الدار/ افتتاحية
قرار الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي عدم الترشيح لولاية ثانية على رأس الحزب لا يخلو من مزايا ومخاطر في الوقت نفسه. لا يتعلّق الأمر بالمستقبل السياسي لوزير العدل فحسب، بل بالخط الإيديولوجي والسياسي الذي تسير عليه هذه الهيئة اليوم وغداً. لقد عاشت تجربة حزب الأصالة والمعاصرة منذ تأسيسه سنة 2008 الكثير من الهزات والرّجّات لكنه استطاع مع ذلك الحفاظ على مكانته بوصفه ماكينة انتخابية حقيقية، وأكد ذلك في الانتخابات التشريعية الأخيرة سنة 2021 عندما احتلّ المرتبة الثانية في قائمة المقاعد المحصّل عليها، وتمكّن أيضا من الانضمام إلى الأغلبية الحكومية والحصول على مقاعد وزارية عديدة لا تقلّ أهمية عن تلك التي حصل عليها حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الاستقلال.
يبدو أن عبد اللطيف وهبي التقط أخيراً الإشارات التي تعقبّت مساره في رئاسة الحزب وكانت باستمرار تنبّهه إلى أن صوت المناضل المعارض الذي يحقّ له ما لا يحقّ لغيره، ينبغي له أن يخفُت قليلاً بعد أن تولّى الرجل منصب مسؤولية حارس الأختام بكل ما يعنيه هذا المنصب من رمزية وحاجة إلى بروز شخصية رجل الدولة وامتلاك القدرة الكافية على التحفّظ. لنكن واضحين لقد كانت مشكلة عبد اللطيف وهبي في العامين الأخيرين متعلقة أساسا بتصريحاته المثيرة للجدل وما يعتبره البعض “هفوات” غير محسوبة العواقب، لكنّها أظهرت في الوقت نفسه شخصية الرجل الصريح والمباشر الذي يكره النهج “الشعبوي” ويتجنبه إلى أقصى الحدود. إن لم يترك وهبي إرثا لخلَفه في الأمانة العامة فقد ترك على الأقلّ هذه الروح المناهضة للشعبوية.
بعبارة أخرى إذا كان البعض يرى في رحيل عبد اللطيف وهبي عن رئاسة الحزب فرصة لتصحيح بعض الأخطاء وتوضيح بعض المغالطات فإن هذ الرحيل قد يخلّف أيضا فراغا غير متوقع في هذا الحزب الذي جرّب الكثير من القادة منذ تأسيسه ولم يستطع أيّ منهم أن يُطيل المقام في كرسي المسؤولية. فالجدل الذي يُثار باستمرار حول الأمين العام لهذا الحزب يرى فيه البعض عُطلاً بنيوياً لا يمكن أن ينفصل عن تجربته التي تأسّست أصلا على فكرة نبيلة لكنّ المجتمع السياسي تلقّاها بتأويلات جدلية منذ البداية، لا سيّما أنه ارتبط بشخصيات وازنة من رجالات الدولة المغربية. لهذا يتعين على الحزب أن يهيئ الخلَف المناسب لعبد اللطيف وهبي والأهم من هذا وذاك أن يغتنم هذه الفرصة لتصحيح المسار.
لا يكفي أن يكون حزب الأصالة والمعاصرة مجرد مُستقطب للأعيان ومحترفي الانتخابات. الفكرة الأصيلة التي انبثق منها هذا الحزب كانت أكبر من ذلك بكثير. لقد كانت تسعى إلى تحقيق نوع من التوازن في الساحة السياسية والتخلص من فخّ الحزب الأغلبيّ الذي يهيمن على كل ما حوله. وهذه الفكرة الأصلية هي التي ينبغي أن يفكر مناضلو الحزب اليوم في استلهامها من جديد وإعطائها نفَساً مختلفا لا سيما في ظل الضربات التي تلقّتها سمعته مع سقوط بعض رموزه في العديد من ملفات المتابعة القضائية بسبب تهم الفساد أو التلاعب أو غيرها. ما الذي يمكن أن يستفيده إذاً حزب الجرار من رحيل عبد اللطيف وهبي؟
لعلّ أهم فائدة يمكن اقتناصها من هذه المحطة هي تأمل الصفوف والعودة إلى البحث عن تجديد النخب من أجل إفراز قيادات مؤهلة وشابة وقادرة على تحمّل المسؤوليات السياسية في الظرفية الحالية. هل يملك الحزب إذاً هذه الكفاءات؟ بالتأكيد أن الآلاف من المنخرطين الذين ينتمون إليه بينهم ما يكفي من الأطر والمواهب القادرة على إحداث النقلة النوعية في فلسفة الحزب وتوجهاته واختياراته المستقبلية. والحاجة إلى حزب الأصالة والمعاصرة في الحكومة الحالية وربّما الحكومة المقبلة ما تزال ملحّة وضرورية لاستكمال الأوراش التي انطلقت تحت عنوان “الدولة الاجتماعية” وتعزيز الإشعاع الدولي للمغرب والانتقال إلى جيل جديد من الإصلاحات الشاملة. مَن يمكنه الإسهام في قيادة هذه التحوّلات الجوهرية إن لم تفرز الأحزاب السياسية، ومنها حزب الأصالة والمعاصرة الكفاءات القادرة على العطاء والابتكار والإبداع في شتى المجالات؟ والأهم من هذا كلّه أن تكون هذه القيادة البديلة قادرة على استثمار منجزات الولاية الحكومية الحالية لفائدة شعبية الحزب ومستقبله الانتخابي.
