كان أول من قدم من بني حنيفة إلى اليمامة «عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدّؤل بن حنيفة» مرتحلًا بأهله وماله من الحجاز، حتى نزل بموضع يقال له «قَارَات»، بالقرب من (حجر الرياض)، فأقام بها أيّامًا. ثم إن راعيًا لعبيد خرج حتى أتى حَجْرًا، فرأى القصور والنخل فعرف أنّ لها شأنًا، فرجع حتى أتى عبيدًا، فأخره وقال: رأيت آطامًا طوالاً، وشجرًا حسانًا، وهذا حمله؛ وجاء بتمر نخيله وجده منتثرًا تحت النخل، فأكل منه عبيد، فقال: هذا والله الطعام، وأصبح فأمر بجزور فنحرت، ثم قال لبنيه ومن كان معه: أحرزوا حتى آتيكم.. فركب فرسه، وارتدف الغام خلفه، وأخذ رمحه حتى قدم إلى حَجْر، فلاّ رآها عرف أنّها أرض لها شأن، فوضع رمحه في الأرض، ثم دفع الفرس، فاحتجر على ثلاثين دارًا وثلاثين حديقة، فسمّيت حجيرته حَجْرًا، فهي حَجْر اليَمَامَة. وقال في ذلك شعرًا:

حللنا بدارٍ كان فيها أنيسها فبادوا وخلّوا ذاتَ شيد حصونها

فصاروا قطينًا للفلاةِ بغربٍة رميمًا وصرنا في الديارِ قطينها

فسوفَ يليها بعدنا من يحلّها ويسكن عوض سهلها وحزونها

وصف اليمامة

ونتيجة لوفرة مياه وادي حنيفة وخصوبة أرضها استقرت بها تجمعات بشرية، وتكونت القرى التي وصف «الهمداني» بعضها بأنها قرى ذات نخيل وحصون عادية وغر عادية. ومن أشهر الأبيات الشعرية التي جاءت في وصف اليمامة وأجملها، تلك التي قالها «عمرو بن كلثوم» في معلقته المشهورة:

فَأَعرَضَتِ اليَمامَةُ وَاِشمَخَرَّت كَأَسيافٍ بِأَيدي مُصلِتينا

وذكر «الأعشى» آطام جَوّ بقوله:

فلما أتت آطام جَوٍّ وأهله أنيخت فألقت رحلها بفنائكا

والآطام هي القصور، والحصون التي بنيت من الحجارة.

درء الأخطار

ووفقًا لدارة الملك عبدالعزيز في كتاب «يوم بدينا»: لا تزال في اليمامة آثار حصون وآطام عادية، تعود إلى ما قبل الإسلام بأمد، وكانت حماية ومنعة للساكنين حولها، وتُشاهد آثار السكن في أطرافها، وآثار آبار المياه، وآثار زرع والمزارع. فكان في «مَلْهَم» حصون كان يتحصن بها بنو يشكر، ونجد في قرى أخرى على وادي حنيفة حصونًا بنيت كلها لدرء النفس من الأخطار.. وفي اليمامة حصون متفرقة ونخل ورياض، وأشجار متدلية ثمارها، ويرجع أهل الأخبار زمانها إلى «طسم» و«جديس»، وذكروا أن طول بعضها خمسمئة ذراع.

وادي العرض

أسس بنو حنيفة عددًا من مراكز الاستقرار التي امتدت على ضفاف «وادي العرض» الذي أصبح «وادي حنيفة»، حيث تحولت اليمامة إلى إقليم تحت نفوذ بني حنيفة. وعندما ظهر الإسلام كان ملك اليمامة هو «ثمامة بن أثال الحنفي» صاحب القصة الشهيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يبن مدى الاستقرار والقوة في هذا الإقليم.

عدم الاستقرار

خلال العصر الأموي والعباسي وبعد انتقال العاصمة من المدينة المنورة إلى خارج الجزيرة العربية، أهمل إقليم اليمامة، وعاش ردحًا من الزمن طي النسيان لما يزيد على الألف عام، وتأسست الدولة الأخيضرية في منتصف القرن الثالث الهجري واتخذت من الخضرمة (في الخرج) عاصمة لها، وهذا ما أثّر في مدينة حجر التي كانت مدينة كبرة شبيهة بالكوفة والبرة من حيث الحجم والتخطيط، وسيطر الأخيضريون على المنطقة، واتبعوا سياسة قاسية أدت إلى هجرة بعض السكان، إضافة إلى القحط الذي أصاب المنطقة.

شرق الجزيرة

أسست عشرة «المردة» من «الدروع» من بني حنيفة مدينة شرقي الجزيرة العربية على ساحل الخليج العربي، أطلقوا عليها اسم «الدرعية» نسبة إلى العشرة، وذلك بعد أن انتقلوا من وسط الجزيرة العربية في القرن الرابع الهجري لظروف عدم الاستقرار آنذاك، ونتيجة لعودة عشائر بني حنيفة إلى حجر اليمامة بعد عودة الاستقرار إليها تلقى مانع بن ربيعة المريدي الحنفي وهو في بلدته الدرعية شرق الجزيرة العربية دعوة ابن عمه حاكم مدينة حجر في اليمامة وهو ابن درع للقدوم بالعشرة والاستقرار في منطقة أجداده وأسافه.

رمال الدهناء

انتقل «مانع بن ربيعة المريدي الحنفي» وأفراد عشرته من الدرعية في شرق الجزيرة العربية إلى وسطها لتأسيس الدرعية الجديدة عام 850هـ (1446م)، وقد عبر خلال رحلته من شرق الجزيرة العربية رمال الدهناء القاحلة مؤمنًا بشخصيته المستقلة الراغبة في تأسيس دولة واسعة تحقق الأمن والاستقرار، وهو ما أورثه ذريته من بعده.

استقبل ابنُ درع ابنَ عمه وعشرته في وادي حنيفة، وأقطعه موضعي «غصيبة» و«المليبيد» اللذين يقعان شال غرب مدينة حجر، فجعل مانع «غصيبة» مقرًا له ولحكمه وبنى لها سورًا، وجعل «المليبيد» مقرًا للزراعة.

ويعد هذا الحدث أبرز أحداث الجزيرة العربية في العر الوسيط، فقد كان قدوم مانع اللبنة الأولى لتأسيس أعظم دولة قامت في المنطقة في تاريخ الجزيرة

العربية بعد دولة النبوة والخلافة الراشدة.

وكان حلم بناء دولة في جزيرة العرب يراود بعض العقلاء، وذلك لما اعترى هذه المنطقة الجغرافية من الإهمال الذي استمر عدة قرون، ولسيطرة أعراق أخرى على بعض أجزاء الأراضي العربية، وعلى شعوبها ومقدراتها.

دستور عائلي

عند دراسة ظاهرة مدينة الدرعية التي أسسها مانع المريدي في منتصف القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، وما نتج بعد ذلك، يتبن لنا من معطيات عدة أنه أسس الدرعية لتكون المدينة الدولة القابلة للتوسع مع الأيام، ونستشف من مواقف أمراء الدرعية منذ الأمر مانع أن هناك دستورًا عائليًا للحكم ركّز على فكرة الدولة، وعلى العنصر العربي، وهذا ما جعل هذه المدينة لا تقوم على عصبية قبلية، وإنما على أساس دولة عربية.

حين نتأمل في الموقع الجغرافي لمدينة الدرعية يتضح لنا أنه موقع إستراتيجي لعاصمة دولة كبرى، فمن أبرز المقومات لذلك وقوعها على واحد من أهم الأودية في نجد وهو «وادي حنيفة»، عدا أنها تقع على أحد أهم الطرق التجارية القديمة، ذلك الطريق الذي تعد الدرعية في قلبه، والذي يأتي من جنوب شبه الجزيرة العربية مرورًا بنجران ثم يتجه شمالًا إلى اليمامة ثم الدرعية حيث يتجه إلى الشمال نحو دومة الجندل وإلى الرق نحو العراق وإلى الغرب نحو الحجاز.

ويعد هذا الطريق هو طريق الحاج القادم من فارس والعراق ووسط آسيا، الذين كانوا يواصلون سرهم عر الدرعية إلى مكة المكرمة.

وازدادت أهمية هذا الطريق بعد تأسيس الدرعية على يد مانع المريدي الذي سعى هو وأبناؤه وحفدته إلى تأمينه وخدمته.

وبتأسيس الإمام محمد بن سعود للدولة السعودية الأولى أصبح هذا الطريق من أبرز الطرق التي تمر بها قوافل التجارة والحج، نتيجة لسياسة الإمام محمد ابن سعود بتأمين هذا الطريق والارتباط بعلاقات مع القبائل التي يمر من خلال مناطقها، والاتفاق معها على ضبط الأمن وتقديم الخدمة اللازمة للمستفيدين منه.

استقرار سياسي

كان السائد في بلدات المنطقة أن تكون البلدة في أول تأسيسها خاصة بأسرة واحدة، وبعد مرور عقود من السنين تسمح هذه الأسرة لأفراد أو عوائل محددة بالانتقال إلى بلدتهم بناءً على اتفاق بينهم. وهذا ما لا نلاحظه في الدرعية، فمنذ نشأتها وهي موئل للعرب الآخرين الذين هاجروا إليها من أنحاء الجزيرة العربية وخارجها، فأقام فيها أو زارها كثيرون من مناطق مختلفة من جزيرة العرب.

والمتابع لدولة المدينة «الدرعية» يلاحظ أنها تتوسع وتضيق بحسب الاستقرار السياسي فيها، وهذه الأمور والدروس والتجارب المتراكمة الطويلة فهمها الإمام محمد بن سعود، الذي -بفضل الله ثم بفضل عبقريته - انتقلت دولة المدينة في «الدرعية» إلى مرحلة الدولة، التي تعارف المؤرخون على تسميتها بـ «الدولة السعودية الأولى». وكانت الدولة السعودية منذ تأسيسها حتى يومنا هذا دولة عربية خالصة بحكامها وشعبها.

مدينة الدرعية

- تأسست عام 850 هـ/ 1446م

- أسسها الأمير مانع بن ربيعة المريدي - الجد الثاني عشر للملك عبدالعزيز.

- تكونت في الأساس من غصيبة والمليبيد.

- اتسعت في أحيائها على ضفتي وادي حنيفة.

- اعتنت بطريق الحج لمرور الحجاج من خلالها قادمين من الشرق والشمال الشرقي.

- تهيأت لتكون مركزًا للعلم والمعرفة والتنوع الثقافي.

- لها مركز حضري يتألف من نسبة كبيرة من السكان.

- توافرت لها أسباب الحماية وممارسة التجارة وحماية الطرق التجارية وتأمين الاستقرار فيها.

- منطقة زراعية نظرًا لوقوعها على وادي حنيفة الخصب.

أبرز أمراء إمارة الدرعية

850 هـ - 1139 ( 1446 - 1727م)

01 مانع المريدي

أنشأ الدرعية عام 850 هـ وأسس إمارة فيها

02 ربيعة بن مانع

واصل إكمال تأسيس إمارة الدرعية

03 موسى بن ربيعة

زاد من نفوذ إمارة الدرعية

04 إبراهيم بن موسى

أمَّنَ طرق الحج والتجارة التي تمر بالدرعية

05 مرخان بن إبراهيم

زاد من نفوذ إمارة الدرعية

06 مقرن بن مرخان

وسّع إمارة الدرعية

07 سعود بن محمد

زاد من قوة إمارة الدرعية، وتنسب إليه نخوة (خَيَّال ابن مقرن)

08 محمد بن سعود

مؤسس الدولة السعودية الأولى