عن الجسر الذهبي وقيامة الحياة
عن الجسر الذهبي وقيامة الحياة
في ليلة الصلب كان السيد المسيح يشعر بالآلام النفسية الرهيبة بسبب خطيئة الإنسان التي أحزنت قلب الله منذ بدء الخليقة, وجلبت علي آدم وكل نسله حكم الموت الأبدي والتي استوجبت أن يتخذ أقنوم الابن الصورة الناسوتية حتي يحمل علي منكبيه صليب العار وكل ما صاحبه من آلام نفسية وجسمانية لا يتحملها بشر ويفدي الجنس البشري كله ولكنه رغم ذلك وفي آخر دروسه لنا كإنسان كامل وقدوة للجنس البشري كله قال مخاطبا الآب السماوي يا أبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك(لو22:42).
إنه درس تسليم الإرادة الشخصية في يد الله وليس تغليب إرادتنا الشخصية التي قد تكون من الشيطان علي إرادة الله التي يعلنها لنا بأشكال مختلفة. ومن هنا كان تأكيد الرب يسوع علي أهمية الإصغاء لصوت الله الذي يعلن إرادته عنه ما قال بفمه الطاهر في إنجيل متيمن له أذنان للسمع فليسمع (مت11:15), وتكررت هذه العبارة علي مدار إصحاحات سفر الرؤيا الذي نقرأه بالكامل ليلة سبت النورأبو غلمسيس.
وتسليم الإرادة أو فضيلة التسليم هي الدرس الأول الذي كان من الممكن أن يكون طوق النجاة لكثيرين منذ بدء الخليقة, إذ أن مشكلة آدم وحواء بدأت عندما قررا استبدال إرادة الله لحياتهما بإرادتهما الشخصية التي تسلمها إبليس دون أن يشعرا, فكان السقوط المروع الذي أهلك الجنس البشري كله ورغم ذلك كانت الفرص متاحة لكل إنسان لكي ينجو بنفسه حتي تتم رسالة الخلاص في ملء الزمان فانتهزها البعض وضيعها البعض الآخر والأمثلة كثيرة, فقد كان من الممكن لقايين لو اتبع إرادة الله وقدم الذبيحة التي يرضاها أن ينجو من حقده علي أخيه هابيل البار حتي ارتكب أول جريمة قتل في تاريخ البشرية وهام علي وجهه هاربا في الأرض وكان من الممكن ألا تتحول امرأة لوط إلي عامود من الملح لو لم تطاوع إراداتهما الشخصية وتنظر إلي الوراء وكان من الممكن للملك آخاب هو وزوجته إيزابل أن لا ينتهيا النهاية المأساوية المعروفة لو أطاعا إرادة الله التي كان يعلنها لهما علي لسان النبي العظيم إيليا وكان من الممكن ألا ينتهي يهوذا الإسخريوطي
إلي الانتحار والهلاك لو لم يسلم إراداته لإبليس متجاهلا كل ما رآه وسمعه خلال مصاحبته لرب المجد.
وعلي النقيض نجد أمثلة أخري في الكتاب المقدس وسير القديسين ممن تبينوا إرادة الله وأطاعوها فورا أو بعد حين بالتوبة ولو في اللحظات الأخيرة وعلي رأسهم ديماس اللص اليمين والشهيد لونجينوس قائد المائة والشهيد أريانوس والي أنصنا والقديس القوي الشهيد الأنبا موسي الأسود والقديس بطرس العابد والقديسة مريم المصرية وغيرهم.
والخلاصة أن الجسر الذهبي للفوز بقيامة الحياة وسكني الملكوت مع الملائكة وسحابة الشهود من القديسين يتلخص في تسليم إرادتنا الشخصية بالكامل لإرادة الله حتي لا يتسلمها الشيطان ويسقطنا في حرب الذات فندمر أنفسنا بأنفسنا تحت مسميحرية الإرادة أوالعقلانية في غير محلها.
فالحكمة تقول إننا إذا استمعنا لإرادة الله بالأذن الروحية بأي وسيلة ينبغي أن نطيعها لأنه يعرف ما هو لصالحنا أكثر منا وكيف لا والماضي والحاضر والمستقبل للجنس البشري كله هم مثل لحظة واحدة أمامه ومن هنا الوحي الإلهي في سفر أعمال الرسلسلمنا فصرنا نحمل(أع27:15).
الرب يعطينا أن نتبين إرادته ونسير فيها بتسليم كامل لتكون هي جسرنا الذهبي لنقوم قيامة الحياة وليس قيامة الدينونة.. وكل عام وجميعكم بخير.