وقف إطلاق النار على الأبواب في قطاع غزة.. من انتصر في الحرب؟


الدار/ تحليل

تتطور الأحداث سراعاً نحو الاتفاق على وقف نهائي لإطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى، وإنهاء شهور طويلة من العدوان الذي استهدف سكان القطاع، وأدى إلى استشهاد أكثر من 34 ألف فلسطيني وجرح عشرات الآلاف، وتدمير أكثر من 80 بالمائة من بنايات القطاع وبنياته الأساسية والتحتية. حرب مدمرة تابعها العالم بأسره على مدار شهور منذ 7 أكتوبر تاريخ عملية طوفان الأقصى التي نفّذتها حركة حماس. منذ ذلك اليوم شاهد العالم فظاعات غير مسبوقة استهدفت الأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزّل في أضيق رقعة سكنية في العالم. فهل اقتربت الحرب من وضع أوزارها؟

وافقت حركة حماس على الاتفاق الذي ترعاه الولايات المتحدة الأميركية وقطر ومصر، بينما تواصل الحكومة الإسرائيلية اليمينية إطلاق التهديدات ببدء عملية عسكرية واسعة في مدينة رفح المكتظة بالنازحين الفارّين من شمال القطاع. يبدو هذا التهديد جزءاً من عملية التفاوض وتحاول من خلال حكومة نتنياهو حفظ ماء الوجه وانتزاع المزيد من المكاسب في هذه الحرب التي لم تحقق من ورائها الأهداف التي أعلنتها في البداية. كان على رأسها هدفان رئيسان: استرجاع الأسرى الموجودين لدى حركة حماس والقضاء على الحركة وبنياتها العسكرية. واتّضح إلى حدود اليوم بعد شهور طويلة أن الجيش الإسرائيلي فشل في تحقيق أيّ من الهدفين.

ولعلّ العملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية أمس في منطقة كرم أبو سالم وأفضت إلى مقتل 3 جنود إسرائيليين على الأقل وجرح العشرات كانت القطرة التي أفاضت الكأس. لقد فشلت القبة الحديدية التي تفخر بها حكومة نتنياهو في اعتراض صواريخ تقليدية أطلقت من منطقة رفح لتصيب تجمعا عسكريا للجنود الإسرائيليين الذين كانوا يحتشدون في المنطقة استعدادا لعملية رفح المحتملة. وبغض النظر عن بنود وتفاصيل الاتفاق الذي قد يعلن عن عقده في الساعات أو الأيام القليلة المقبلة، يبدو أن حماس تتجه نحو تحقيق نصر واضح في هذه المعركة على الرغم من فداحة الخسائر البشرية وحجم الدمار الذي لحق بقطاع غزة.

لا يُقاس النصر أو الهزيمة في مثل هذه المعارك، وفي معركة غزة على الخصوص بأعداد القتلى بقدر ما يُقاس بمدى القدرة على تحقيق الأهداف العسكرية الكبرى والاستراتيجية التي يمكن أن تغير الواقع وتقلب المعطيات الميدانية. والواضح بعد هذه الحرب الطويلة أن المعطيات الميدانية لم تتغير كثيرا. إذا تم الاتفاق على انسحاب إسرائيلي تدريجي فهذا يعني أن حماس حافظت على بقائها السياسي والميداني والشعبي أيضا، واستطاعت أن تُثبت هزالة أداء الجيش الإسرائيلي وهشاشة الجبهة الإسرائيلية الداخلية، وهي نقطة لعبت عليها كثيرا من خلال مخاطبة المجتمع الإسرائيلي مباشرة، والعزف على وتر الانقسام الداخلي الذي يعانيه.

على سبيل المثال كشفت هذه الحرب عجز الحكومة الإسرائيلية عن فرض قانون التجنيد الإجباري على اليهود المتدينين المعروفين بطائفة الحريديم، وهو الأمر الذي ترك أثرا بالغا في لا وعي المجتمع الإسرائيلي ومدى قدرته على التماسك والتعبير عن روح الانتماء إلى إسرائيل. ومن بين مظاهر الانقسام الأخرى التي تمكنت حركة حماس من خلال إعلامها أن تكشفها تلك المتعلقة بالطبقة السياسية الإسرائيلية، علاوة على الصراعات الخفية التي عمقت الخلافات بين القادة، سواء تعلق الأمر بالمنتمين إلى الحكومة الحالية أم بمن هم في المعارضة. فعلى الرغم من التناغم الظاهري الذي حاول هؤلاء إبرازه ظلّت الخلافات السياسية طاغية على السطح، ومن المتوقع أن تصل ذروتها بمجرد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار.

هناك انتصار آخر حققته حركة حماس خلال هذه الحرب. وهو في الحقيقة انتصار للشعب الفلسطيني ولا سيّما الغزاوي. يتعلق الأمر بالانتصار الأخلاقي والسياسي على الصعيد الدولي. لأول مرة تجد إسرائيل نفسها أمام موجة غضب دولية شاملة بسبب الفظاعات والانتهاكات التي ترتكبها في غزة. وعادت موجة الاحتجاجات التي اجتاحت الجامعات الأميركية على سبيل المثال لتذكّر بما جرى إبان حرب فيتنام في أواخر الستينيات عندما ثار الطّلاب الأميركيون ورفضوا المشاركة فيها. ولأول مرة يجد قادة إسرائيل أنفسهم مهدّدين بمذكرات اعتقال دولية من طرف المحكمة الجنائية الدولية. ويمثل هذا المكسب السياسي الدبلوماسي أحد الجوانب الأكثر أهمية من الناحية التاريخية في حدث العدوان المدمّر.

ولعلّ امتدادات هذا الانتصار في الولايات المتحدة الأميركية تعدّ الأكثر أهمية وتأثيرا في هذا الصراع في المستقبل. ويذكّرنا هذا التطور بمكسب آخر لا يقل أهمية. إنه كشف النقاب عن حقيقة القوة الإسرائيلية. لقد اتّضح بما لا يدع مجالا للشك أن إسرائيل دون دعم غربي وأميركي على الخصوص لا يمكن أن تصمد كثيرا في مواجهة حرب محلية أو إقليمية. ولولا هذا الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري والاقتصادي الذي وفرته الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا منذ اليوم الأول من الحرب لربّما كان الجيش الإسرائيلي اليوم عاجزا عن حماية استمرارية الدولة في ظلّ الجاهزية الميدانية الكبيرة التي أظهرتها المقاومة الفلسطينية.

تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:25:25
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

طقس الأحد.. زخات رعدية ورياح بهذه المناطق

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-19 12:26:06
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 58%

طقس الأحد.. زخات رعدية ورياح بهذه المناطق

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-19 12:26:11
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 66%

سابقة في السعودية.. تنظيم عرض أزياء لملابس السباحة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-19 12:25:52
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية