رحلة الموت للنجم المشع.. قصة ريتشر وموريس في قياس المسافة الى الشمس


الدار/ فردوس الزعيم

في قلب الغموض والمغامرة، وتحت سقف أوراق الأشجار الكثيفة في غابات غويانا الفرنسية، تدور قصة رحلة علمية استثنائية قد غمرها الغموض والموت.

في يوم ماطر من شهر مايو/أيار في عام 1673، توفي أحد العلماء في تلك الغابات البعيدة، بينما كافح شريكه للبقاء على قيد الحياة. كانوا جزءًا من بعثة علمية أُرسلت من باريس إلى غويانا الفرنسية بتوجيهات من الأكاديمية الفرنسية للعلوم، في مهمة لقياس المسافة بين الأرض والشمس، قيمة لم تكن معروفة بعد والتي كانت من أهم التحديات الفلكية في ذلك الوقت.

كان العالمان الفرنسيان، موريس وريتشر، في رحلة لتحقيق هذا الهدف الضخم. ومع طول الرحلة وعزمهم القوي، واجهوا العديد من المخاطر، ولكنها كانت مخاطر تستحق المخاطرة من أجل توسيع حدود المعرفة.

ولكن ماذا حدث بالضبط؟ ما هي التفاصيل الدقيقة لرحلتهم؟ كيف توفي موريس؟ وكيف نجا ريتشر؟ وكيف ساهمت نتائجهم في فهمنا للنظام الشمسي؟

ستتم متابعة هذه القصة المثيرة والمليئة بالتحديات والمواقف المثيرة، وستكشف لنا تفاصيل مهمة حول إسهامات هؤلاء العلماء الشجعان في تطوير علم الفلك وفهم الكون.

قبل أن نتغوَّل في رحلتنا إلى عمق الغابات الكثيفة في غويانا الفرنسية ونكشف عن مغامرة العلماء الفرنسيين، دعونا نستعرض بسرعة تاريخًا قديمًا من محاولات الإنسان لفهم المسافة بين الأرض والشمس.

إراتوستينس، العالم اليوناني الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد، كان من أوائل الذين حاولوا حساب المسافة بين الأرض والشمس. باعتباره راصدًا دقيقًا للظواهر السماوية، استنتج إراتوستينس أن المسافة بين الأرض والشمس تعادل نحو 20 ضعف المسافة بين الأرض والقمر، وهو ما يُقدَر بحوالي 7.4 مليون كيلومتر.

على مر القرون، حاول العلماء الآخرون تحديث هذه القيمة، لكن دون جدوى. ولم يكن حتى ظهور علماء العصر الحديث، مثل نيكولاس كوبرنيكوس وتيخو براهي، قادرين على تقديم تقديرات دقيقة.

بعد ذلك، في عصر النهضة، مع ظهور التلسكوب، تمكن الفلكي البلجيكي غودفروا فيندلين من إجراء قياسات دقيقة واكتشف أن مسافة الشمس أقل من المُقدرات السابقة بكثير، حيث قدرها بحوالي 81 مليون كيلومتر.

هكذا، لم تكن رحلة الفهم البشري لمسافة الشمس وجهتها النهائية في عصر النهضة، بل كانت هذه المساعي خطوة واحدة في طريق البحث الطويل والمتعب نحو فهم عميق للكون ومحتوياته.

في أواخر القرن السابع عشر، كانت المؤسسات العلمية الأوروبية تسعى لاستغلال شبكات التجارة لتحقيق أهدافها، ولكن سرعان ما أدركوا أن هذا الأمر ليس بالأمر السهل.

في هذا السياق، يُذكر نيكولاس ديو في كتابه “العلم والإمبراطورية في العالم الأطلسي”، أن الرحلات الاستكشافية التي قامت بها الأكاديمية الفرنسية للعلوم في بداياتها كانت محاولة لافتتاح فصل جديد في علم الفلك والجيوديسيا ورسم الخرائط. وكانت الرحلة إلى كايين في غويانا الفرنسية، برفقة العالم الفلكي جان ريتشر وشريكه، هي التي أنتجت البيانات الأساسية التي ساعدت – بجانب الجهد الرياضي المذهل لجيوفاني دومينيكو كاسيني – في إجراء أول قياس دقيق لمسافة الأرض عن الشمس.

في الواحد عشر من يناير 1667، أي قبل خمس سنوات من رحلتهم إلى غويانا الفرنسية، واقفًا في قاعة اجتماعات المكتبة الملكية الفخمة في باريس، قدّم العالم الفلكي الفرنسي أدريان أوزوت برنامجًا طموحًا للبحث العلمي أمام حشد من العلماء والباحثين. كان برنامج أوزوت يتضمن رؤية لاستخدام حركة التجارة الاستعمارية لإرسال مراقبين إلى مواقع مختلفة حول العالم لجمع الملاحظات في مجال علم الفلك. كما أدرك أوزوت أن بعض المسائل الفلكية، مثل المسافات بين الكواكب والشمس، تتطلب إجراءات مراقبة في أماكن مختلفة في نفس الوقت، مما يتطلب وجود مراصد في أماكن متعددة حول العالم.

وبحسب ما ذكرته الباحثة دينابا يونغ في مقالها في مجلة “ناشونال جيوغرافيك”، دعا أوزوت إلى إجراء رحلات استكشافية فلكية إلى مدغشقر بشرق أفريقيا، حيث كان من المتوقع أن تبدأ شركة الهند الشرقية الفرنسية عملياتها. وكان الهدف من هذه الرحلات القرب من خط الاستواء لتسهيل عمليات المراقبة الفلكية.

