازيغية ليس إذاً مجرّد احتفال اجتماعي عابر، بل هو احتفاء أيضاً بهذه الإرادة الإصلاحية العميقة التي ميّزت نحو ربع قرن من العهد الجديد، والتي شهدت مسلسلا طويلا من التحوّلات الرصينة والتدريجية لتنقل بلادنا اليوم إلى مراتب الدول القليلة في العالم التي تصالحت مع ماضيها ونجحت في تحقيق نموذج من الانصهار الثقافي المتناغم بين جذورها العرقية والتاريخية المتنوعة بدءاً من الأمازيغية مرورا بالعربية وصولا إلى الجذور اليهودية والإسلامية مع تثمين وفخر كبير بالمكوّن الموريسكي والإفريقي. هذا المغرب المتنوع الفخور بهذه الأبعاد كافّة هو الذي يهنئ بعض أبنائه البعض الآخر اليوم بصوت مرتفع: أسكاس أماينو 2974.

تاريخ الخبر: 2024-01-14 09:26:45
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 49%
الأهمية: 61%

آخر الأخبار حول العالم

"طاس" تكشف جديد قضية مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:27:15
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

"طاس" تكشف جديد قضية مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:27:13
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية