مرحبا بصداقة الدين والفلسفة.. العلامة الفيلسوف الأنبا غريغوريوس(٦)
مرحبا بصداقة الدين والفلسفة.. العلامة الفيلسوف الأنبا غريغوريوس(٦)
أخذ الراهب باخوم المحرقي يهرب من درجة الأسقفية بكل الطرق, فهو لا يريد الكهنوت بل يريد أن يظل إلي يوم وفاته تلميذا يدرس العلوم الكنسية ويغترف من بحورها, ولا يريد أي عمل إداري يعوقه عن شهوة قلبه في الدرس والبحث.
ولما وجد الأمور تسير ضد رغبته وأنه سينال درجة الأسقفية خطر له خاطر مع صلاته الحارة.. هو لماذا يكون رسمه علي معهد الدراسات القبطية ولا يكون علي البحث العلمي, بالإضافة إلي الدراسات العليا والثقافة القبطية, وأعرب باخوم للأساقفة بخاطره هذا, كما طلب وجود الأنبا شنودة في حفل الرسامة. ذهب القمص باخوم ليلتقي مع بعض الأساقفة ليوافقوه علي الاسم الجديد للدرجة الكهنوتية ثم ذهبوا لقداسة البابا مع الأنبا أثناسيوس أسقف بني سويف مع بعض الكهنة. وافق البابا علي رأي القمص باخوم وفعلا تمت مراسم الرسامة وكان النطق أسقف عام الدراسات العليا, والثقافة القبطية والبحث العلمي, كما أراد باخوم ولم يحضر الأنبا شنودة حفل السيامة, وقام الأنبا غريغوريوس وهو الاسم الجديد للقمص باخوم بإلقاء كلمة بعد السيامة.
من المهم هنا أن نوضح أن يوم تسليم التقليد للأنبا غريغوريوس كان يوم الخميس الموافق 18 مايو سنة 1967, فيه أناب قداسة البابا كيرلس السادس ثمانية من أحبار الكنيسة الأجلاء ليحضروا بالنيابة عنه حفل تسليم التقليد له.
وفي يوم الأربعاء من الخمسين المقدسة الموافق العاشر من مايو هو يوم تكريس وتجليس وتنصيب وتتويج القمص باخوم عطاالله المحرقي الراهب من دير السيدة العذراء بجبل قسقام الشهير بالمحرق أسقفا عاما باسم الأنبا غريغوريوس, لذلك عهدنا إليه ليكون مسئولا عن الدراسات العليا, والثقافة القبطية والبحث العلمي وما يتصل به لتعميق تلك الدراسات وتدعيمها ونشرها باللغات القديمة والحديثة, بالإضافة إلي ما هو قائم به فعلا من التدريس وإلقاء المحاضرات, ويكون مقر عمله في الكلية الإكليريكية ومعهد الدراسات القبطية, ومقر إقامته في الطابق الثالث بمبني دير الأنبا رويس.
صدر بالمقر البابوي ويتلي بحفل تقليده بالقاعة المرقسية في مساء الخميس 18 مايو 1967- 10 بشنس 1683.
بعد سيامته عين قداسة البابا كيرلس السادس الأنبا غريغوريوس سكرتيرا لقداسته في الشئون الدينية, وكل ما يعهد إليه من أعمال في الشئون البطريركية, كذلك تم ترشيحه ليكون أسقفا لعدد من الإيبارشيات الشاغرة مثل إيبارشية ديروط والمنوفية وغيرها, ورشحه شعب كنيسة مارجرجس والأنبا شنودة, بجرسي سيتي ليكون أسقفا لرعاية الساحل الشرقي للولايات المتحدة في شهر أغسطس 1979, لكنه رفض جميع الترشيحات واستمر في عمله كوكيل للكلية الإكليريكية, إلي جانب التدريس فيها, والخدمة في أنحاء الكرازة.
ورشح نيافة الأنبا غريغوريوس مرتين لشغل الكرسي البطريركي لكنه اعتذر كعادته, المرة الأولي عام 1956 والمرة الثانية 1971.
عاش أبي الروحي ومعلمي الأنبا غريغوريوس للعلم قراءة وبحثا وتبحر وبحث في شتي العلوم, وبخاصة الدينية واللاهوتية, كذلك كان يشبع هوايته في معرفة اللغات, فعرف أكثر من عشر لغات كان يستخدمها فعلا في أبحاثه ومؤلفاته, وألف 89 كتابا من 116 كتابا تم إصدارها ضمن منشورات أسقفية الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي.
ولأن له كتبا كثيرة في الفلسفة فكان يقرأ مراجعها باللغة اليونانية الأصلية ومن هنا كان يبهر أساتذته في لندن وألمانيا والغرب في مؤلفاته والنتائج التي يصل إليها ويحصل علي درجة ممتاز.
قام بتأليف 60 كتابا للمقررات التي تدرس في الكلية الإكليريكية في جميع فروع اللاهوت.
كتب أحد عشر مؤلفا باللغة الإنجليزية.
له مقالات كثيرة ومتعددة في كتب وموسوعات ومجلات وصحف مصرية وعالمية باللغات العربية والإنجليزية والقبطية وغيرها.
له حوالي ثلاثة آلاف محاضرة وعظة مسجلة.
وقد تشرفت بتسجيل عدة حوارات وبرامج له أذيعت من إذاعة الشعب في 26 أبريل 1970 وفي أول نوفمبر 1981 وفي 30 ديسمبر 1982, كما تشرفت بإجراء حوارات لجريدة وطني مع نيافته نشرت في ذلك الوقت وكان أهمها موضوع عن الجنة والنار وغيرها, كذلك وصل إجمالي عدد العظات والمحاضرات التي ألقاها 8634 عظة ومحاضرة, لأنه فيلسوف كان أبي ومعلمي الأنبا غريغوريوس يكتب في الفلسفة وله فيها عدة مؤلفات منها: نظرة عامة إلي الفلسفة- مقدمة الديانة المسيحية والفلسفة- الرواقية- في تاريخ الفلسفة اليهودية- أثيناغوراس مقدمة- الفيلسوف إكليمنضس- الفلسفة المسيحية الغربية- الفيلسوف القديس أغسطينوس مقدمة- الوجودية- فصول من كتاب مدينة الله للقديس أوغسطينوس- الأبيونية.
وتعلمت من أبي الروحي ومعلمي العلامة غريغوريوس الحب لكل الناس والبساطة في كل شيء في المأكل والملبس والتفاخر بأبسط الأشياء, فكل ما تملكه نعمة. كان بسيطا في طعامه وشرابه, لا يأكل اللحم, والسمك أحيانا لا كل الوقت, يشرب اللبن, وكان يصوم صوم العذراء بالماء والملح, لم تعرف نفس العلامة الأنبا غريغوريوس التعصب لأي شيء معين لدين واحد, أو جنس بعينه, أو فكر لذاته, بل كان يتعامل بحب مع الجميع فأحبوه لذلك ليس غريبا أن نري الأنبا غريغوريوس يعظ داخل جامع بدر بمديرية التحرير في يوم الجمعة 21 شهر يوليو 1967م. قام نيافته أيضا بتأليف سبعة كتب عن الكنيسة وقضايا الوطن والدولة والشرق الأوسط, ومعظمها موضوعات عن الوحدة الوطنية. كان إنسانا بسيطا محبا من قلبه, ولم يعرف قلبه الطاهر النقي التعصب بأي صورة من صوره.
ولا أدل علي حبه للجميع من هذه الكلمات التي كتبها بتاريخ 21 ديسمبر 1972 كتب يقول:
وإني كمسيحي لا أرضي لنفسي وكمسيحي آخر, أن يبني محبته لدين المسيح علي أساس عاطفي, ولا أرضي ولا لمسيحي آخر أن يظهر سمو المسيحية, بإبراز احتقاره لدين آخر, أو تجنيه عليه أو مهاجمته بأي صورة, فمجد المسيح لا يبني علي أنقاض آخرين, وسمو المسيحية له ألف دليل ودليل.. إن فيها في ذاتها عناصر القوة ولا يستمدها من غيرها.. فنحن ننظر للإسلام علي أنه أقرب إلينا من اليهودية الحالية, وقد أعلنت هذا في مجمع الفاتيكان الثاني 1963, يوم أن كنت ممثلا لكنيستنا في هذا المجمع كمراقب.
وأكد هذا العلامة الدكتور غريغوريوس أيضا مرة أخري في 19 يوليو 1985, قال:
لقد كان هذا منهجي منذ شبابي المبكر, إني لا أرضي ولا أقبل في أي مناقشة دينية, أن أهاجم المسلمين في عقيدتهم الإسلامية, كنت دائما أحرص علي أن أجيب علي من يسألني, عن عقيدتي المسيحية في المسيح, وفي التثليث, والفداء, والمصير الأخروي بما في المسيحية وكتابها من معطيات, دون أن أتعرض بهجوم أو نقد للإسلام, وشكرا لله أنني في كل موقف كسبت صداقة إخوتنا المسلمين ومحبتهم..
نستكمل مع العلامة الفيلسوف الأنبا غريغوريوس الأسبوع القادم