في أبريل 1669، وصل جان ريتشر إلى باريس بعد دعوته من قبل لويس الرابع عشر ملك فرنسا، والذي أدرك أهمية قدراته العلمية. بفضل جهود ريتشر، تم إنشاء أول مرصد عام كبير في باريس عام 1671، وعمل كاسيني بجد منذ ذلك الحين على حل المشكلة المتعلقة بمسافة الأرض عن الشمس.

في سبعينيات القرن السابع عشر، وبفضل الأدوات الفلكية الجديدة التي تم تطويرها، بدأ جيوفاني دومينيكو كاسيني، بالتعاون مع العلماء الآخرين، سلسلة من البرامج البحثية الطموحة بهدف الإجابة عن سؤال أساسي: “كم تبعد الشمس عن الأرض؟”. وفي كتابها “جيوفاني دومينيكو كاسيني.. عالم فلك حديث في القرن السابع عشر”، وصفت غابرييلا برناردي كاسيني بأنه شخص مكرس تماما لمهنته، حيث لم يكن لديه هوايات أو تشتت في تفكيره، كان متفرغا بالكامل لأبحاثه العلمية.

وبينما كانت الأكاديمية تستعد لإرسال بعثة إلى خط الاستواء لرصد المريخ والأرض، تغير تركيز العلماء من مدغشقر في شرق أفريقيا إلى كايين على الساحل الشمالي لأميريكا الجنوبية. وكانت هذه المستوطنة الفرنسية أقرب بكثير وقدمت فرصة للباحثين للوقوف على حدث فلكي مهم، حيث كان من المتوقع أن يكون المريخ والأرض في أقرب نقطة لبعضهما البعض خلال 15 عامًا.

باستخدام مراقبة المريخ في الوقت نفسه من مواقع مختلفة على الأرض، تمكن العلماء من حساب الفارق في موقع المريخ مقارنة بالنجوم الخلفية، والذي يعرف باسم اختلاف المنظر.

ومع اقتراب موعد الرحلة إلى كايين، واجه ريتشر وموريس تحديات عديدة، حيث قضيا عدة أشهر في التحضير للرحلة، بما في ذلك اختبار الأدوات والتلسكوبات، وتعلم استخدام الساعات البندولية.

في 8 فبراير 1672، انطلقوا إلى كايين على متن سفينة تجارية، وبعد وصولهم في 22 أبريل 1672، وجدوا أن المستوطنة كايين كانت بعيدة عن كونها مكانًا جذابًا. فقد كانت معزولة عن بقية غويانا بنهر ماهوري ونهر كايين الضيقين، وكان الجو رطبًا بسبب موسم الأمطار الغزيرة، وكانت المنطقة مليئة بالبعوض.

في قلب مستوطنة كايين وجد حصنًا خشبيًا يدعى حصن سيبيرو، وقد أخذ هذا الاسم من زعيم السكان الأصليين. كان المبنى مظلمًا ومنعزلًا، وقد تم إعادة بناؤه بالحجارة بعد هجوم سابق من السكان الأصليين، مما يدل على عزم المستعمرين الفرنسيين على البقاء. وعلى مقربة من الحصن، كان هناك متجر عام يخدم المستوطنة، وكانت السلع القليلة توجد على الرفوف، بالإضافة إلى كنيسة متواضعة ودار إرسالية.

في عام 1685، وصفت كاثرين لوسير كايين بأنها مستوطنة يعيش فيها أربعة آباء يسوعيين وأخ، إلى جانب 82 عبدًا أفريقيًا (32 رجلاً و23 امرأة و27 طفلاً) الذين كانوا يعملون في حقول الجزيرة ويرعون الماشية. وكان الأفارقة المستعبدون يشكلون ما يقرب من 85% من سكان المستوطنة.

في هذه المنطقة، كان هناك أيضًا شعب كالينا المعروفين أيضًا باسم الكاريبيين، وكانوا السكان الأصليين للمناطق الساحلية الشمالية من أمريكا الجنوبية. وقد عاش السكان الأصليون – الذين يُطلق عليهم أيضًا “غاليبي” – في منطقة كايين لأكثر من ألفي عام قبل وصول الأوروبيين، وكانت هناك تفاعلات سابقة بين الجماعتين كانت غير مستقرة.

على مدى السنوات، فقد انتقلت المستعمرة بين أيدي القوى الاستعمارية المختلفة، بما في ذلك الهولنديين والبريطانيين، قبل أن تستعيدها القوات الفرنسية مرة أخرى. كما أن المنطقة جذبت اهتمام دول أوروبا بسبب الأسطورة عن مدينة الذهب الغامضة التي كان يعتقد أنها موجودة في غويانا.

على الرغم من هذه التحديات، بدأ ريتشر وموريس في البحث عن الكنز العلمي، بينما كانت المنطقة تشهد توترات بين السكان الأصليين والمستعمرين الأوروبيين.

تاريخ الخبر: 2024-02-20 00:26:22
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

بطولة ألمانيا.. بايرن يؤكد غياب غيريرو عن موقعة ريال للاصابة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 15:26:00
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

السجن 7 أشهر لخليجي في قضية مقتل شابة في "قصارة" بمراكش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 15:25:54
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 55%

السجن 7 أشهر لخليجي في قضية مقتل شابة في "قصارة" بمراكش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 15:25:47
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 70%

بطولة ألمانيا.. بايرن يؤكد غياب غيريرو عن موقعة ريال للاصابة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 15:25:55
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية