أطعمة أعياد المصريين


لا يوجد احتفال إلا ويكون الغذاء أحد مباهجه وطقوسه الأساسية، وفي الأعياد تكون الأطعمة مختلفة حتى عن ذاتها خارج سياق الأعياد. فأطعمة الأعياد ليست مجرد طعاما نتذوقه ولكن طقوسا نمارسها وهويات نحافظ عليها وسبلا للتضامن لها قيمتها.

ومع تنوع الأعياد والمناسبات تتعدد الأطعمة المرتبطة بها، وهو تنوع يغذيه تنوع الانتماءات الدينية والثقافية والتاريخية والجغرافية. ومن المعروف أن مصر من البلدان التى اتسمت منذ القدم بزخم أعيادها وتنوع احتفالاتها، ولكل عيد أطعمته ولكل مناسبة مذاقها الغذائي. وكما ورد فى موسوعة التاريخ العالمى فقد كانت “احتفالات مصر القديمة فريدة من نوعها في طابعها اعتمادًا على طبيعة الحدث، ولكن كانت جميعها تشترك في الشراب والولائم، وكان النظام الغذائي المصري نباتيًا بشكل أساسي يتكون من الحبوب (القمح) والخضروات، نظراُ لارتفاع أسعار اللحوم، وعادةً ما كان الملوك وحدهم هم القادرون على تحمل تكاليفها، وكان من الصعب أيضًا الاحتفاظ باللحوم في المناخ المصري الجاف، ولذلك كان لا بد من تناول الحيوانات التي يتم ذبحها بسرعة”.

وتعد أطعمة الأعياد مرآة للتنوع الثقافي والديني فى المجتمع عبر العصور، فالأقباط لهم أعيادهم وطقوسهم الغذائية والمسلمون كذلك، ويجمعهما موروث مصري مشترك ولعل نموذجه الأبرز والباقي حتى الآن هو الاحتفال بعيد الربيع أو “شم النسيم” والذي يتميز بالسمك المملح “الفسيخ والملوحة” والخس والبصل والملانة (الحمص الأخضر) والترمس، أي خيرات النيل، فهى أطعمة ورموز. وإذا كانت أعياد الأقباط والمسلمين فى مصر متنوعة فى أطعمتها بوصفها طقوسا ذات خصوصية، إلا أنها ايضا متداخلة، فثمة تشارك اجتماعي وثقافي فى حلوى مولد النبى أو القصب والقلقاس أو الكعك إلخ، ويأتى التشارك من باب التعايش والممارسات الاجتماعية والثقافية. ومن منظور التنوع والخصوصية فإن أطعمة الأعياد فى مصر تعد دليلا على الثراء، ولكن ثمة تساؤلات قد تكون اجباتها موجودة لدى أهل الاختصاص.

فعلى سبيل المثال يمكن التساؤل: هل أطعمة أعياد الأقباط تختلف فى طبيعتها عن أطعمة أعياد المسلمين؟ وبشكل أدق هل أطعمة الأقباط أكثر ارتباطا بالطبيعة والزرع وخيرات النيل مقابل أطعمة أعياد واحتفالات المسلمين التى تبدو مصنعة مثل مخبوزات عيد الفطر وحلوى مولد النبي؟ ربما يكون هذا صحيحا، وقد يمكن تفسير ذلك بدخول قصب السكر وتصنيعه فى مصر وظهور الأسواق، فربما يكون السكر هو الذى أظهر أطعمة عيد الفطر وحلوى المولد النبوي.

فكما تخبرنا المصادر التاريخية فقد أدخل المسلمون قصب السكر من بلاد فارس عام 710 وبلغ أوج انتاج السكر في الفترة ما بين عام 1000 و1350 للميلاد. ويقول د. مصطفى وجيه مصطفى فى كتابه “الغذاء فى مصر: عصر سلاطين المماليك” عن صناعة السكر وعسل القصب: “.. نجد أن هذه الصناعة شهدت نشاطا كبيرا، وتقدمت واتسع نطاقها فى العصر المملوكي إلى حد كبير، حتى كان انتاج البلاد منها يكفي احتياجات عامة الناس، كما كان يكفي أيضا احتياجات السلاطين والأمراء رغم استهلاك هؤلاء منه استهلاكا ضخما؛ وخاصة في شهر رمضان وبعض المناسبات”.

ولا شك أن الأطعمة ترتبط طقسيا بالهويات الدينية، ولكنها اجتماعيا وثقافيا قدتتجاوز الهويات والانتماءات كحال الحلوي بالنسبة للأطفال. ولكن ثمة سؤال آخر لا يتعلق بالهويات الدينية، ولكن بالهوية الجندرية، أي الأطعمة التى تفضلها النساء وتلك التى يفضلها الرجال. فالهوية الجندرية حاضرة ليس فقط فى نموذج العروسة والحصان فى حلوى مولد النبي، ولكن ربما فى بعض الأطعمة التى تكون محل تفضيل النساء أو الرجاء. فهل السمك المملح (الفسيخ) من الأكلات المحببة للنساء أكثر من الرجال؟ لا ادرى إذا ما كان هذا صحيحا من ناحية، ولكن الانطباعات تشي بذلك. وإذا كان الأمر كذلك فهل هناك تفسير لمثل هذه التفضيلات؟

وفى الأخير، فإن الكثير منا يعيش الأعياد بحنين إلى الماضي، فقد تغيرت الأحوال وتغيرت معها طقوس الأعياد وبهجتها. فبعد أن احتلت المنتجات الجاهزة المشهد، بات من الشائع تذكر طقوس إعداد أطعمة الأعياد بالمنازلبلغة الزمن الجميل. وعلى وقع التحول والتغير، فقدت أطعمة الأعياد وظيفتها الرمزية، بفقدانها أهم ما فيها أى طقوسها الجماعية والاجتماعية التى كانت تعزز التضامن وتبعث على البهجة، كما فقدت هويتها بعدما أصبح فى المقدور الحصول عليها من الأسوق فى أي وقت وبدون مناسبة. وأكثر من ذلك تحولها من طقس اجتماعي إلى سلع استهلاكية وأدوات للتفاخر والتباهى الاجتماعي.

تاريخ الخبر: 2024-04-08 12:21:55
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 58%

آخر الأخبار حول العالم

إسبانيا ترد على التهديد الجزائري بتحذير آخر

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-14 06:08:31
مستوى الصحة: 72% الأهمية: 73%

قناة أرضية تعلن نقلها مباراة الإياب بين بركان والزمالك

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-14 06:08:24
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 70%

بنموسى يكشف العقوبات ضد الأساتذة الموقوفين

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-14 06:08:28
مستوى الصحة: 71% الأهمية: 81%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية