الحد الأدني للأجور … كيف سينطبق علي القطاع الخاص ؟
الحد الأدني للأجور … كيف سينطبق علي القطاع الخاص ؟
لا تزال تتوالي التشريعات التي تفرض علي القطاع الخاص تطبيق الحد الأدني للأجور, فبعد أن أصدر المجلس القومي للأجور في يناير الماضي قرارا يلزم مؤسسات القطاع الخاص -بغض النظر عن قدرتها أو ربحيتها- برفع الحد الأدني للأجور في سلمها الوظيفي إلي ثلاثة آلاف وخمسمائة جنيه شهريا مع ضرورة تعديل سائر شرائح الأجور الأعلي من الحد الأدني تبعا لذلك… صدر في 8 أبريل الجاري القرار رقم 27 لسنة 2024 بتوقيع الأستاذة الدكتورة هالة حلمي السعيد, وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية ورئيسة المجلس القومي للأجور, والذي ينص علي:
** المادة الأولي: يكون الحد الأدني للأجر (الشهري) بالقطاع الخاص 6 آلاف جنيه اعتبارا من 2024/5/1.
** المادة الثانية: حال تعرض المنشأة لظروف اقتصادية يتعذر معها الوفاء بالحد الأدني للأجر, يجوز لها أن تتقدم بطلب استثنائها من الالتزام بالحد المشار إليه في المادة الأولي, وذلك في موعد غايته 2024/5/15.
** المادة الثالثة: يستثني من أحكام المادة الأولي المشروعات متناهية الصغر التي يعمل بها 10 عاملين فأقل.
بذلك القرار الصادر عن المجلس الأعلي للأجور, تستمر الدولة في فرض وصايتها علي القطاع الخاص بكل شرائحه وأنشطته ونوعيات أعماله, وبغض النظر عن الصعوبات والتحديات التي تواجهه, نتيجة المتغيرات الاقتصادية والتمويلية والتضخم, التي تعصف بقدرته علي التكيف مع السوق وتلقي علي كاهله بأعباء جمة لا قبل له بها.
وأجدني في هذا الصدد مدفوعا لأن أستدعي ما سبق أن كتبت بتاريخ 18 فبراير الماضي عندما استعرضت هذه القضية حيث ذكرت الآتي:
** القطاع الخاص في ظل معايير انتعاش السوق والمنافسة وتحقيق الربح لا يتردد إطلاقا في إجراء المواءمات اللازمة لهياكل الأجور, ليس انصياعا لقرارات فوقية, إنما للاحتفاظ بالكفاءات التي تعمل لديه وعدم التفريط فيها حرصا علي تنمية نشاطه والنسبة التي يستحوذ عليها من السوق.
** أما في حالة تعثر القطاع الخاص سواء لأسباب خارجة عن إرادته ترجع إلي ارتباك ضوابط السوق ومعاييرها الاقتصادية, أو إلي عدم نجاح السياسات التي يتبعها في مباشرة نشاطه, فلا محالة من لجوئه إلي إعادة حساباته للخروج من أزمته, وذلك يشمل سبلا عديدة منها تقليص النشاط وتثبيت أو تخفيض الأجور والاستغناء عن بعض العمالة في هرمه الوظيفي… وكلها تدابير تستهدف إنقاذ المركب من الغرق, حتي إذا تم تجاوز الأزمة يمكنه العودة إلي زيادة العمالة ورفع الأجور بناء علي ما تمليه اعتبارات المنافسة في السوق.
** تدخل الدولة في هذه الآليات بفرض وصاية علي القطاع الخاص بدعوي حرصها علي صالح المواطن, من شأنه أن يدفع القطاع الخاص إلي اختيارات صعبة تتناقض مع المعايير السوقية الراسخة, ومنها التوسع في الاستغناء عن شرائح من العمالة يدفع بها إلي مغبة البطالة ليتمكن من المواءمة بين فرض زيادة الأجور عليه قسريا والقدرة علي الاستمرار, فإذا فشل في ذلك يضطر إلي التخلي عن العمل بالكامل وإنهاء نشاطه, مما يدفع بكامل العاملين لديه إلي جحيم البطالة… إذا بينما تزهو الدولة بأنها حريصة علي صالح المواطن, هي في الحقيقة تغامر باستقراره الوظيفي, ولست أدري هل هي مستعدة لإيواء ذلك المواطن وكفالة عمل مستقر له بديلا عما فقده وبذات الحد الأدني للأجر الذي حاولت فرضه علي القطاع الخاص؟!!!
** الدولة لها كل السلطة في أن تشرع للحد الأدني للأجور, وما يترتب عليه من تعديل هرم الأجور برمته فيما يخص أجهزتها الحكومية والمؤسسات التابعة لها, وما تسمح به مواردها -أو وسائلها- لتمويل ذلك فيكون هنيئا للمصريين الذين يعملون لديها.. فكما يقول المثل الشعبي: عايز تتفشخر اتفشخر من جيبك, لكن أن تستنزف قدرات القطاع الخاص بلا أي ضوابط, فذلك في ظاهره الحرص علي صالح المواطن الغلبان بينما هو في حقيقته الدفع به إلي التهلكة!!.. ولعل المسكوت عنه في هذا الصدد أن المؤسسات التابعة للدولة لم تصرخ احتجاجا علي قرارات رفع الحد الأدني للأجور وتوابعها, أتعرفون لماذا؟.. ليس لأنها جميعها قادرة علي تمويل ما تفرضه تلك القرارات, ولكن لأنها تتمتع بدعم الدولة وبالحصانة التامة ضد تجاوز ميزانياتها أو تقاعسها عن الوفاء بالأعباء القانونية المترتبة علي عمالتها.. فأين للقطاع الخاص مثل تلك المظلة من الحصانة والحماية؟!!
وبناء عليه, وبعيدا عن مجرد البكاء علي اللبن المسكوب, ما هي سبل الخروج من هذا الوضع المأزوم؟.. يجب أن تكون هناك معايير واضحة للتعامل مع قرارات رفع الحد الأدني للأجور في القطاع الخاص, وفي هذا الإطار أعرض الآتي:
** لحسن الحظ أن القرار الأخير تدارك ما كان غائبا عن القرار الذي سبقه فيما يخص حق المنشأة التي تعرضت لظروف اقتصادية يتعذر معها الوفاء بالحد الأدني للأجر بأن تتقدم بطلب استثنائها من الالتزام به… لأنه تجدر الإشارة أن سبق لمؤسسة وطني أن احتكمت إلي مثل هذه الفقرة إبان صدور تشريع الحد الأدني للأجور عن مجلس النواب وتم الاستجابة إلي طلبها الإعفاء من الامتثال له آنذاك, بينما عندما قامت المؤسسة باتباع ذات المنحي لدي المجلس الأعلي للأجور للإعفاء من تطبيق حد الـ3500 جنيه كان الرد الذي تلقته أنه لا توجد استثناءات في الالتزام بالقرار -هذا بالرغم من تقديم المؤسسة كافة الأوراق الرسمية التي تثبت تحقيقها خسائر.
** يجب أن تكون هناك معايير واضحة مسبقا لكيفية خضوع مؤسسات القطاع الخاص لأي تشريع يفرض حدا أدني للأجور, فلا يكفي النص علي السماح لها بأن تتقدم بطلب استثنائها من الالتزام بالحد المشار إليه, فما العمل إذا تم رفض الطلب.. وما العمل إذا تم فرض تخفيض من جانب المجلس الأعلي للأجور يظل يفوق قدرتها علي الوفاء به؟.. إن الشفافية والأحكام الواضحة مسبقا, مهم جدا إقرارها في هذا الصدد ومثال ذلك ما يلي:
- المؤسسات التي تتقدم بميزانيات رسمية معتمدة من مراقبي حسابات معتمدين تثبت تحقيق خسائر يتم إعفاؤها تماما من الالتزام بالحد الأدني للأجور, وأكرر هنا أن ذلك لا يمس التزامها بتطبيق تشريعات التأمينات الاجتماعية وضرائب كسب العمل الواجبة علي شرائح الأجور بها, فهذا لا إعفاء منه.
- المؤسسات التي تتقدم بميزانيات رسمية معتمدة من مراقبي حسابات معتمدين تثبت تحقيق هامش ربح معين لا يفرض عليها رفع هياكل الأجور إلا فيما لا يجاوز هامش الربح المذكور.
- في جميع الأحوال لا توجد وصاية من أية سلطة علي حق مؤسسات القطاع الخاص في مراجعة حجم العمالة لديها سواء بالزيادة أو بالنقصان, وبما لا يصادر علي حريتها في اتخاذ ما يلزم لمواجهة تحديات المنافسة السوقية في مجال نشاطها أو قدرتها علي الاستمرار أو حقها في الاستغناء عن بعض العاملين لديها لحساب البطالة.