مرحبا بصداقة الدين والفلسفة “4” النابغة الأنبا غريغوريوس
مرحبا بصداقة الدين والفلسفة “4” النابغة الأنبا غريغوريوس
بدأ طالب الدكتوراه الأستاذ وهيب عطا الله دراسته بجد وحب وبخاصة أن الجامعة أعفته من مرحلة الماجستير ووفرت له الوقت احتراما لخبرته ودراسته السابقة, مما شجعه علي عمله, وساعده علي ذلك أنه يجيد عدة لغات هي: القبطية وهي التي تدور حولها رسالة الدكتوراه واللغة الهيروغليفية والعبرية واليونانية والإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية إلي جانب تمكنه من اللغة العربية, وقال طالب الدكتوراه عن عمله:
لقد تجاوزت كل حقوق الإنسان الطبيعي, فأنا أعمل مالا يقل عن 18 ساعة يوميا, لكن الله يقف معي ويشددني.
بعد أن انتهي من كتابة الرسالة اضطر إلي كتابتها باليد, لأنه لم يوجد هناك آلات كاتبة يوناني أو قبطي وقتذاك, المشكلة أنه كان عليه- الأستاذ وهيب- أن يكتب عدد 5 نسخ من الرسالة الضخمة التي تشمل صفحاتها 724 صفحة, وكانت أسماء المراجع فقط تشغل 150 صفحة, وهذا يوضح الجهد الضخم الفكري والعضلي في هذه الرسالة التي أصابت أصابعه العشرة فقط بالتهابات شديدة, حصل الدكتور وهيب عطاالله جريس علي درجة الدكتوراه بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولي في السابع من يوليو 1955م, وأثناء المناقشة قال له المشرف عليها دكتور تل: لو لم أرك شخصيا تكتب هذه الرسالة, ولم لم أرها نحلق أمامي عاما بعد عام, لما صدقت أنها انتهت في ثلاث سنوات فقط إنها تحتاج علي الأقل إلي عشر سنوات, وأنا غير محتاج في الرسالة أن أسألك, المجهود كبير جدا وممتاز,أما الممتحن من الخارج الأستاذ THAKER فقال: جهد جبار وأفكار رائعة, إنها عمل ممتاز, وأنا غير محتاج أن سألك في الموضوع لأن الدراسة واضحة, وأنت بذلت مجهودا كبيرا جدا وممتازا وأنا أهنئ الأستاذ, تل الذي استطاع أن يشرف علي هذه الرسالة بمفرده,وأنا أريد أن أطمن أنك ستسير في هذا الخط.
بعد حصوله علي درجة الدكتوراه عرض علي الدكتور وهيب أن يعين في جامعة أكسفورد بإنجلترا أستاذا بها فاعتذر, كما عرض عليه أيضا الأنبا ثاؤفيلس أسقف هرر, أن يعين عميدا أو مديرا لمدرستهم في أديس أبابا بمرتب ألف دولار شهريا علم 1960 وهو مبلغ ضخم وقتها يعادل مبلغ مائة جنيه مصري فرفض أيضا.
في الثاني من سبتمبر1955 عاد الدكتور وهيب إلي القاهرة.
رسم الدكتور وهيب عطاالله أيبوذياكون ودياكون وأرشيدياكون في كنيسة العذراء بالأنبا رويس بالعباسية يوم الأربعاء 16 ديسمبر 1959 بيد الأنبا بنيامين مطران المنوفية. والأصل في الشماس الكامل وهو الدياكون ثم الأرشدياكون رئيس الشمامسة,أن يكون مكرسا للخدمة تكريسا تاما, وبالتالي أن يكون متفرغا فيها ومنقطعا لها كل الانقطاع.
وقد خصص لها كل وقته وجهده شأنه في ذلك شأن القسيس والأسقف, لهذا لابد الشماس أن يتزيا بالزي الذي يميز درجته ويحدد وظيفته, وللشماس الكامل زي كهنوت يرتديه أثناء خدمته بالمذبح وهي: تونية بيضاء وبدرشيل, يرتديه علي شكل صليب من فوق ظهره إتماما لقول السيد المسيح.. من لايحمل صليبه ويتبعني ويأتي ورائي لا يقدر أن يكون لي تلميذا.
أما الأرشيدياكون فيلبس البدرشيل بحيث يتدلي علي كتفه اليسري, علي نحو ما حمل السيد المسيح خشبة الصليب, وهذا يرمز علي عبء المسئولية التي يحملها الأرشيدياكون.
عندما رسم الدكتور وهيب عطاالله في رتبة الأرشيدياكون أي رئيس شمامسة, وضع لهذه الدرجة الكنسية ملابس خاصة بها لكنه لم يرتد هذه الملابس الخاصة إلا بعد أن طلب موافقة قداسة البابا كيرلس السادس ونال بركته وموافقته علي تفصيل الملابس الخاصة به وبالرتبة وبعد ارتدائه الملابس الجديدة, أطلق لحيته وظهر أمام الجميع بالزي الجديد وتعود الناس أن يروه كذلك وبخاصة طلبة الكلية الإكليريكية التي كان يدرس فيها, بحب وشغف للدراسة والبحث العلمي, ,بدأت محاولات مضايقة الدكتور وهيب في عمله بالإكليريكية, وكان أول سبب ضعيف لمضايقته هو ملابسه الكهنوتية التي يرتديها والتي اعتبرها المتآمرون عليه لا تتفق مع الإكليريكية, وأوعز بعضهم بذلك إلي البابا كيرلس وأقنعوه بضرورة أن يخلعها, عرف الدكتور بذلك فبعث لقداسة البابا يقول له إنه لم يرتد هذه الملابس إلا بعد موافقته ومباركته وزيادة في هذا الضيق والخلاف تم إعفاء الدكتور وهيب في18 يوليو1961 كأمين عام اللجنة العامة لمدارس التربية الكنسية, وأيضا محاولة إبعاده عن التدريس بالكلية الإكليريكية والذي كان يعتبره أهم شيء في حياته.
وأثناء حوار بين قداسة البابا كيرلس السادس والدكتور وهيب سنة 1962 تمسك الدكتور بعمله في التدريس وشغفه في خدمة الإكليريكية والدراسات اللاهوتية, وهو يشعر أن دعوته الحقيقية للإكليريكية ولذلك يمكن إرجاء موضوع الرهبنة الذي عرضه عليه قداسة البابا, لكن قداسة البابا كيرلس السادس قال آمرا:
اذهب إلي الدير
هنا أحس الدكتور وهيب أنها إرادة الله, وأن كلمة قداسة البابا كيرلس قد حسمت الموقف والنزاع الداخلي في نفسه بين الإكليريكية والرهبنة, كانت الرهبنة هي حلم طفولة وهيب فهو يذكر وهو في الرابعة عشرة, كان يتكلم مع أخته أوليفيا, وفجأة قال لها,إنني سأترهب في دير المحرق, ولم يكن زار أيا من الأديرة, وتحقق هذا الحلم في يوم الأحد 16 سبتمبر .1962
كان أبي الروحي وأستاذي الجليل نيافة الأنبا غريغوريوس يعطيني كثيرا من وقته ويسمح لي بمناقشته في كل ما أريد حتي أفهم وأعرف, وعن رسالته للدكتوراه تكلمنا كثيرا فكان ولوعا بتعلم اللغات المختلفة محبا لمعرفتها, وكانت الرسالة في الكلمات اليونانية واستخدامها في اللغة القبطية.
قلت لنيافته هناك سؤال يعرض نفسه علينا أولا يا سيدنا هو: ما الفرق بين اللغة الهيروغليفية واللغة القبطية؟
اللغة القبطية هي بعينها اللغة المصرية القديمة, الهيروغليفية كما كان المصريون القدماء يتكلموتها وينطقونها, وقد حافظت عليها الكنيسة القبطية في طقوس صلواتها وكتبها ومخطوطاتها, بل وعاشت اللغة القبطية في اللهجة العربية الدارجة المستخدمة فعلا كما يتحدث بها جميع المصريين مسيحيين ومسلمين, وهذه اللهجة العربية الدارجة تعيش فيها أكثر من تسعة آلاف كلمة قبطية الآن.
وقد ذكر أستاذي لي بعض هذه الكلمات ومنها: كلمة أيوحا التي يتغني بها الأطفال في رمضان.ووحوي يا وحوي أيوحا ومعني أيوحا في اللغة المصرية القديمة القمر, فيكون معني الأغنية, يا فرحتي بظهور القمر وهلال شهر الصوم رمضان, اسم النيل يرجع إلي ني يارو, في القبطية ومعناها المياه, كلمة دكة قبطية ومعناها مقعد أو أريكة, ومن الكلمات القبطية الطريفة التي مازلنا نستخدمها حتي الآن ودائما هي كلمةليلي التي يبدأ بها المطربون دائما أغنياتهم فيقولون: ياليلي يا عيني يا كلمة ليلي معناها فرح وابتهاج فتكون الكلمة معني, افرحي أو ابتهجي يا عيني.
وقد كتبت هذا الجزء من حواري مع أستاذي وأبي الروحي الأنبا غريغوريوس في كتابي: تأملات مصرية ساخرة الصادر سنة2002 عن مكتبة الدار العربية للكتاب.
ونستكمل الحديث عن أبي
الروحي وأستاذي الأنبا
غريغوريوس في المقال
القادم.