الدار/ افتتاحية
المبادرة التي أمر بها جلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، الرامية إلى تخصيص ما يناهز 100 منحة إضافية لفائدة الطلبة الفلسطينيين تمثل مظهرا جديد من مظاهر العناية الخاصة التي يوليها جلالته إلى الشعب الفلسطيني واحتياجاته الإنسانية والاجتماعية والتعليمية. علاوة على المساعدات التي تقدمها وكالة بيت مال القدس في شتى المجالات لدعم صمود الشعب الفلسطيني لا سيّما سكان القدس في مواجهة حملات التهويد التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي، فإن هذه المبادرة الجديدة توحي برسائل بالغة الأهمية لا بد من الانتباه إليها. لا يتعلّق الأمر بسدّ خصاص استثنائي فرضته تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فقط، بل يتعلق باستثمار حقيقي في مستقبل الشعب الفلسطيني.
ما دلالة تخصيص منح دراسية جامعية إذاً للطلاب الفلسطينيين؟ هذه المبادرة تنطوي في الحقيقة على وعي بأهمية الاستثمار في العنصر البشري وتأهيل كفاءة الشبان الفلسطينيين وقدراتهم المعرفية والعلمية، لأنها هي التي ستصقل إمكانات الصمود والمقاومة لديهم في إطار التصدّي لعدوان الاحتلال واستهدافه لمقدّرات الشعب الفلسطيني وحقوقه وأراضيه. من السهولة بما كان التفكير في توفير المساعدات الغذائية والطبية أو الهبات المالية الموجهة للأغراض الاجتماعية والإنسانية. على الرغم من أهمية هذا النوع من المساعدات وحيويته لا سيّما في ظروف كهذه التي يمرّ بها الشعب الفلسطيني، لكن التفكير في مستقبل الطلبة الفلسطينيين والحرص على تمكينهم من حق استكمال دراساتهم الجامعية والعليا يعدّ مراهنة حقيقية على الدعم الاستراتيجي.
الدعم الاستراتيجي لا يلبّي احتياجات أساسية وبشرية فقط مثل الغذاء أو الدواء أو الماء، بل يمثل نوعا من المساعدات التي تتجاوز مفهوم التنمية البشرية لتحقّق ما يُصطلح عليه في أدبيات الأمم المتحدة التنمية الإنسانية. إنها تنمية تستجيب لانتظارات الإنسان المعرفية والتعليمية والفكرية. وهذا طبعا وفقاً للمنظور الملكي يعدّ من بين الحقوق الأساسية التي ينبغي للإنسان الفلسطيني أن يتمتّع بها على غرار باقي مواطني العالم. صحيح أن ظروف الحرب الجائرة دمّرت البنيات التعليمية الأساسية وأوقفت مسار التعلّم والدراسة بالنسبة لعشرات الآلاف من الطلاب والتلاميذ، لكنّ هذه المبادرة كفيلة ببعث بعض الأمل في نفوس عدد مهمّ من هؤلاء الذين حرمتهم آلة الحرب من مواصلة بناء مستقبلهم العلمي والمهني.
الكفاءات الفلسطينية تتمتع بسمعة عربية ودولية مرموقة. كلّنا نعرف أن هذا الشعب أنتج خيرة الباحثين والمهندسين والأطباء الذين يعملون في مواقع مختلفة عبر العالم. وإسهام لجنة القدس في تخريج المزيد من هذه الكوادر العليا يمثّل واجباً يشعر به المغاربة ملكا وحكومة وشعبا. والمبادرة إلى تخصيص 100 منحة دراسية للشبان الفلسطينيين يمثل رسالة بالغة الأهمية أيضا إلى باقي الدول العربية التي تعلن عن مبادرات مساعدات إنسانية موجهة للشعب الفلسطيني. يمكن لهذه الدول أن تقلّد هذه المبادرة وتخصص أيضا منحا جامعية للمزيد من الطلاب الفلسطينيين، لأن ذلك قد يسمح باستيعاب الآلاف منهم والمساعدة على التخفيف من هذا الفراغ الأكاديمي والتعليمي الذي ستخلّفه الحرب على غزة وستتواصل تداعياته للأسف على مدار السنوات القادمة.
نحن نرحّب إذاً في بلادنا بطلبة غزة المشهود لهم بالمثابرة والاجتهاد حتّى في ظل أصعب الظروف وأحلك المراحل. والجامعات والمعاهد المغربية ستفتح أبوابها لا محالة في وجه هؤلاء ليشكلوا جيلا جديدا من سفراء الأخوّة الفلسطينية المغربية، ويبرهنوا أيضا أن الكفاح والنضال إلى جانب الشعب الفلسطيني ومُناصرة قضيته ليس مجرد أرقام ودولارات تُعلَن أمام وسائل الإعلام، وأحياناً بأسلوب مشوب بالكثير من المنّ والعجرفة، بل هو أيضا تخطيط وتركيز على ما هو أهمّ، أي إنه استثمار فعلي في الإنسان الفلسطيني الذي سيكون لا محالة أكثر قدرة على مقاومة الاحتلال والصمود أمام الاستيطان عندما يكون إنسانا مؤهلا علميا وأكاديميا على أعلى المستويات.
