كيف سينتهي الخلاف بين التيارين المحافظ والحداثي بشأن مدونة الأسرة؟


 

لا يزال التراشق اللفظي بين التيارين الإسلامي والحداثي قائم إلى حدود الساعة، “بعد تقديم الهيئة المكلفة بتجميع آراء ومقترحات الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والجمعيات خلاصاتها” إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي سيرفعها إلى الملك محمد السادس، “بعدما راجت في الأيام القليلة الماضية بعض التعديلات “المسربة” والتي قيل أنها مضمنة في النموذج النهائي للهيئة”.

 

وعلى هذا النحو، أفرز مسار تعديل مدونة الأسرة تشنجات وصفت بـ”الساخنة” بين مختلف الفعاليات إذ وصلت إلى حد تسليط اتهامات حادة بين المحافظين والحداثيين، ونشر المواقف والمواقف المضادة وخلق جو سادت فيه “اللعبة السياسية” بامتياز حركت من خلاله “المياه الراكدة التي عكرت صفو المشهد السياسي المغربي”.

 

وبما أن مسلسل “القانون الأسري” الذي يوجد في طور الإصلاح والتنقيح، وصل إلى آخر حلقاته في انتظار تقديم رئيس السلطة التنفيذية التقرير النهائي الذي جاءت به الهيئة المكلفة بإعادة النظر في المدونة إلى الملك، يبقى السؤال مطروحا حول “امتلاك الدولة الذراع الطويلة لتطويق الخلاف بين التيارين المحافظ والحداثي؟”.

 

 

شرعية دينية ودستورية

 

في هذا الإطار، قال صالح النشاط، أستاذ العلوم السياسية بكلية المحمدية، إنه “طبيعة النظام السياسي المغربي جعلت من الملك فاعلا في الحياة السياسية إلى جانب الحكومة والبرلمان، فالملك بحسب الفصلين 41 و42 من الدستور له صفتان؛ الأولى تتعلق بالمجال الديني، فـ”الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية”(ف41)، كما أن “الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة(ف42)”.

 

وأضاف النشاط، في تصريح لـ”الأيام 24″، أنه “إذا كانت مدونة الأسرة التي صدرت بمقتضى قانون 70.03 انسجاما مع الفصل 71 من الدستور الذي يجعل الاختصاص منعقدا للبرلمان في إصدار “نظام الأسرة والحالة المدنية”، أي أن التشريع في مجال الأسرة يبقى بيد البرلمان، إلا أن المتدخلين في التشريع متعددون”.

 

“فهناك الحكومة من خلال مشاريع قوانين، وهناك البرلمان نفسه من خلال مقترحات قوانين، وهناك الملك الذي له الحق في أن “يطلب من كلا مجلسي البرلمان أن يقرأ قراءة جديدة كل مشروع أو مقترح قانون(ف95)، وهناك المحكمة الدستورية من خلال النظر في مدى دستورية التشريعات الصادرة عن البرلمان، الزامية الإحالة في حالة القوانين التنظيمية، واختيارية الإحالة في حالة القوانين العادية”، يقول المتحدث.

 

ولفت المحلل السياسي إلى أن “الملك يعتبر طرفا حاسما في اختيارات وتوجهات التشريعات من خلال تفعيل صلاحياته الدستورية في هذا المجال”، مضيفا أنه “يمكن القول إن مدونة الأسرة اجتمعت فيها قضيتان محوريتان، الأولى تتعلق بكون المدونة تعكس المحتوى الديني الإسلامي المرتبط بإمارة المؤمنين، وبثوابت الدولة المغربية الدينية والفقهية والمذهبية، وهو ما أشارت إليه الفقرة الثانية من تصدير الدستور “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة”، وأن الملك له صفة أمير المؤمنين، وبالتالي لا ينتظر أن تخرج مدونة الأسرة عن هذا الإطار العام الذي يحترم هذه الثوابت ولا يتصادم معها”.

 

وتابع المتحدث عينه أن “القضية الثانية، تتعلق بكون التشريع في مجال الأسرة هو من اختصاص البرلمان من خلال فرقه وأحزابه ومجموعاته ونوابه ومستشاريه المنتمين لحساسيات سياسية مختلفة تتوزع بين تيارات تدافع عن المرجعية الدينية للدولة المغربية، وضرورة احترامها، وتيارات أخرى تفضل المقاربة الكونية واحترام المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان، حتى ولو تعارضت مع الخصوصيات الدينية للدولة المغربية، كما أن هناك اتجاهات وأصوات أخرى لا تتمتع بقوة التمثيلية البرلمانية، ولكنها تستقوي بالخارج، وتحاول التأثير والضغط على صانعي القرار الوطني”.

 

وأوضح النشاط أنه “يبقى هذا النقاش المجتمعي المفتوح، وهذا السجال الكبير المتعلق بمدونة الأسرة ورشا مجتمعيا، بهدف تطوير وتجويد وظيفة الأسرة داخل المجتمع، وتمتين العلاقات الأسرية بين مختلف أفرادها، إلا أن السؤال المطروح يبقى دائما مرتبطا حول مدى احترام البرلمان الذي يعود إليه الاختصاص في المصادقة على مشروع قانون مدونة الأسرة، لقاعدة تراتبية التشريع، وسمو القاعدة الدستورية، بمعنى أن مدونة الأسرة هي خلاصة فقهية شرعية للدين الإسلامي في مجال الأحوال الشخصية المتعلقة بالزواج والطلاق والنسب والحضانة والإرث”.

 

وأردف أيضا أنه من “المفروض فيها أن تحترم الدستور في ثوابته ومبادئه، وعدم معارضة قطعيات الدين الإسلامي التي لا تحتمل إلا معنى واحدا والتي لا يجوز الاجتهاد فيها بأي صيغة كيفما كانت، في مقابل الاجتهاد في مجالات أخرى متغيرة لا تؤثر على مكانة الإسلام في التشريع الوطني”.

 

“يمكن القول إنه ما دام الملك هو من أخذ المبادرة في تعديل مدونة الأسرة قانون70.03 ، بتعيينه لجنة من أجل توسيع مجال الاستشارة والتواصل مع حساسيات المجتمع المدنية والعلمية والسياسية والنقابية”، يورد المتحدث، مشيراً إلى أنه “فهذا يعني تخفيف الضغط على البرلمان، وتحديد مهمته في المصادقة على المشروع بالصيغة التي ستحال عليه من قبل الحكومة بعد موافقة الملك عليه”.

 

وأكد الأستاذ الجامعي أن “الملك سينتصر للدستور ولثوابته الدينية والوطنية، وسيفعل اختصاصاته الدستورية في المجال التشريعي، وخصوصا العلاقة الوثيقة بين “صفة إمارة المؤمنين”، والمجال الديني المحفوظ للملك”، مردفا أن “مدونة الأسرة الجديدة ستحافظ على هذه الثوابت، وستظل وفية لاختيارات المغاربة المنصوص عليها في دستور 2011، وهذا لا يتعارض مع إعمال الاجتهاد في المساحات التي تحتاج إلى تجديد وتجويد”.

 

واعتبر أيضا أن “طبيعة التدخل الملكي في موضوع مدونة الأسرة، وفق هذه المقاربة، لا يعتبر تطويقا لخلاف بين تيار “حداثي”، وتيار “محافظ”، ولا تعبيرا عن أزمة احتقان مجتمعي، وانقسام حاد بين فئات المجتمع، بقدر ما هو إعادة لتجديد إلتزام الدولة المغربية في الوفاء بثوابتها الدستورية المتعاقد في شأنها مع عموم المغاربة، وتطبيقا لوظيفة الملك الدينية والدستورية، فالملك “ضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة”(الفصل42)”.

 

وخلص النشاط حديثه قائلا: “هذه الجملة الأخيرة، تفيد في أن المغرب يحترم “التعهدات الدولية”، بمعنى ما تعهدت به المملكة المغربية في المعاهدات والمواثيق الدولية في مجال الحريات والحقوق، ولا يعني تطويع الخصوصية المغربية مع مطلق التعهدات الدولية، فقاعدة التحفظ المعمول بها دوليا، تعتبر آلية قانونية تُعبر من خلال الدول على سيادتها التشريعية، واحترام خصوصياتها الدينية والثقافية. فليست كل المعاهدات والاتفاقيات صالحة لكل الدول، في مقابل ترسيخ سيادة الدولة في تشريعاتها بما تراه مناسبا لوضعها الداخلي، ولمواطنيها ومصالحها”.

 

 

 

الكلمة الأخيرة للملك

 

بالمقابل، يرى محمد شقير، المحلل السياسي، أنه “بصفته أميرا المؤمنين قام الملك محمد السادس ببعث رسالة سامية إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، من أجل إعادة النظر في مدونة الأسرة عن طريق تشكيل لجنة خاصة تقوم بجمع المقترحات من طرف جميع الفعاليات بصفة تشاركية”.

 

وأورد شقير، في تصريح لـ”الأيام 24″، أنه “رغم الضجة التي حدثت بسبب التعديلات التي تقدمت بها بعض الهيئات سواء حقوقية أو حزبية أو جمعوية تبقى الكلمة الأخيرة للملك محمد السادس الذي سيبث بناء على الفصول الدستورية التي تخول له ذلك، علما أنه سبق وأن حدد في أحد الخطابات الملكية الإطار الذي سيتم الاشتغال عليه”.

 

“انطلاقا من هذا المنظور فإن العاهل المغربي سيحسم في هذه التعديلات والخطوط التي تم وضعها سابقا لتفادي وقوع اصطدامات التي حصلت أثناء تقديم المقترحات، وأن الملك سبق وأن حسم في التعديلات التي تم تقديمها بخصوص مدونة 2004″، يقول المتحدث، مردفا أن “الملك محمد السادس سيحدد الصيغة شبه النهائية التي سيتم احالتها إلى البرلمان من أجل مناقشتها”.

 

وأشار المحلل السياسي إلى أنه “لم يكن في المستقبل أي ردود فعل من طرف الفعاليات الحقوقية أو الحزبية، لأنه لا يمكن معارضة الأمور التي حسم فيها القصر على اعتبار أنه أميرا للمؤمنين”.

تاريخ الخبر: 2024-04-08 21:09:35
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 71%
الأهمية: 75%

آخر الأخبار حول العالم

العالم يسجل ارتفاعا غير مسبوق في درجات الحرارة خلال أبريل

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-09 00:24:57
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 52%

أخنوش..الحكومة استطاعت تنفيذ جل التزاماتها قبل منتصف الولاية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-09 00:24:54
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية