رغم ما أثارته تعديلات مدونة الأسرة من ملاسنات سياسية خاصة بين حزب العدالة والتنمية بقيادة أمينه العام عبد الإله بنكيران، وحزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية بقيادة إدريس لشكر ونبيل بتعبد الله، فإن ما يلاحظ هو أن هذه الملاسنات المتبادلة بين الطرفين لم تصل إلى حدة المواجهة والصراع مقارنة بما وقع قبل 20 سنة مع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية.
المحلل السياسي خالد البكاري، قال إنه “إذا قارنا ما يقع اليوم بما وقع قبل 20 سنة حينما طرحت الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية في عهد حكومة عبد الرحمن اليوسفي، سنجد أن الأوضاع ليست بذلك الزخم من التقاطبات التي كانت قبل عشرين سنة”.
وأضاف البكاري، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن طرح خطة إدماج المرأة في التنمية طعرف نقاشا حادا بين فريق يدعو إلى وأد الخطة عبر احتجاجات على أرض الواقع واحتجاجات مضادة مدافعة عن الخطة”، مشيرا إلى أنه “كانت هناك نقاشات فيها كم كبير من المبالغة في وصم الآخر”.
وتابع أن الحدة التي طبعت نقاش الخطة الوطنية غير موجودة اليوم، باستثناء بعض الخرجات لحزب العدالة والتنمية بقيادة أمينه العام عبد الإله ابن كيران، مستدركا: “لكن إذا قارناها بخرجات الحزب قبل 20 سنة نجدها ملطفة نوعا ما، ونفس الأمر كذلك بالنسبة للتيار الحداثي”.
من جهته، اعتبر الناشط والباحث في الدراسات الإسلامية محمد عبد الوهاب رفيقي، أن الوضع اليوم مختلفا عما كان عليه الأمر من قبل، مبينا أن “الصراع بين “المحافظين” و”الحداثيين” كان ممكنا أن يندلع بقوة وأن يتحول إلى الشارع لو أن المشروع كان حكوميا”.
وأضاف رفيقي، في تصريح لـ”الأيام 24″، أنه “لو كان مشروع تعديل المدونة حكوميا، لحاولت الأحزاب المحافظة بصفتها أحزاب معارضة التعرض لهذا المشروع كما وقع بالضبط لما طرح سعيد السعدي وزير التقدم والاشتراكية السابق مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية فخرج إليه الإسلاميون في الشوارع لمعارضته”.
وتابع أن “الأمر مختلف اليوم حيث انطلق مسلسل التعديل بلجنة ملكية تضم مختلف التوجهات الحداثية والمحافظة منها وتضم جهات محايدة لها احتكاك مباشر بالمواطن وغير مسيسة كالنيابة العامة والسلطة القضائية وبحضور المجلس العلمي الأعلى”.
وأبرز رفيقي أن اللجنة الملكية منهمكة في الاعتناء بقضايا المواطنين وإشكالياتهم الحقيقية المتعلقة بمدونة الأسرة، لافتا إلى أنها “استمعت لمختلف الهيئات والجمعيات والفئات ويخضع عملها اليوم لنتيجة وتقارير هذا الاستماع”، وأكد أن “العمل يمضي كما كان مقررا له في هدوء تام وجدية وبحث دؤوب عن حل المشاكل التي تعترض المواطن فيما يتعلق بنظام الأسرة”.
وسجل رفيقي أن “ما يقع اليوم من ملاسنات سياسية حول مدونة الأسرة هو نوع من المزايدات السياسية ومحاولة للركوب على الموضوع لتحقيق بعض المكاسب”، مشيرا إلى أنه “لا تأثير لهذه المزايدات لا على السلم المجتمعي ولا على مشروع تعديل مدونة الأسرة”.
وبخصوص التعديلات المرتقبة في مدونة الأسرة، قال البكاري إن “الإصلاحات التي ستهم المدونة لن تكون بتلك الجرأة التي طرحتها مذكرات الحركات النسائية والتنظيمات السياسية الليبرالية والتقدمية، ولن تنضبط لما تطرحه الحركات المحافظة”.
وأردف: “سنشهد تقدما في حدود معينة لا تمس بالقطعيات الدينية التي اتفق عليها جمهور العلماء والمسلمين”، مؤكدا أن “الدولة ستكون رابحة هذه المرة كما خرجت رابحة قبل 20 سنة خلال تعديل المدونة رغم اختلاف السياق”.
وأوضح البكاري أن النص المقبل للمدونة سيذهب في اتجاه توسيع جانب من الحقوق الممنوحة للنساء والأطفال في حدود معينة، متوقعا أن يتم تجريم زواج القاصرات ومنح ولاية مشتركة للأم المطلقة مع الأب على الأبناء، إضافة إلى إقرار الخبرة الجينية في إثبات النسب.
وخلص البكاري قائلا: “لا أتوقع أن تصل الأمور إلى حدود المساواة التامة في الإرث أو تشريع الزواج المدني أو تشريع زواج المرأة المسلمة من غير المسلم”، مشيرا إلى أن “مؤسسة إمارة المؤمنين هي جزء من دعائم شرعية الملكية في المغرب، ولا أعتقد أنه يمكن للملكية أن تغامر برمزية هذه المؤسسة”.
